أميركا ذهبت الى مجلس الأمن، في الأساس، لاستصدار قرار ثانٍ، بعد قرار الإنذار الأول، يشرّع للحرب التي قررتها سابقاً ضد العراق. وهي كانت أرسلت الآلاف من جنودها قبل المناقشة الدولية. لكن الموقف الفرنسي المتصلّب، الرافض لأي ترتيب يتجاوز لجنة التفتيش، جعل الأميركيين يتمسكون بموقفهم، ويتورطون في خيار الحرب، من دون أمل في نافذة ديبلوماسية أخرى. فبدلاً من أن ترفض فرنسا استخدام القوة في كل الظروف، وبدل أن تضع قيوداً على لجنة التفتيش معتبرة أن لها مهلة زمنية محددة للعمل، ولن تتمكن من الاستمرار الى ما لا نهاية، كان في الإمكان أن تفكر بوسيلة أخرى للوصول الى نزع الأسلحة غير استعمال القوة. وكان في الإمكان طرح مشروع يحافظ على هذه المبادئ ويقبل به الجميع، ضمن مبادئ ثابتة وآلية مرنة، مثل توسيع أعمال لجنة التفتيش، وزيادة عدد أفراد جهاز الأممالمتحدة، وزيادة المهمات الموكلة الى هذه الهيئة حتى تشمل، مع الوقت، اجراء استفتاء رئاسي يلتقي مع المشروع الإيراني. ولو جاء هذا المشروع من فرنسا الرافضة المعارضة لأميركا، في البداية، لكانت أميركا ربما قبلته وحظيت بدعم المجتمع الدولي. خطأ فرنسا ليس في انها قسمت المجتمع الدولي، لأن لفرنسا الحق في أن تعلن مواقفها الداعمة للقانون الدولي بمعزل عن النتائج، ولكن خطأ فرنسا ان يرفضها لم توظفه في السعي لقبول أميركا مشروعاً توافقياً، طالما ان الهدف هو سياسي يتمثل في تغيير الأنظمة الديكتاتورية. واتخذ الخلاف طابع الجدل على الوسائل، وأهمل البحث في تحقيق الهدف السياسي بوسائل غير استخدام القوة. كان يجب تمديد مهلة التفتيش وتهديد العراق باستخدام القوة إذا لم يترك الأممالمتحدة تقوم بأعمالها. فالحرب كانت غير ضرورية. فليس ثمة مجازر وحروب أهلية تدور في العراق، مثل البلقان، حتى يستدعي الوضع التدخل العسكري لفصل المتحاربين. لذلك كله وجدت أميركا نفسها في خضم الحرب. فهي لا تستطيع أن تتراجع. وكانت أحجمت عن مهاجمة العراق في السابق لسببين: أولاً، لأن العراق، في حرب الخليج الثانية، كان يمتلك قدرات حربية هائلة ومجهولة" وثانياً: لأن أميركا انتظرت انقلاباً داخلياً في العراق بعد الانسحاب من الكويت. ولم يحصل هذا، خلافاً لما يحدث في كل الدول حيث يواجه القائد المهزوم انقلاباً داخلياً وتمرداً يطيحه. لبنان - بيتر قشّوع