Yash Ghai, Mark Lattimer & Yahia Said. Building Peace in Iraq. بناء السلام في العراق. The Minority Rights Group International, London. 2003. 44 pages. في هذا التقرير العلمي تناول مارك لاتيمر، في الفصل الاول، تحديات بناء ديموقراطية في العراق. وفي الفصل الثاني، ركز يحيي سعيد على التحول مابعد الشمولي. وفي الفصل الثالث والاخير ناقش ياش غاي عملية بناء دستور للبلد. وفي النهاية تم تقديم بعض التوصيات التي قد يستفاد منها في وضع هذا البحث موضع التطبيق. والتقرير يختبر الشروط التي في ظلها تتم انتخابات ديموقراطية، ويشمل ذلك ليس فقط اختفاء الديكتاتورية ولكن ايضا عوامل اخرى تساهم في بناء مجتمع ديموقراطي حقيقي، كتمثيل عادل وتعاون بين الجماعات المختلفة وحكم القانون واحترام حقوق الانسان. ويأخذ التقرير في الاعتبار الخطر الكامن في الصراع الاثني والعقائدي ومحاولة تجنبه، من دون ان يركز على امكانية الحرب المحتملة والتغيير الناجم عن ذلك. فهو لا يأخذ موقفا محددا منها مقتصرا على عملية بناء الديموقراطية. ويطل مارك لاتيمر بسرعة على مكونات الشعب العراقي واختلافاته. ف80 في المئة من العراقيين عرب والباقون من الاكراد واقلية من التركمان. و95 في المئة يدينون بالاسلام لكن الشيعة يشكلون الاغلبية، وهناك جماعات مسيحية. وبالاضافة الى التعددية الاثنية والدينية هناك انتماءات قبلية. وقد تم استخدام القيادات القبلية للسيطرة علي مناطق مختلفة من عراق ما قبل صدام حسين. على ان القيادة السياسية العراقية في يد السنة وبصفة خاصة تكريت مقر عائلة صدام. والتاريخ العراقي حافل بالصدام والصراعات الداخلية، لا سيما بين الاكراد والحكومة المركزية. وهناك سياسة متبعة لادماج الشيعة والمسيحيين في العمل بمؤسسات الدولة حتى تتسع قاعدة التأييد للنظام. هكذا فبناء ديموقراطية في العراق مسؤولية كبيرة وعملية معقدة. ومع ذلك فهناك خبرات متراكمة من بلدان تحولت من الديكتاتورية الى الديمقراطية كافغانستان وتيمور الشرقية مما يمكن الاستفادة منها. وفي هذا السياق أجريت مقابلات معمقة مع اربعة خبراء دوليين حول تلك القضية، فعبّر ماكس فان دير ستول المقرر الخاص السابق للامم المتحدة في ما خص العراق 1991-99 عن وجود صعوبة في خلق حكومة مستقرة بعد صدام لعدم وجود من هو قادر على القيادة وتذليل الخلافات. وهذا ماتم ترديده في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية أواخر 2002. كما أكد جودمندور الفريدسون استاذ القانون الانساني وحقوق الانسان بجامعة لند السويدية، على ان العراق لا توجد فيه تقاليد ديموقراطية. وتشكيل احزاب سياسية ونقاش سياسي مفتوح وصحافة حرة وانتخابات ليست في سهولة خلع صدام. واضافت اسمى جاهنجير المقررة الخاص للامم المتحدة بخصوص الاعدامات، بانه يجب الحرص عند المقارنة بين العراق وبلدان اخري مثل افغانستان، على الخلافات بينها. واشارت الى بعض التمييز الواقع علي المرأة العراقية، متسائلة عن مدى التزام المعارضة العراقية التي تحارب بعضها البعض بالديمقراطية عندما تصل الى الحكم. ثم ان التحول بعد صدام يحتاج الى دور دولي. وقد ذكر الفريدسون بان هناك حاجة لوجود قوات دولية، في الامد القصير، لدعم الديموقراطية وضمان الامن الشخصي للعراقيين، لعدم قدرة الحكومة الانتقالية على تحقيق ذلك بمفردها. وهذه القوات يجب ان تكون دولية ومحايدة تابعة للامم المتحدة، وان تخضع للمعايير الدولية لحقوق الانسان. وعملية التقنين الدستوري يجب ان تتم من خلال العراقيين انفسهم فلا تكون صيغة دولية ُتملى عليهم. في هذا السياق أكد دونالد هورويتز استاذ القانون والعلوم السياسية بجامعه دوك الاميركية، على ان الفيدرالية الجغرافية افضل من الفيدرالية الاثنية. فلو أردت ان تتجنب الانفصال يجب ان تحدد المناطق جغرافيا وليس اثنيا حيث كل فرد له دور في سياسة المنطقة. وانتقد هورويتز فكرة تمثيل الاقليات وفقا لنسبتهم كما حصل في البوسنة وفقا لاتفاقية