تركزت محادثات الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مع رئيس الحكومة الفرنسي ليونيل جوسبان الذي أقام أمس مأدبة غداء على شرف الضيف الجزائري في قصر مانينيون، على الملفات الاقتصادية والثنائية. وقالت أوساط جوسبان ل"الحياة" ان بوتفليقة طلب من رئيس الحكومة الفرنسي المساعدة على تخفيف عبء الدين الجزائري الخارجي الذي بلغ 28 بليون دولار لسنة 1999. وبلغت خدمة هذا الدين للسنة المالية خمسة بلايين دولار. وذكرت الأوساط نفسها ان جوسبان أكد لبوتفليقة عزم فرنسا على البحث عن "صيغة" لتحويل جزء من هذا الدين الى استثمارات خاصة، على غرار ما فعلته ازاء المغرب. وتابعت ان جوسبان أشار في الوقت نفسه الى أنه ليس في استطاعة فرنسا العمل على "الغاء" الدين، لأنها مقيّدة بما تنص عليه معاهدة "ماستريخت" الأوروبية والتي تنص على أن تدفع فرنسا الدين في حال لم يسدده الجزائريون. وأضافت الأوساط ان الجانبين الجزائري والفرنسي اتفقا على ألا يكون موضوع تخفيف الدين مقياساً للعلاقات بينهما "فإذا تعثرت الأمور على صعيد هذا الملف، فانها يجب ألا تكون عائقاً أمام التعاون وتحسين العلاقات". ونُقل عن الرئيس الجزائري قوله لجوسبان ان الدين "يخنق الجزائر" وأنه ينبغي على فرنسا التي تربطها علاقة خاصة بها ان تساعد في حل هذه المشكلة. ويمثل هذا الدين بالنسبة للجزائر 60 في المئة من الناتج الداخلي الخام و40 في المئة من الصادرات. وأوضح جوسبان لضيفه الجزائري انه لا ينبغي توقع ان تحذف فرنسا من الدين ما يتراوح بين 20 و30 بليون فرنك بحجة انها "صديقة الجزائر"، وان المهم ألا تكون هذه القضية "موضوع خلاف بين البلدين". واتفق الجانبان على ذلك. وأفيد أيضاً ان بوتفليقة طلب كذلك مساعدة فرنسا في عملية خصخصة الاقتصاد الجزائري، مشيراً الى ان الموارد النفطية ستنضب في غضون 20 سنة وستصبح الجزائر بلداً فقيراً، مما يضعها أمام ضرورة العمل منذ الآن على تحويل اقتصادها، كما يتوجب عليها تجنب الجفاف الذي يهددها بسبب النقص في المياه. وأصر بوتفليقة في محادثاته مع جوسبان على ضرورة تشجيع الشركات الفرنسية على الاستثمار في الجزائر. وشكا من الجمود البنوي الهائل الذي يعاني منه الاقتصاد الجزائري ومن وجود احتكارات، مشيراً الى ضرورة ازالتها. وأعاد جوسبان تذكير ضيفه بما فعلته فرنسا سنة 1981 عندما أممت الشركات، ثم عادت وحررتها، مؤكداً ان مثل هذه الخطوات طبيعية في الاقتصاديات الحديثة. وأكد جوسبان استعداد فرنسا لمساعدة الجزائر في مسيرة تحويل اقتصادها، مشيراً الى أن فرنسا انتهجت سياسة اقتصادية على أساس استراتيجية صناعية. وتناول جوسبان وبوتفليقة موضوع التأشيرات واقامة الجزائريين في فرنسا. فطالب الرئيس الجزائري برفع عدد التأشيرات، ووعد رئيس الحكومة الفرنسي بالتجاوب. وقالت مصادر فرنسية مطلعة ان بوتفليقة "يلوم فرنسا لاعطائها تأشيرات قليلة للجزائريين لكنه ينسى انه خلال سنوات حرصت فرنسا على عدم استيراد العنف الجزائري الى أراضيها، وأنه إذا كانت فرنسا قللت التأشيرات الممنوحة للجزائريين، فإن ذلك كان سببه العنف في بلادهم". وبدا جوسبان مؤيداً لتسهيل تنقل الجزائريين ودخولهم الى فرنسا. إذ أبلغ بوتفليقة ان القنصلية الفرنسية في عنابة شرق ستفتح أبوابها مجدداً في ايلول سبتمبر المقبل وأن قنصلية أخرى ستفتح في وهران غرب سنة 2001. وأشاد وزير الداخلية الفرنسي جان - بيار شوفنمان الذي حضر الغداء، بواقع تشهده فرنسا، وهو ارتفاع نسبة الزواج المختلط بين الفرنسيين والجزائريين من أبناء الجيل الثاني الى حوالى 30 في المئة، مما يشير الى أن الجالية الجزائرية "مندمجة كلياً، وليست معزولة، وأصبح افرادها فرنسيين من أصل جزائري". وأثار بوتفليقة مع جوسبان موضوع أوروبا وبطء اجراءات التمويل للدولة الواقعة جنوب المتوسط في اطار برنامج "ميدا". فوعد جوسبان بالعمل على تليين الاجراءات المتبعة بحيث يتسنى للدول المستفيدة من هذا البرنامج من استخدام القروض العائدة لها بسرعة أكبر. ولم يتطرق بوتفليقة خلال مأدبة الغداء الى ملف شركة الطيران الفرنسية "اير فرانس" واستئناف رحلاتها الى الجزائر، على رغم ان جوسبان كان دعا وزير النقل جان - بيار غيسو، تحسباً لاحتمال إثارة بوتفليقة الموضوع. وكانت المحادثات تركزت خلال مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس الفرنسي جاك شيراك أول من أمس في قصر الاليزيه، على شرف بوتفليقة، على ضرورة العمل في شكل متكامل بين فرنساوالجزائر في ما يخص الملفات الدولية. فمن وجهة النظر الجزائرية، هناك مواضيع دولية تخص الجزائر ويمكن لفرنسا ان تلعب دوراً في اطارها، على أساس التعاون المشترك. ومن بين هذه المواضيع العلاقات الأوروبية - المتوسطية وافريقيا والعالم العربي، حيث رأى بوتفليقة ان في امكان شيراك وفرنسا "لعب دور في تقريب وجهات النظر العربية". واثيرت في اطار محادثات الرئيسين "الاحتمالات الصعبة والبعيدة" لعقد قمة عربية. وكانت المحادثات عامة لم تدخل في تفاصيل المواضيع الدولية، ولم يجر التطرق في اطارها الى موضوع زيارة شيراك الى الجزائر. وينهي بوتفليقة مساء اليوم الجمعة زيارته بعشاء منفرد يقيمه شيراك تكريماً له، يسبقه لقاء مع وزيلا الاقتصاد والمال لوران فابيوس. وكان الرئيس الجزائري شارك أمس في عشاء اقامته مجلة "باساج" الفرنسية اليهودية التي ينشرها الصحافي اميل مالي، وحضرها عدد من الشخصيات. ويقيم بوتفليقة مأدبة فطور في مارينيي لناشري صحف ورؤساء تحرير وسائل اعلام في فرنسا.