عبارة "نشتري رجال ولا يهمنا المال" ترددها بعض الأسر للوهلة الأولى عندما يطرق "ابن الحلال" بابهم طلباً للزواج، ولكنها تحمل في مضمونها الكثير من التفسيرات التي يراها كل حسبما يعتقد.. فالرجولة اختلفت صورتها عما كانت عليه في السابق؛ فالفتيات قد يرين الرجولة في الوسامة والجمال والوظيفة المرموقة، وأحياناً في الدلال والرومانسية.. والأهل بحكم التجربة يؤكدون على أن الرجولة في مخافة الله، والتعليم، والحسب والنسب، والقدرة المالية، وما بين الأمس واليوم تنوعت آراء التحقيق الذي أجريناه. حسن تعامل الزوج مع عائلته يترك انطباعاً عن صدق اختياره الرجال "مخابر" في البداية أوضحت السيدة "فايزة منابري" أن مقولة "نشتري رجال" تعني معدن الرجل وليس مظهره، حيث يحرص الأهل على معرفة نسبه، وأخلاقه، وعلاقاته؛ لأن الزواج عقد شراكة بين زوجين يبحث كل منهما عن طموحاته، وآماله، مؤكدة على أن عائلة الخاطب يجب أن تتميز إما بالتعليم أو بالوضع المالي الجيد الذي سيجعل وضع الأسرة مستقبلاً في أحسن حال، مشيرة إلى أنها لا تعتقد أن الرجولة تعني الجمال والوسامة؛ فالرجال "مخابر" وليسوا مظاهر. يخاف الله وقالت السيدة "نعيمة الدخيل" -أم لخمس من الفتيات- إنها تدعو الله في صلاتها دائماً أن يرزق بناتها الزوج الذي يخاف الله فيهن؛ فإذا أحبها أكرمها، وإن لم يحبها خاف الله فيها ولم يهنها، مستغربة من نظرات بعض الأهالي السلبية التي تبحث عن قشور الحياة في الخاطب المتقدم، ومنها المهور المرتفعة، والطلبات التعجيزية، خاصة إذا كان من عائلة ميسورة الحال، متغافلين عن أهمية أن يكون بينهما تقارب في الوضع الاجتماعي والثقافي، وأن يكون متديناً. الجانب المادي يطغى كثيراً على العلاقات الزوجية ماكينة صرّاف وأضافت السيدة "هبة سيت" تقدمت لخطبة فتاة لابني من عائلة متوسطة الحال، وتكون عوناً له في الحياة، حيث حرصت أن أقدم الكثير لابني؛ شريطة ألاّ يكون ذلك بطلب من عائلة العروس الذين يجب ان يحرصوا على شراء زوج لابنتهم في زمن ندر فيه وجود الرجل المسؤول عن أسرة، مشيرة إلى أنه بدأت طلبات العروس تزداد وبشكل مبالغ فيه فهي طلبت شراء بيت باسمها وسيارة لعائلتها والسفر لقضاء شهر العسل في عدة عواصم عالمية، بالإضافة لمشترياتها الكثيرة وبشكل يومي، وتحويلات مالية لحسابها الشخصي، حيث كانت تربط تلبية طلباتها بمقدار محبة ابني لها؛ مما أشعرني أن ابني بالنسبة لها مجرد "ماكينة صرّاف" يغدق عليها الأموال متى ما رغبت إلى أن حدث الانفصال. الفتيات يبحثن دائماً عن أخلاق الرجل لكنهن لا يتجاهلن ماله مثل "الخاتم"! وأشارت السيدة "أم سلمان" إلى أن مشاعر الرجل من أهم مواصفات الرجولة التي تجعلها توافق على خاطب ابنتها، تليها الكرم، وحسن التعامل، ومحبته لأهل زوجته، موضحة أن تجربتها القاسية في الزواج جعلتها حريصة على اختيار زوج ابنتها