دايتون. وتناول يحيي سعيد في الفصل الثاني التحول ما بعد الشمولي. اذ بصرف النظر عن شكل نهاية نظام صدام، يجب ان يكون هناك استعداد لذلك اليوم. وهناك بعض المبادىء التي يجب ان توجه عملية التحول نحو الديموقراطية مما يحتاج وقتا طويلا والتزاما من الجانب الدولي بالمساندة. فالشروط المبدئية المطلوبة تشمل عوامل كثيرة كمدى قوة او تغلغل النظام الشمولي وحالة الجهاز البيروقراطي واشكال ومؤسسات المجتمع المدني وحجم وكفاءة المعارضة ووجود طبقة وسطى والانسجام الاثني والتطور الاقتصادي. لكن جهاز الدولة والطبقة الوسطى والمجتمع المدني تبقى اكثر العوامل تأثيرا. صحيح ان النظام استخدم عائدات النفط لتمويل دولة الرفاهية الشمولية لكن الحروب المستمرة اضعفت قدراتها، فيما البوليس المدني والقضاء لم يعد لهما دور يذكر حيث الدور المسيطر للمخابرات والامن. لقد انهار العديد من مؤسسات الدولة العراقية. وفي السبعينات والثمانينات تمكن النظام من كسب ولاء الطبقة الوسطى من خلال القهر والمكافآت معاً. وفي التسعينات قضي على تلك الطبقة تماما والحال ان وجود معارضة فعالة وشرعية مستعدة لتولي السلطة له تأثير كبير في عملية التحول. وهناك قوى معارضة داخل العراق كأحزاب الشيوعي والديموقراطي الكردستاني والدعوة والوطني الكردستاني. لكن تقويم حجمها وفعاليتها يبقى صعباً. اما في خصوص السياسات والمقترحات الراهنة للتحول، فاتفقت جميعا على مبادىء عامة: ان العراقيين يجب ان يحددوا مصير بلدهم مستفيدين من الدعم الكامل من المجتمع الدولي، ان يصير العراق ديموقراطية تحترم حقوق الانسان وتسالم جيرانها, كما ان طموحات الشيعة والاكراد يجب ان تؤخذ في الاعتبار مع الحفاظ على التكامل الاقليمي للعراق. ومعظم المقترحات توافق على صيغة الفيدرالية. لكن مع ذلك لا يوجد تخطيط مفصل عن عملية التحول. وقد دارت المقترحات الخاصة بعملية التحول علي اربع قضايا هي الاستقرار والادارة الانتقالية والترتيبات الدستورية والاخرى المتعلقة بالنفط. ففي ما يتعلق بالاستقرار، اكد كل المقترحات تقريبا على اهمية الحفاظ على التكامل الاقليمي للعراق وضمان امن الافراد. وعن الادارة الانتقالية أُجمع على اهميتها حتى تُنتخب حكومة تدير شؤون البلاد. ويفضل القوميون والشيوعيون يفضلون حكومة في ظل قيادات من الداخل لا روابط اجنبية رسمية لها، لكن الكل يتفق على ان هدف تلك الادارة هو الاعداد لانتخابات حرة ودستور دائم. ولكي يتم منع استخدام النفط كسلاح للصراع الاثني لابد ان تضمن الادارة الانتقالية استخدام الثروة لصالح كل العراقيين وخدمة المناطق المختلفة. اما الترتيبات الدستورية، فهناك اتفاق واسع حول العناصر الرئيسية للدستور العراقي المستقبلي: الديموقراطية وحقوق الانسان والتعددية السياسية والفصل بين السلطات وعدم التمييز على اساس اثني اوديني واحترام الملكية الخاصة وحكم القانون. كما ان كل الجماعات المعارضة تدرك الحاجة الي مناقشة الطموحات الخاصة بالاقليات الكبرى كالاكراد. وتناول ياش غاي صناعة الدستور، فرأى ان الخبرة الدستورية العراقية تضع ذاك البلد ضمن الدول التي لاتوجد فيها تقاليد يمكن التعويل عليها، وهو مفهوم يشمل الحدود على سلطات الدولة وقواعد وممارسات فصل السلطات والتوازن والمساءلة المتبادلة بين اجهزة الدولة وقضاء مستقل. وهناك مرحلتان للتحول الدستوري: الاولى نحو السلام، ثم نحو الديموقراطية. فعملية صناعة الدستور يجب ان يسبقها اويتلازم معها تعليم مدني لزيادة معرفة الناس بالمسائل الدستورية وتمكينهم من المشاركة فيها بفاعلية. وتقع تلك المسؤولية أساسا على المؤسسات المدنية. لكن التساؤل يبقى: أين تلك المؤسسات المدنية؟ فهذه يجب ان تحتل مكانا رئيسيا في الدستور، يلحظ اهمية المواطنة واهمية الدولة المركزية والاعتراف بالتنوع. وطبعا لا بد من وجود قضاء مستقل لديه سلطات واسعة. ومن هذه الافكار صيغت توصيات تستوحيها، وإن أغفل التقرير أموراً عدة في رأسها، كما قلنا قبلا، الموقف من الحرب.