في حرب أفغانستان، توجهت عدسات الكاميرات الى هذه الجغرافيا المهترئة من كثافة الصراعات، وتوج "أسامة بن لادن" بزيه "الغريب" وأشرطة الفيديو المصنوعة بكاميرا مصور هاوٍ، التي كان يبثها بين فترة وأخرى من موقعه الحصين والغامض في جبال "تورا بورا" نجماً أوحد لكل الفضائيات. الأمر الذي دعا المغني الشعبي الذي لا يقل غرابة في هيئته عن أسامة بن لادن، الى أن يقول: "أسامة بن لادن خطف نجوميتي". وها هي الصورة ذاتها تتكرر بطريقة مشابهة الى حد ما في الحرب الدائرة على العراق، لكن الصورة هنا، تأخذ بعداً رمزياً لاختلاف الأسباب والظروف الدولية، ليصعد هذه المرة نجم صدام حسين المختبئ هو الآخر في مكان سري، لا يؤكد وجوده على قيد الحياة، سوى هذه الأشرطة المصوّرة ذات الإضاءة الخافتة بزيه العسكري على خلفية قماشة بيضاء، يجاورها الى يسار الصورة علم العراق، وهو ما يمنح المكان غموضاً أكبر. ولعل الرئيس العراقي في اطلالته هذه، يعبّر عن حاله هذه الأيام، إذ اختفت صورته الأخرى المتكررة بزيه المدني والسيجار الكوبي الفاخر، وحتى قبعته الأوروبية. وإذا كان صدّام حسين أكد في خطاباته المصوّرة مسبقاً بلاغة حربية، تجد صداها في الغالب لدى الناس العاديين في الشارع العربي، فإن وزير إعلامه محمد سعيد الصحَّاف، اختطف هو الآخر حصته من النجومية، باستخدامه مفردات غابة، أقرب الى الشتائم تجاه أميركا وبريطانيا، من دون أن ينسى خلطها بمفردات تهكمية، أشهرها عبارة "هؤلاء العلوج" التي بدت غريبة على اذن المشاهد، وأعتقد ان الدوائر الأميركية المعنية، وجدت صعوبة في ترجمة مثل هذه المفردة. ف"العلوج" بحسب معجم "مختار الصحاح" تحتمل أكثر من معنى، فهي تعني "الكَفَرة من العجم" وفي تفسير آخر "الحمار الوحشي". مهما يكن، فإن مشاهدي الفضائيات، أدمنوا تصريحات الصحّاف للإعلاميين، بانتظار وجبة جديدة من الشتائم الساخنة التي تلقى هوى لدى الغالبية. وفي خصوص شعبان عبدالرحيم، فإنه هذه المرة، استبق الأحداث بإطلاق أغنيته "الضرب على العراق" التي لا تزال تكتسح السوق في بغداد، وعزز بهذا السياق نجوميته الآفلة، فيما تراجعت مبيعات ألبوم عمرو دياب الجديد "علّم قلبي" بنبرته الرومانسية التي جاءت في غير أوانها. واللافت ان سوق "الفيديو كليب" في الفضائيات، وقد أغلق أبوابه، في ظل هيمنة أخبار الحرب على البث، فما الذي تفعله نانسي عجرم هذه الأيام مثلاً، أو مغن من نوع يوري مرقدي؟ وتشهد سوق الكاسيت في دمشق اقبالاً منقطع النظير على أشرطة المغنين العراقيين مثل سعدون جابر وأغنيته القديمة "يا طيور الطايرة مري بهلي" التي تبثها اذاعة "صوت الشباب" في دمشقمرات عدة في اليوم. وربما، بإمكاننا التطرق الى نجومية من نوع آخر أيضاً، هي نجومية مراسلي الفضائيات، فإذا كانت حرب أفغانستان، صنعت نجومية مراسل قناة "الجزيرة" تيسير علوني، فإنها الآن تؤكد نجومية مراسل آخر في القناة نفسها هو محمد العبدالله الذي يبث رسائله من البصرة في شكل منفرد تقريباً وبجسارة بصرية واضحة، وربما أيضاً لهذه الأسباب، التحق أخيراً تيسير علوني بفريق الجزيرة في بغداد، لتلميع صورته الآفلة مجدداً.