تختلف الفتيات العاملات في لبنان عن بعضهن البعض في طريقة انفاقهن للراتب. بعضهن ينفقه على مصاريفه الخاصة فقط، والبعض يقدمه الى أهله كما هو، وفتيات يدرسن ويعملن من أجل تغطية مصاريف الدراسة وأخريات يقمن بقسمته بين الأهل والذات. ومهما اختلفت طريقة استثمار الراتب تبقى حقيقة واحدة واضحة تماماً وهي أن الفتاة أصبحت تتحمل مسؤولية مصاريفها من خلال استقلاليتها المادية وأحياناً عبء مصاريف عائلتها. ويبقى السؤال: هل الفتاة التي تقدم المساعدة المادية لأهلها تلقى منهم التقدير والمكافأة أم لا تنال سوى عدم الاكتراث واللامبالاة؟ تقول علا 24 سنة التي تعمل في استديو للتصوير إنها لا تشعر بطعم المال إذا لم تقدم منه لأمها، وتعتبر ان هذا واجب بالنسبة إليها لأن أباها موظف ولا يكفي راتبه وخصوصاً أن عائلتها كبيرة وأخاها لا يزال صغيراً. وتضيف: "أهلي تعبوا من أجلي وسهروا الليالي وهذا جزء بسيط جداً أقدمه لهم، وأنا لن أشعر بالراحة إذا كان أهلي محتاجين". أما ما يتبقى من راتبها فتصرفه علا على متطلبات كثيرة مثل المواصلات والهاتف والماكياج والملابس والنزهات. وعلى رغم كثرة المتطلبات التي تهم كل فتاة يمكن لعلا أن تقدم كل راتبها لأهلها إذا احتاجوا وأن تضحي بمتطلباتها الشخصية، على حد تعبيرها. أما زينة 23 سنة، فتعمل من أجل تخفيف عبء المعيشة عن والدها، خصوصاً لجهة مصروفها الشخصي. وبما أن راتبها زهيد فإنها لا تقدم منه شيئاً لأهلها ولكنه على الأقل يخفف عنهم عبء متطلباتها الخاصة مثل النزهات، والملابس والماكياج، و"أشعر الآن بأنني مستقلة مادياً". وتوجد نوعية من الفتيات تزيد مصاريفها عن البقية، فهي تحتاج إضافة الى مصروفها، الى المال من أبيها وأخوتها. وهذه هي حال نور التي تعمل في مجال التعليم وتأخذ إضافة الى راتبها، مصروفاً من أهلها لكي تشتري الملابس، ولتتنزه وتذهب الى السينما والمطاعم وشراء الهدايا، لكنها تقول: "لو كان راتبي أكثر من ذلك لكنت قدمت المال لأهلي". وفي المقابل هناك فتيات يقدمن كل ما يقبضن لأهلهن على حساب متطلبات حياتهن الشخصية. من هذه الفئة، رندة التي بدأت العمل منذ كانت في الخامسة عشرة وهي الآن هي طالبة في الجامعة اللبنانية، وكل نتيجة عملها قدمته الى أهلها. وتقول رندة "كنت أعيش في وضع أرستقراطي في السعودية وبسبب حرب الخليج رجع أهلي الى لبنان حيث غدر بعض الأقارب بوالدي فخسر كل ما كان يملكه، وبما أنني الكبرى في المنزل نزلت الى سوق العمل وكنت كل ما أقبضه أقدمه لعائلتي المؤلفة من ثمانية أشخاص". لم تكن رنده تفكر بالرحلات والنزهات والسينما والملابس على رغم الحال الاجتماعية السابقة التي عاشتها وكان همّها الوحيد مساعدة أهلها وتقديم المصلحة العائلية على المصلحة الشخصية معتبرة أن ما تفعله واجب عليها. وتروي: "كنا نتدين من السمّان والأقارب، وعندما كنت أقبض المال كنت لا أجلبه الى المنزل بل أسدد به ديوننا مباشرة". وساعات العمل الكثيرة التي كانت تقوم بها لم تكن تؤثر في دراستها وكانت أكبر مكافأة لها هو تقدير أبيها لما قدمته، والحنان والعاطفة من أمها، إذ كثيراً ما سمعت أباها يسأل نفسه: "لو كان لي ابناً، هل كان ليقدم ما تقدمه رندة؟". وإذا كانت الفتاة تفرح بتقدير أهلها وتنسى ما قدمته من أجلهم فكيف يمكن أن تشعر الصبية التي تنفق على أهلها 4 أضعاف ما تصرفه على نفسها ولا تلقى نتيجة ذلك أي تقدير أو شكر وذلك فقط لكونها أنثى وليست ذكراً؟ وهذا ما تعاني منه فاطمة، مزينة الشعر 27 سنة التي تتألف عائلتها من 11 شخصاً من بينهم ستة شباب أحدهم يعمل والثاني في المدرسة والباقون عاطلون من العمل. أما أبوها فيعمل في متجر صغير و"أوضاعه المادية تعيسة جداً". وما يجعلها تستمر في الدفع لهم هو أمها "لأنها الوحيدة التي تقدرها بحنانها وبعاطفتها وعندها أنسى كل ما قدمت". لا تنفق فاطمة شيئاً على ترفيهها الشخصي وكل ما تجني يذهب في سبيل أهلها. ويختلف الوضع مع ريتا 30 سنة الموظفة في مؤسسة رسمية، التي تقول: "أضع قسماً كبيراً من راتبي في البنك أما الباقي فأنفقه على الملابس والفسح والماكياج". وتشتري ريتا النوعيات الجيدة والهدايا، كما تؤكد. أما في المنزل، فأهلها من يصرف وتقتصر تقديماتها على بعض الهدايا لأمها.