الاستقبال الشعبي الذي سيلقاه الرئيس الفرنسي جاك شيراك في الجزائر التي يزورها الأحد سيكون حافلاً. فالرأي العام الجزائري، مثل غالبية الرأي العام العربي، يقدر جرأة زعيم أوروبي مثل شيراك، ومعارضته لسياسة اميركية تهدف الى شن حرب على بلد عربي، تاركة الحرية التامة لرئيس الحكومة الاسرائيلية الذي يتجاوز كل التزامات دولته حيال الجانب الاميركي، فيبني المستوطنات ويواصل اغلاق الأراضي الفلسطينية واحتلالها ويقتل الشعب الفلسطيني، فيما الولاياتالمتحدة والعالم منشغلان باعداد الحرب على الرئيس العراقي صدام حسين. على مدى ثلاثة أيام سيضع الشعب الجزائري جانباً همومه، من مصاعب معيشية وبطالة وفقر، ليحتفل برئيس دولة استعمرت في الماضي القريب هذا البلد العربي الكبير. والعالم العربي بالنسبة الى فرنسا يبدأ في المغرب الواقع على أبوابها، وهي مهتمة جداً بإعادة الثقة والتفاهم والعلاقات المميزة مع الجزائر. والمغاربة هم الجالية الأجنبية الأولى في فرنسا التي تحتضن جالية مسلمة يقدر عدد افرادها بحوالى خمسة ملايين نسمة، غالبيتهم من أصل مغربي. في الجزائر، سيخاطب شيراك ليس فقط العالم العربي، بل كذلك الفرنسيين من سكان الضواحي، المنتشرين حول المدن الكبرى، واكثريتهم من المغاربة. وستعلن فرنساوالجزائر خلال الزيارة العمل لتوقيع معاهدة صداقة وتفاهم، وهو مشروع قد يكتسب أهمية اذا تخطى الرمزية، وتمكن البلدان من جعله واقعاً. فهناك مشكلات كبيرة تعيق تحقيق ذلك، في مقدمها مسألة التأشيرات الفرنسية للجزائريين. ففرنسا، لأسباب اقتصادية وأمنية تبخل بالتأشيرات لمواطني دول المغرب العربي والبلدان التي تعد مصدراً لهجرة كثيفة، وهي مدركة ان الجزائر هي شريكها التجاري الأول، ولديها ايضاً اهتمام خاص بقطاعي النفط والغاز في الجزائر حيث اصبحت الشركات الاميركية تنافس الشركات الفرنسية. ويهتم شيراك بالحفاظ على دور القطاع الاقتصادي الفرنسي في دول المغرب، خصوصاً في ظروف دولية قد تحمل الولاياتالمتحدة على محاربة فرنسا اقتصادياً، في مرحلة ما بعد الحرب على العراق. كما يتمنى ان ينجح في التقريب بين الجزائر والمغرب، خصوصاً انه يعتبر نفسه عرّاب العاهل المغربي الملك محمد السادس، ويريد له استقرار بلده، بعيداً من التوترات مع الجزائر. زيارة شيراك للجزائر مرتقبة بحرارة. فالصحافة في وهران، كما نقلت صحيفة "لوموند" كتبت: "السيد شيراك رجاء، عد دائماً الى هنا"، لأن بلدية المدينة وبعد 15 سنة من الإهمال، رممت الشوارع والأبنية وأضاءتها، ونظفت المدينة استعداداً لزيارة الرئيس الفرنسي الذي سيلقي كلمة أمام طلاب جامعتها. وأبناء حي باب الواد الشعبي في العاصمة الجزائرية لم ينسوا ان شيراك هو الذي دفع الرئيس الجزائري الى مرافقته لزيارة هذا الحي وتفقد آثار نكبة الفيضانات هناك. والزيارة المرتقبة بمقدار ما هي موضع ترحيب من الشعب الجزائري بمقدار ما هي مفيدة لشخص الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وقد تساعد في اقناع المؤسسة العسكرية بمعاودة ترشيحه للرئاسة. وحصل بوتفليقة خلال رئاسته على زخم دولي من خلال فرنساوالولاياتالمتحدة ايضاً، وهو لم يكف عن تغذية هذا الزخم عبر مشاركة بلاده للمرة الأولى في القمة الفرانكوفونية في بيروت، وكذلك في القمة الفرنسية - الافريقية في باريس، بعدما كانت الجزائر تحرص على عدم المشاركة في هذين المحفلين لأسباب تاريخية.