خصصت وزارة الشؤون الثقافية العدد الأخير المزدوج من مجلتها "الثقافة المغربية" للفن التشكيلي في المغرب في محاولة منها لمواكبة التراكم اللافت الذي حققته الحركة التشكيلية المغربية كماً وكيفاً، وكذلك روح الابتكار والتجديد سواء في مواد الرسم والتصوير أو في تقنياتهما وأساليبهما الفنية. وهي الروح التي أكسبت الكثير من المبدعين المغاربة سمعة طيبة جداً في أوروبا والعالم العربي. الملف حاول تقديم قراءة استيعابية منصفة لتحولات الحقل التشكيلي في المغرب ولمكاسبه المعرفية عبر مقاربات لتشكيليين مغاربة أو نقاد فنيين بارزين نذكر من بينهم: عبدالكبير الخطيبي، أحمد جاريد، محمد السرغيني، زهرة زيراوي، حسني أبو المعالي، فريد الزاهي، شفيق الزكاري، حسن بحراوي، بنعيسى بوحمالة، حسّان بورقية، وبوجمعة العوفي. أما مقاربات الملف فحاولت إلقاء الضوء على تاريخ هذا الفن في المغرب وعلى مراحل تطوره وأبرز اتجاهاته وأعلامه، واقتراح تأملات فكرية وتصورات منهجية لكيفية قراءة اللوحة باعتبارها "مُؤلَّفاً" فنياً يختزن عالماً ثريّ الرموز والأبعاد والدلالات، وأخيراً مراجعة بعض الإصدارات النقدية المخصصة للتشكيل. وتمّ تأثيث جل الدراسات التي احتضنها العدد بصُوَر مُصغَّرة لأشهر اللوحات التشكيلية التي أبدعها فنانون مغاربة بارزون على امتداد نصف قرن من تاريخ هذا الفن في المغرب، فيما أنجز الغلاف الفنان المغربي الراحل محمد الدريسي الذي وافته المنية في كانون الثاني يناير في إحدى محطات الميترو في العاصمة الفرنسية وهو في طريقه إلى "مدينة الفنون" في باريس. ملف مجلة "الثقافة المغربية" الأخير الذي جاء في 300 صفحة تقريباً يقترح نفسه على القارئ ككتاب مرجعي لا غنى عنه لكل مهتم بالحركة التشكيلية المغربية. ويمكن اعتباره أيضاً إسهاماً بالغ الأهمية في إثراء الوعي البصري، خصوصاً في شقه التربوي المنذور لكيفية قراءة اللوحة باعتبارها "مؤَلَّفاً" فنياً يمتلك القدرة على التعبير التصويري عن المشاعر والبنيات الذهنية للماضي والحاضر. "مؤلَّف" من نوع خاص، لا يقدِّم كثافات ورموزاً خالصة فحسب، بل يوحي عبر ذلك بموضوعات "ملموسة" نابعة من الوجود وقابلة للتحليل والتأويل والإمتاع، وضرورية لحياة المجموعات مهاد الفنان وفضاء تداول إبداعاته. وفيها غذاء للعين والوجدان والفكر معاً، كما يقول رئيس التحرير عبدالحميد عقار في افتتاحية هذا العدد. ومن أهمّ دراسات هذا الملف المواد الآتية: "الفن التشكيلي في المغرب من الفن الفطري إلى الفن العالِم" لحسن بحراوي، "الحركة التشكيلية بالمغرب: ملامح النشوء والتّحول" لأحمد جاريد، "التشكيل المغربي وأسئلته الجمالية" لفريد الزاهي، "التجريدية العربية وأسئلة الحداثة" لعبدالكبير الخطيبي، "من مظاهر الحركة التشكيلية الطلائعية في المغرب" لشفيق الزكاري، "التشكيل المغربي: أسئلة التجريب" لبوجمعة العوفي، "الكتابة والنقد الفني" لبنيونس عميروش، ثم "فيمَ تُفكرُ اللوحة؟" لحسان بورقية. إضافة إلى بعض الدراسات التي توقفت عند تجارب لونية بعينها لأسماء أساسية في المشهد التشكيلي المغربي، كتجارب محمد شبعة، محمد القاسمي، محمد المليحي، أحمد الشرقاوي، عبدالكريم الأزهر، والمكي مغارة.