الوحيدة الذي يجب أن يكون مثل "الخاتم في أصبعها" توجهه كيفما تشاء؛ فالمهم أن يكون رجلاً في القيام بمسؤوليته، مثل دفع راتب الخادمة والسائق وشراء الهدايا لها. "أشتري رجال" وقال الأستاذ "برهان السبيعي" لقد زوجت ابنتي لشاب امكانيته المادية متواضعة جداً، وتنازل عن الكثير من متطلبات الزواج؛ لأجل الفوز به زوجاً لها، وذلك لأنه شاب متدين، وعلى خلق، وباراً بوالدته المريضة، مؤكداً على أن تلك المواصفات تجعله في مصاف الرجال النادرين في هذا الزمن؛ فمن يحسن معاملة أهله سيكون محسناً مع أهل بيته، وبذلك حقق مقولة "أشتري رجال". د.أبو بكر با قادر أحب المظاهر وتحلم "نور السفياني" -طالبة جامعية، 19عاماً- بزوج جميل تسعد عيناها برؤيته، وتحسّن نسل عائلتها بإنجاب اطفال "حلوين" منه، وغني؛ حتى تستطيع شراء كل ما تتمناه من شنط وملابس وماكياج، وتسافر العالم، ويكون أيضاً رومانسياً، ويغدق عليها الهدايا، ويحتفل بمناسباتها، مؤكدة على أن موضوع التأكد من حسن أخلاقه تقع على عاتق عائلتها، وأنها لا تشغل بالها كثيراً إلاّ بما يعنيها؛ فالرجولة من وجهة نظرها مظهر وبطاقة صرّاف. شاب أسمر! وتروي "أفنان الخريجي" -صيدلانية، 30 عاماً- تجربتها بالزواج من شاب أسمر، ومن عائلة ميسورة الحال تعرفت عليه، من خلال تردده على صيدلية المستشفى التي تعمل به لصرف أدوية لوالدته، وعندما عرض عليها الزواج بعبارة دونها على ظهر روشتة الدواء لم تمانع أبداً وسجلت له رقم والدها وموافقتها، مضيفة أن جميع افراد عائلتي عارضوا موافقتي، خصوصاً أن هناك فرقاً بين مستوى العائلتين في اللون والمكانة الاجتماعية، ولكن في كل مرة كنت أتراجع كنت أجده زوجاً حنوناً وكريماً استطاع أن يحتويني وبرهن لأهلي رجولته من نبل أخلاقه ومواقفه معهم، ولكن مازال حتى اللحظة في نظرهم صهراً لا يشرفهم وجوده بينهم، وأذكر أن جميع قريباتي كانوا يبكون ليلة زفافي حزناً علي، ولكن ذلك لم يعنيني فأنا سعيدة جداً به. د.محمد القحطاني أريده صديقاً وأوضحت الأنسة "سمر الغامدي" -25 عاماً- أن الرجولة في نظرها رجل متدين ولا يدخن ويعامل أهلها بالحسني وحنون وكريم ومتفاهم وهادئ الطباع، ويساعدها في عملها ودراستها، وأن يكون مظهره العام ملائماً لطبيعة عائلتها، مبينة أنها تريد زوجاً مثل والدها يشبهه كثيراً، ويغدق عليها من حنانه وتبادله الحنان والتفاهم، كما تريد صديقاً وليس زوجاً؛ فالحياة الزوجية عادة ما تجف زهورها بالمسؤوليات والرتابة. مال وأخلاق وقال "د.