بات اصلاح الاعلام الرسمي في الاردن وتحريره من الهواجس الامنية المزمنة، وفك الارتباط بينه وبين الدولة ابرز التحديات التي ستمتحن قدرة الحكومة الاردنية الجديدة ورئيسها فيصل الفائز على مواجهة اكثر الملفات الداخلية تعقيداً وتداخلاً في بلد لم يعرف الاعلام المستقل. وينشد في الوقت نفسه "تنمية سياسية شاملة" تسعى الى احتواء تداعيات اوضاع الجوار في العراقوفلسطين على الحريات العامة والنشاطات المدنية في المملكة. ويزداد هذا التحدي قوة مع إلحاح الملك عبدالله الثاني على الحكومة الجديدة الاسبوع الماضي بالعمل سريعاً على توفير المناخات الملائمة ل"صحافة تتمتع بحرية التعبير وتعددية الآراء، واعلام يجسد التغيير" على ان "يكون مهنياً وقادراً ومتمكناً، وليس خائفاً وعاجزاً ومتردداً"، مما يعني فعلياً ان الحكومة باتت أمام جملة من التدابير الصعبة، ليس اقلها فصل الاعلام عن الامن للمرة الاولى في تاريخ البلاد، والتقدم بقوانين عصرية للمطبوعات والنشر، الى بيع مؤسساتها الاعلامية للقطاع الخاص، لئلا يبدو قرارها الغاء وزارة الاعلام مجرد استعراض لتسويق انفتاحها خارجياً. والواقع ان الاخفاق المتكرر حالف حكومات سابقة ومؤسسات وهياكل رسمية حاولت اصلاح الاعلام. واصطدمت دائماً بمراكز نفوذ في الدولة ترى ان البلاد تعيش ازمة اقتصادية صعبة وتفرض عليها اعتبارات جغرافية بين ازمتي فلسطينوالعراق الا تترك الاعلام من دون ضوابط تشريعية وكوابح اجرائية تكفل الامن وتفوّت الفرصة على المعارضة، خصوصاً الاسلامية، في قيادة الشارع المعادي للسياسات الاميركية والاسرائيلية والتأثير عليه. لكن الوضوح الذي أظهره الخطاب الملكي ازاء تغيير واقع الاعلام أشاع هذه المرة تفاؤلاً واسعاً في الاوساط الاعلامية التي اصبحت كما يقول نقيب الصحافيين الاردنيين طارق المومني تترقب "خطوات ملموسة من الحكومة تعكس جديتها في ترجمة الرؤية الملكية، والتكيّف مع مرحلة جديدة يكون فيها قطاع الصحافة والاعلام حراً ومستقلاً، ومؤهلاً لدور فاعل في التنمية السياسية" التي استحدث الفايز لها وزارة خاصة، وأناطها بالوزير محمد داودية، وهو صحافي ومعارض سابق. ويؤكد المومني ل"الحياة" ان "تحرير الصحافة والاعلام من القيود الحكومية والتشريعية أمر ممكن ونتائجه مأمونة موضحاً ان "النقابة أقرت ميثاقاً للشرف الصحافي يلزم منتسبيها الأسس المهنية والاعتبارات الاخلاقية للعمل في اطار من الصدقية والدقة والموضوعية مما يضمن اعلاماً ناضجاً ومسؤولاً تجاه الدولة والمجتمع، من دون الحاجة الى التشدد في القوانين والاجراءات وتكريس التبعية للحكومة". وستسجل حكومة الفايز، اذا نجحت في حل معضلتي الاعلام والأمن قبل أي اجراء آخر، انجازاً كبيراً وتكسب جولة مؤثرة ضد معارضة جماعة "الاخوان المسلمين" المتربصة في البرلمان الذي ستذهب اليه مطلع الشهر المقبل طالبة ثقته. ويمنحها ذلك اسابيع للبدء في اتخاذ اجراءات الغاء دائرة المطبوعات والنشر الرقابية، وفتح حوار مع الجسم الصحافي والاعلامي حول تشريعات جديدة ترفع القيود عن الصحف، واعلان تحويل مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الرسمية والوحيدة في المملكة، ووكالة الأنباء الاردنية "بترا" وصحيفة "الرأي" اليومية هيئات اعلامية مستقلة، بعد بيع ملكية الحكومة وحصصها فيها، تزامناً مع اعادة النظر في "المجلس الاعلى للاعلام" الذي استُحدث قبل عامين بدل وزارة الاعلام، ومازال كياناً بلا دور حقيقي وفاعل في التنظيم، او الاشراف، او المساهمة في التشريع، فضلاً عن انه مجلس تابع للحكومة التي توفر موازنته وتعيّن أعضاءه. وتعهد الفايز الذي يعدّ من اكثر الشخصيات السياسية الاردنية قرباً من الملك في المقابلة الاولى معه التي بثها التلفزيون الرسمي أول من أمس ان تعمل حكومته على "ايجاد إعلام حرّ ومسؤول، فاعل وغير منفعل، شفاف ويساهم في تحرير التعبير عن الرأي". واعتبر ان "العمل في هذا القطاع على أسس مهنية يُطوّر الاداء العام ويُعزّز الحريات في الاردن".