انتهت اول من امس، تشريعياً، حال التشابه بين العمل الصحافي والعمليات الارهابية في الاردن، بعدما ألغت الحكومة المادة 150 من قانون العقوبات التي فرضت قيوداً لا سابق لها على عمل الصحافة، وأثارت سخطاً واسعاً لدى الصحافيين الذين وجدوا انفسهم للمرة الاولى في مصاف الارهابيين. وكانت الحكومة ادخلت هذه المادة في تشرين الاول اكتوبر عام 2001، بعد شهر من اعتداءات 11 ايلول سبتمبر في الولاياتالمتحدة، ضمن حزمة تعديلات خاصة بمكافحة الارهاب، ونقلت بموجبها المخالفات الصحافية من القضاء المدني الى العسكري، ليمثل الصحافيون امام محكمة أمن الدولة، ويواجهوا عقوبات السجن والغرامة واغلاق صحفهم. ولذلك، أثار الغاؤها امس ارتياحاً واسعاً في الوسط الصحافي الذي ظل يعتبرها تقييداً للعمل المهني، وعائقاً اساسياً امام تنمية الحياة السياسية في البلاد. وصرح نقيب الصحافيين الاردنيين طارق المومني ل"الحياة" بأن "عهداً جديداً في الصحافة بدأ بعد الغاء تلك المادة، لمصلحة الحرية والانفتاح والانعتاق من ضراوة التشريعات غير الديموقراطية". واشار الى ان "المادة 150 انعكست سلباً على اداء الصحافة الاردنية. وجاءت في سياق تشريعي لا يميز بين الصحافي والارهابي". وكانت المادة المثيرة للجدل تمنح القضاء العسكري حق الاغلاق الموقت او الدائم للصحيفة، وسجن رئيس تحريرها ومالكها مدة تراوح بين 3 و6 اشهر وبغرامة مالية نحو 7 آلاف دولار او بالعقوبتين معاً، اذا نشرت المطبوعة ما من شأنه "الإساءة" الى الوحدة الوطنية او التحريض على ارتكاب الجرائم، او زرع بذور الكراهية والشقاق في المجتمع، او نشر معلومات او اشاعات كاذبة، او حرّضت على الاضطرابات والاعتصامات او عقد الاجتماعات العامة بشكل يخالف احكام التشريعات النافذة". ولفت المومني الى ان "بنود هذه المادة كانت فضفاضة، ويمكن بموجبها تحريك اي دعوى ضد الصحافيين وإدانتهم" علماً أن الأحكام الصادرة عن محكمة "امن الدولة" لا تخضع للاستئناف امام المراجع القضائية العليا. وجاء الإجراء الحكومي بعدما فرغت نقابة الصحافيين من اعداد "ميثاق الشرف الصحافي" ولتعرضه على هيئتها العمومية بعد غد الجمعة. وقال وزير الاعلام الاردني محمد العدوان ان "مثل هذا الميثاق سيساعد في ضبط ومراقبة المهنة الصحافية". وبعد الغاء هذه المادة ستنظر المحاكم المدنية في قضايا المطبوعات، وهذا يُعدّ في حدّ ذاته مكسباً للصحافة، لجهة ان الاحكام لن تكون قطعية، وستكون صادرة عن محاكم متخصصة بمخالفات الصحف. وبسبب المادة 150 أُغلقت في كانون الثاني يناير الماضي صحيفة "الهلال" الاسبوعية، وصدرت احكام بالسجن على رئيس تحريرها ناصر قمش ومدير تحريرها رومان حداد، والكاتب فيها مهند مبيضين الذي نشر مقالاً اعتبرته المحكمة "مسيئاً للديانات والشرائع السماوية". ورأى قمش ان "الغاء المادة خطوة مهمة على طريق الانفراج السياسي في الاردن الذي كان مثار انتقاد واسع من المنظمات المعنية بحرية الصحافة وحقوق الانسان" واضاف ل"الحياة" ان "الغاءها يترك هامشاً لا بأس به امام عمل الصحافة، ويُطلق امكاناتها وطاقاتها المهنية للمساهمة في تعزيز المكتسبات الديموقراطية". لكن ثمة من يرى ان "تخلي الحكومة عن هذه المادة، وان كان يعكس انفراجاً مبشراً بإجراءات اخرى، الا انه ليس كافياً". وقال نائب رئيس تحرير صحيفة "الرأي" شبه الحكومية عماد الحمود ل"الحياة" ان "هناك 33 قانوناً من الممكن ان تؤثر في حرية الصحافة، بينها قانون العقوبات نفسه، وتشريعات اخرى متعلقة بحماية الوثائق السرية، والمحافظة على اسرار الدولة". وطالب الحكومة ب"اعادة قراءة التشريعات النافذة وتعديل او الغاء كل ما من شأنه ان يعيق عمل الصحافة وحريتها"، خصوصاً ان "بعض القوانين صدر في مرحلة الاحكام العرفية" قبل العام 1989.