أبو بكر با قادر" -باحث اجتماعي- إن عبارة "نشتري رجال ولا يهمنا المال" تقع داخل سياق تاريخي أو اجتماعي، ومن واقع دراسة اجريته تناولت تطلعات الجنسين فيما يرغبونه في شريك الحياة؛ وجدت أن في مجتمعنا يميل الرجال إلى وجود الصفة الحسية؛ كأن يكون شعرها طويلاً وبيضاء اللون وجسمها نحيل، أما النساء فالقليل منهن من ذكرن الصفات الحسية في الرجل، بل طلبوا بالصفات الأخلاقية، مثل أن يكون حنوناً ويخاف الله؛ بمعنى ألا يظلمها، ولا يحقرها ولا يذلها، وأن يكون محترماً يحب أهلها، ويقدرهم. وأضاف أن كثيراً من النساء يرغبن في صفات تضمن لهن الاحتفاظ بكرامتهن وشخصيتهن واحترام رغباتهن، مشيراً إلى أن من الرجولة اليوم الاستطاعة المالية، وأن يكون لدى الرجل نوع من الوفاء في الصداقة؛ فالزواج عبارة عن صداقة وملئة مالية، وذلك نظراً لمستوى المعيشة والحياة الاستهلاكية المرتفع التي تحتاج إلى مصاريف مالية كثيرة حتى تضمن الزوجة العيش في مستوى مناسب، وهذه المتطلبات من الممكن أن تقدم تفسيرات لمعنى الصفات المطلوبة في زوج المستقبل. وأشار إلى أنه يجب ألا نستغرب أن الفتيات في الوقت الحالي أصبحن يطلبن متطلبات غير حسية، بل أحياناً نسمع من الفتيات أنه ليس بالضرورة أن يكون زوج المستقبل وسيماً، وبعضهن يبحثن عن الوسامة من أجل تحسين نسل الأطفال، خاصة لمن تميزت جيناتهم بالوسامة، ولكن النساء ما زلن يطلبن أن تكون مهنته محبوبة اجتماعياً، مثل أن ينتمي إلى أسلوب حياة يتميز بما يعرف اليوم بالطبقة الأستقراطية، وقبل فترة كان من المهم أن يضمن أهله له بعض المميزات كالمساعدة المالية إذا رغب السفر أو الاحتفاء بمولوده، مشدداً على أن المظهر العام لا يعتبر مؤشراً للرجولة؛ فليس من المعقول أن تكون نوعية النظارة أو قيمتها أو ماركة القميص دليلاً على الرجولة!. توافق فكري وذكر "د.محمد القحطاني" -عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- انه يجب على أهل الفتاة أن يضعوا معايير لاختيار الزوج، ومنها أن يكون ذا خلق ودين وتربية حسنة، وأن يكون لديه القدرة على الزواج، سواء القدرة المادية أو الجسدية؛ فأي خلل في ذلك سيسبب خلافات للطرفين، ويجب على الأهل أن يعرفوا شخصية ابنتهم لاختيار شريك الحياة مستقبلاً؛ فإذا كانت شخصيتها عصبية يختاروا لها زوجاً هادئاً مرناً عاقلاً ويضعوا ذلك من ضمن شروط الزواج، وإذا كانت شخصيتها اجتماعية يختارون لها زوجاً اجتماعياً يحب تكوين العلاقات الاجتماعية مع الآخرين حتى لا تصطدم الشخصيتين. وقال: إن بعض الأسر أحياناً تُصدم بشخصية زوج ابنتهم بعد الزواج؛ كأن يتحول من شخص هادئ إلى عصبي والسبب في ذلك التحول هو أن الخاطب عندما يتقدم للزواج لا يظهر عيوبه لأهل الخاطبة، مقترحاً إقامة دورات تدريبية للشباب والفتيات في كيفية اختيار شريك الحياة، وكيفية التعامل مع الضغوط التي قد يتعرضون لها؛ فنحن لا يوجد لدينا مقررات تدرس الطلبة والطالبات كيفية الاحترام بين الزوجين، وأساليب التعامل بينهما، والتغييرات التي قد تطرأ على الحياة الزوجية، وضرورة سد الفجوة بين الوالدين وابنائهم بعقد صداقة فيها مساحة كبيرة من الصراحة، والحميمية الأبوية، وتحديداً فيما يخص اختيار شريك الحياة.