نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس عن قادة عسكريين في ساحة المعركة أن الجيش الأميركي قد يلجأ إلى تكتيك جديد يقضي بوقف الاندفاع نحو بغداد موقتاً والتفرغ لتصفية جيوب المقاومة العراقية في المدن الجنوبية، تمهيداً لإقناع الغالبية الشيعية من السكان في هذه المنطقة بالانتفاض ضد السلطة وذلك على عكس التأكيدات الأميركية السابقة عن عدم موافقة واشنطن على تقسيم العراق. ويأتي ذلك في خضم الفوضى البارزة في صفوف التحالف وتبادل الاتهامات بين القادة السياسيين والعسكريين. وانتقدت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس الاستراتيجية الأميركية في العراق. وقالت ان "ادارة بوش اساءت تقدير مخططات العراقيين". وقالت ان مسؤولي الدفاع كانوا يعتقدون بأن الرئيس صدام حسين "سيدمر البنى التحتية في جنوبالعراق في حين ان استراتيجيته حتى الآن تقوم على ترك البنى التحتية في البلاد سليمة وتزويد المدن المواد الغذائية وطرح نفسه على انه المدافع عن الامة العراقية". وقالت الصحيفة ان "البنتاغون ادرك منذ البداية ان قوات صدام حسين ستعمد الى دفاع يتركز على المدن لكن ما لم يفهمه البنتاغون هو ان العراقيين سيوسعون هذه الاستراتيجية الى الناصرية والنجف والسماوة ومدن اخرى في جنوبالعراق". وأضافت أن القيادة العسكرية الأميركية ترغب في التركيز حالياً على تنظيف الجنوب والسيطرة على مدينة البصرة بشكل كامل والبدء في إدخال المعونات للسكان على نحو تظاهري لإقناع المواطنين العراقيين في المدن الأخرى بأن الجيش الأميركي قادم فعلاً لينقذهم من حكم صدام. من جهته اعلن قائد القوات البرية للحلفاء في العراق الجنرال وليام والس في حديث الى صحيفة "واشنطن بوست" أمس ان التكتيك الذي تعتمده القوات المسلحة العراقية والمشاكل اللوجستية ستزيد على الارجح في امد الحرب، وقال "ان العدو الذي نقاتله مختلف عن العدو الذي تدربنا لقتاله". وفيما نفت الادارة الاميركية أمس ان تكون قالت ابدا ان الحرب على العراق ستكون قصيرة مع تنامي الانتقادات في اوساط وسائل الاعلام حول مجرى النزاع، استشهدت وسائل الإعلام بتصريحات سابقة لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني قال فيها ان "العديد من وحدات الجيش النظامي لن تريد في الحقيقة ان تخوض حربا رئيسية بجانب صدام حسين" معتبرا ان "الجانب الاكبر من العراقيين سيرحب بنا كمحررين لانهم يريدون ان يروا صدام يرحل" عن السلطة. وكان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير انتقد، عقب لقائه الرئيس جورج بوش في كامب ديفيد التساؤلات التي طرحت في الايام الاخيرة في واشنطن حول مدة الحرب ضد العراق ووصفها بأنها "تكهنات". وقال بلير بعصبية "الحملة مستمرة منذ اسبوع. هناك تكهنات من الآن، تكهنات عن مدتها وتساؤلات عن هذا الموضوع باستمرار. فاذا لم نقل انها ستنتهي بعد اسابيع قليلة، يقول الناس انها ستستمر اشهرا". واكد الجنرال والس ان طرق التموين التي تمتد على مسافات طويلة، اضافة الى التكتيك غير التقليدي الذي يعتمده العراق تجعل من المحتمل ان تطول الحرب اكثر مما كان مرتقبا. واضاف "ان الهجمات التي نتعرض لها حالياً غريبة - آليات تقنية بعيارات خمسين ملم انواع من الاسلحة تهاجم مدرعات وآليات قتالية من طراز برادلي". واعتبر "انه من المقلق ان تكون الشراسة الى هذا الحد". وفي رد على سؤال عن معرفة اذا ما كانت هذه العوامل تدل على ان الحرب ستكون اطول قال "يبدو اننا نسير في هذا الاتجاه". وتأتي تصريحات الجنرال والس في حين تكثر الانتقادات، خصوصاً من المسؤولين العسكريين المتقاعدين الذين تحدثوا عن ضرورة ارسال المزيد من القوات العسكرية الى العراق. واعلنت وزارة الدفاعه الأميركية البنتاغون أول من امس عن نشر 120 الف جندي اضافي. وقال الجنرال ان العراقيين مستعدين للانطلاق في عمليات انتحارية ضد القوات الاميركية. من جهتها ذكرت صحيفة "التايمز" اللندنية ان اجهزة الاستخبارات الاميركية والبريطانية قللت من اهمية المقاومة العراقية وصورت للشخصيات السياسية ان النصر سيكون سريعاً وسهلاً. وقال مصدر عسكري بريطاني طلب عدم كشف اسمه للصحيفة ان "تقويم اجهزة الاستخبارات قلل كثيراً من اهمية ما يمكن توقعه". وكان المصدر حذر رئاسة الوزراء من مخاطر حرب على العراق والتي لم تأخذها على محمل الجد. وقالت الصحيفة ان مصادر حكومية بريطانية أقرت بأنه كان يتوقع في جانبي الاطلسي "تمردا للشعب العراقي كما حصل في العام 1991" او ان يحدث انقلاب "في المستويات العليا" للنظام. وافاد مصدر في الاستخبارات الخارجية البريطانية، يعرف العراق جيداً، للصحيفة ان هذا التحليل خاطئ لأن شيعة العراق على رغم انهم لا يحبون الرئيس صدام حسين يكرهون اكثر الاميركيين والبريطانيين الذين تخلوا عنهم العام 1991. واضاف المصدر ان "شيعة الجنوب هم عراقيون اولا ثم شيعة وحاربوا بشراسة ضد ايران خلال الحرب الايرانية - العراقية. هناك مشاعر قومية ثابتة في العراق وصدام خبير في تحريكها". وقالت الصحيفة ان لندن تلقي باللوم خصوصاً على اجهزة الاستخبارات الاميركية لسوء التقدير هذا. وقال مصدر عسكري بريطاني ان "اجهزة الاستخبارات الاميركية وضعت الخطط لكننا واثقون من انها تقوم الى حد بعيد على التنصت على الهواتف والصور الملتقطة عبر الاقمار الاصطناعية".