لن تكون هذه هي المرة الاولى التي تلعب فيها واشنطن دوراً رئيسياً في تغيير حكام العراق، اذا نجحت في تشكيل حكومة في العراق بعد الحرب، على الاقل وفقاً لرأي روجر موريس، الذي كان موظفاً في الخارجية الاميركية وعضواً في فريق مجلس الامن القومي الاميركي في ادارتي الرئيسين السابقين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون. يقول موريس ان لوكالة المخابرات المركزية الاميركية يداً في انقلابين في العراق في أحلك ايام الحرب الباردة، منهما انقلاب في عام 1968 وضع صدام حسين بقوة على طريق السلطة. اذ ساعدت الوكالة في تدبير انقلاب دموي لاطاحة حكومة عبد الكريم قاسم ذات التوجه السوفياتي في العام 1963، اي بعد عامين على محاولة اميركية لاطاحة الحكومة الكوبية. ويضيف موريس، مشيراً الى انقلاب في ايران اعاد الشاه الى السلطة، "مثلما كانت الحال في ايران في عام 1953 كانت هناك اموال اميركية بل مشاركة اميركية على الارض". واغتيل قاسم الذي سمح للشيوعيين بتولي مناصب حساسة في حكومته بمدافع رشاشة. وسقطت البلاد في ايدي حزب البعث. يروي موريس ان صدام حسين كان في ذلك الوقت عضواً في حزب البعث يدرس القانون في القاهرة، وانه كان يتلقى في الواقع راتباً من وكالة المخابرات المركزية التي شجعت عناصر في حزب البعث على القيام بانقلاب قصر بعد ذلك بخمس سنوات بقيادة احمد حسن البكر الذي كان يرعى صدام منذ فترة طويلة ثم سلمه السلطة في العام 1979. يعتبر موريس ان نظام صدام "ولد على ايدي الولاياتالمتحدة بلا شك وكانت مشاركة وكالة الاستخبارات المركزية هناك رئيسية حقاً". وتختلف هذه الرواية للتاريخ عن الخطاب الامريكي الراهن بخصوص العراق، اذ يقول مسؤولون اميركيون كبار أنه تحرر من عقود من الطغيان ومنح فرصة ليشهد مستقبلاً ديموقراطياً مشرقاً من دون اشارة الى دور اميركا في ولادة النظام الذي دمرته. ورفض ناطق باسم وكالة الاستخبارات التعليق على مزاعم موريس عن دور الوكالة في الانقلابين، لكنه قال ان تأكيد موريس بأن صدام حسين حصل على اموال من الوكالة "يثير السخرية بشكل قاطع". كان موريس استقال من مجلس الامن القومي في عام 1970 احتجاجاً على الغزو الاميركي لكمبوديا، وهو يؤكد أنه علم بتفاصيل التدخل الاميركي السري في العراق من مسؤولين كبار آنذاك في الوكالة. ويعد موريس البالغ 65 عاماً الن كاتب السيرة الذاتية لنيكسون، وهو يؤلف حالياً كتابا عن العمل السري الاميركي في افغانستانوالعراق. قال موريس في مقابلة في سياتل حيث يعد كتابه: "ارتبطنا بعلاقات مع هؤلاء الناس من دون ان نعرف حقيقة اي شيء عن سياستهم. وبالطبع كان هذا شيئاً مألوفاً للسياسة الاميركية. تعبنا من هؤلاء الناس ووجدنا مبررات لخلعهم". لكن كثيراً من الخبراء، ومن بينهم دارسون للشؤون الخارجية، يقولون انه لا يوجد ما يشير الى تورط الولاياتالمتحدة في العراق في الستينات. ويقول ديفيد وايز، وهو مؤلف مقيم في واشنطن كتب كثيراً عن التجسس ابان الحرب الباردة، انه على علم فقط بالسجلات التي تبين ان مجموعة من وكالة الاستخبارات حاولت اغتيال عبد الكريم قاسم في عام 1960. ويرى موريس ان الكثير ليس معروفاً عن تورط الوكالة في انقلابي العراق لان الشرق الاوسط لم يكن يحظى بأهمية استراتيجية كبيرة في الستينات وان معظم كبار المسؤولين الاميركيين الذين تورطوا فيه في ذلك الوقت ماتوا". ويرى الخبراء ان من الواضح انه كان يتعين على واشنطن ان تتصدى للنتائج غير المقصودة لسياسات اميركية سابقة بما في ذلك سياسات بوش الاب الذي كان مديراً لوكالة الاستخبارات حتى لو لم تلعب الولاياتالمتحدة دوراً في صعود حزب البعث العراقي. ومعروف ان الولاياتالمتحدة وقوى غربية اخرى أيدت صدام حسين اثناء الحرب العراقية - الايرانية بين 1980 و1988 حتى بعدما استخدمت حكومة بغداد اسلحة كيماوية لقتل آلاف الاكراد في حلبجة. والتي استخدمها مسؤولون اميركيون لتبرير الاطاحة بصدام حسين. لكن جون الترمان، مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قال انه كان مساعداً لعضو كونغرس في ذلك الوقت، ويتذكر ان حلفاء بوش رفضوا قضية حلبجة باعتبارها "مؤامرة من جماعات الضغط المؤيدة لاسرائيل للاضرار بالعلاقات الاميركية - العراقية". وقبل اندلاع الحرب على العراق في الشهر الماضي لفت سيل من عناوين الصحف الاميركية الانظار الى تقارير أفادت بأن الجراثيم التي استخدمها العراق في برنامج الحرب البيولوجية الخاص به جاءت من مراكز اميركية للرقابة والوقاية من الامراض ومن مستودع عينات بيولوجية خاص مقره مانساس في ولاية فرجينيا. وقال مسؤولون في المؤسستين ان شحنات الجمرة الخبيثة وفيروس غرب النيل وسموم أرسلت الى العراق في الثمانينات بموافقة وزارة التجارة الاميركية لأغراض تتعلق ببحوث طبية. وحتى برنامج الاسلحة النووية العراقي المشتبه به كان بمساعدة برنامج في ادارة ايزنهاور في الخمسينات يعرف باسم "الذرّة من اجل السلام"، حسبما تشير جماعة مبادرة الخطر النووي، مقرها واشنطن واسسها القطب الاعلامي تيد تيرنر والسناتور الاميركي السابق سام نان لتقليص خطر الاسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية. ولا يوافق جيمس فيليبس، وهو محلل كبير في شؤون الشرق الاوسط، في مؤسسة "هريتاج"، على ان حرب بوش على العراق نتيجة لتورط الاستخبارات الاميركية او اي سياسة اميركية. لكنه يقول ان الولاياتالمتحدة غضت الطرف عن فرصة الاطاحة بصدام حسين اثناء حرب الخليج عام 1991 مثلما تركت افغانستان تحت رحمة "طالبان" وشبكة "القاعدة" التي يتزعمها اسامة بن لادن بعدما غادرت القوات السوفياتية ذلك البلد.