"فيزا... فيزا"... بهذا الهتاف استقبل الجزائريون الرئيس الفرنسي جاك شيراك في شوارع باب الواد، وسط العاصمة، التي جابها مع نظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة. هذه الرسالة التي أطلقها الجزائريون باتجاه رئيسهم وضبفه الفرنسي، شكلت أبرز تعبير عن الرغبة العامة لدى الجزائريين، والشباب منهم خصوصاً، في الهجرة إلى فرنسا. والواقع أن السفارة الفرنسية في الجزائر تتلقى يومياً حوالى ثلاثة آلاف طلب تأشيرة دخول إلى فرنسا. فالأوضاع المعيشية المأسوية لشعب يبلغ عدد أفراده حوالى 30 مليون شخص، يشكل الشباب سبعين في المئة منهم، تدفع الجزائريين إلى العمل على الهجرة إلى فرنسا، كونهم لا يثقون بمستقبل بلدهم. على رغم أن المؤسسة العسكرية الجزائرية نجحت إلى حد بعيد في حربها على الإرهاب، وتمكنت، في نظر عدد من الديبلوماسيين الغربيين، من إعادة نوع من الأمن إلى المدن الجزائرية التي لم تعد تشهد سوى عمليات ارهابية محدودة بين الحين والآخر، إلا إن السلطات السياسية، وعلى رأسها بوتفليقة، عجزت عن تحقيق ما وعدت به. ففي خطاباته الفضفاضة أمام الشعب الجزائري، وعد بوتفليقة لدى توليه الحكم بالكثير لكنه انجز القليل، وهذا رأي غالبية الديبلوماسيين والمراقبين الأجانب، إضافة إلى عدد كبير من الجزائريين الذين يعبرون عن أسفهم للعطل الحاصل على صعيد العمل والقرار السياسي لتحسين الأوضاع المعيشية، فتجمع المصادر الديبلوماسية الغربية في العاصمة الجزائرية على القول بأن هناك فجوة كبيرة بين ما تحقق من تحسن على الصعيدين الاجتماع والاقتصادي، وبين ما أعلنه بوتفليقة عند وصوله إلى الحكم. أراد شيراك لزيارته إلى الجزائر ان تكون "مصالحة تاريخية وعودة تلاقٍ بين شعبين يجمعهما تاريخ اتسم بالحرب والمأساة والتصادم"، ولكنها أرادها خصوصاً وفقاً لما قاله "متابعة ومساعدة في ورشة عمل الجزائر الكبرى للانفتاح على العالم وتحسين الاقتصاد". يحرص شيراك على استقرار دول المغرب، المجاورة لفرنسا، خصوصاً أن هناك جالية مغاربية كبرى تقيم وتعمل على الأراضي الفرنسية، ويرتبط استقرارها مباشرة باستقرار دول المغرب. إلا أن ورشة العمل الإصلاحي في الجزائر معطلة. فتسلم بوتفليقة للرئاسة تزامن مع تحسن في مستوى أسعار النفط والغاز، التي بلغت عائداتها في السنة الحالية إلى 13 بليون دولار، حسب وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل. أما الاحتياطي من العملة الصعبة فهو بحوالى 22 بليون دولار، لم تتمكن السلطة من انفاقها على مشاريع إصلاحية ضرورية لإنشاء فرص عمل. والسؤال المطروح هو ما الذي يجمد استخدام الاحتياطي من العملات الصعبة المتوافرة حالياً، وما السبب في تأخير اطلاق مشاريع اسكانية عملاقة تنقذ الشعبر الجزائري من بؤسه؟ وما سبب العطل في الإصلاحات المطلوبة لجذب الاستثمارات إلى قطاعات أخرى غير النفط والغاز؟ فالشركات الأجنبية كثفت وجودها في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، لكنها غائبة عن قطاع الاستثمار الصناعي الذي يؤمن فرص عمل للشباب الجزائري. ومن أسباب هذا الغياب أن ظروف الاستثمار غير مشجعة حسب الشركات، إذ أن القطاع المصرفي من أسوأ القطاعات بنظرها والبيروقراطية ثقيلة والمرافئ مزدحمة والمعاملات الجمركية معقدة. أين وعود الرئيس بوتفليقة بورشة إصلاح لتحسين الوضع المعيشي؟ ينفي أكثر من مراقب المقولة التي تردد أن المؤسسة العسكرية تمنعه من التقدم في المسيرة الإصلاحية. فهذه المؤسسة لها مصلحة في أن ينجح خصوصاً أن القرار بيده في ما يخص الشؤون الاجتماعية والاقتصادية، وهو قليلاً ما يفوض وزراءه اتخاذ القرارات، وهذه أيضاً مشكلة. فبعدما أحرزت الجزائر نتائج على صعيد الأمن، حان الوقت لوضع خطة لاخراج شبابها من البطالة والميل إلى التطرف والإرهاب. وبعدما فقدت الجزائر طبقتها الوسطى، التي هاجرت أو افقرت، المطلوب من الطبقة السياسية أن تتسم بالجرأة والوعي من أجل تحقيق المسيرة الإصلاحية تمكن الشعب الجزائري الكبير من الاستفادة من ثروة مالية وبشرية متوافرة لديه.