تعرضت بغداد امس ومساء أول من امس الى أعنف قصف جوي وصاروخي، منذ بدء الهجوم الاميركي - البريطاني على العراق الخميس الماضي، اذ شنت مقاتلات اميركية وبريطانية موجات متتالية من الغارات، اضافة الى القصف الصاروخي الذي طاول معظم أنحائها. وأصيب بعض المنازل، خصوصاً في حي الأعظمية حيث قتل خمسة أشخاص، بينهم امرأة. وطاول القصف ايضاً جامعة المستنصرية، احدى أعرق الجامعات في العراق، وتردد ان القصف طاول ايضاً مجمعاً رئاسياً. قتل خمسة أشخاص، بينهم امرأة، في حي الأعظمية المكتظ في بغداد بعدما أصاب صاروخ منزلهم أمس. وتوالى سماع أصوات الانفجارات في بغداد، التي تعرضت الاحد والاثنين الى أعنف قصف منذ بدء الهجوم الاميركي والبريطاني على العراق الخميس الماضي. وهزت بعد ظهر أمس ستة انفجارات عنيفة وسط بغداد ولم تسمع صفارات الانذار ولا طلقات الدفاعات الجوية. وسمعت اصوات سيارات الاسعاف وهي تمر مسرعة عبر الشوارع. وكان سمع صوت انفجارات صباح أمس في العاصمة العراقية حيث لا تزال تتصاعد أعمدة الدخان من مواقع جرى قصفها ليلاً. وجاءت هذه الانفجارات بعيد إلقاء الرئيس العراقي خطاباً اكد فيه على المقاومة واعداً شعبه "بالنصر القريب". وعاشت بغداد منذ غرو ب شمس الأحد حتى مساء أمس تواصلاً محموماً للغارات الاميركية والبريطانية عليها. وطالت موجات القصف الجوي والصاروخي مختلف أنحاء العاصمة العراقية، ولم تسلم زاوية منها. وعلى رغم عدم وجود حصيلة رسمية دقيقة لعدد الضحايا إلا ان تقديراً أولياً يشير الى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى في صفوف المدنيين خصوصاً بعدما اتسعت الرقعة التي شملها القصف، و ضمت مجمعات ومنازل وعمارات سكنية الى جانب دوائر رسمية، وشوهدت النيران تتصاعد في كل مكان، وارتفعت اعمدة الدخان لتغطي سماء العاصمة، فيما عملت سيارات الإسعاف على نقل المصابين الى المستشفيات التي غصت بهم. وأبلغ "الحياة" أحد أفراد الطاقم الطبي العامل في مستشفى اليرموك وسط بغداد ان عدداً من المصابين وضعوا على الأرض لعدم توافر أسرة لهم، كما عملت سيارات الدفاع المدني طيلة الليل على اطفاء الحرائق في أكثر من مكان. وكان الناس فوجئوا بدوي صفارات الانذار ظهيرة أول من أمس والتي نبهت الى قرب حصول غارة جوية، بعدما اعتادوا ان يجدوا في ساعات النهار قدراً من الهدوء النسبي كانوا يستغلونه في الخروج من منازلهم وتأمين حاجاتهم المعيشية، حيث تفتح المتاجر الصغيرة ومحلات بيع الخضر والفواكه وأفران الخبز أبوابها. وبسبب عنف القصف مساء أول من امس اضطر السكان للجوء الى منازلهم والاحتماء بالغرف المحصنة التي اقاموها في الطوابق الأرضية وخلت الشوارع أمس من المارة باستثناء عناصر حزب البعث الذين حفروا الخنادق وأقاموا المتاريس أمامها وفرق الدفاع المدني والاسعاف الذين يسيرون دورياتهم على مدار الساعة. ومع حلول الغروب كان القصف قد تصاعد وازدادت موجات القصف الصاروخي على نحو لم تشهده الأيام الأولى للحرب. وبعد منتصف الليل ازداد القصف شراسة ووحشية حتى تحولت بغداد الى شعلة من النيران، والتهمت الحرائق أجزاء من العاصمة. واكد شاهد عيان انه شاهد صاروخاً عراقياً أرض - جو يعترض صاروخاً معادياً، وقد تناثر الحطام فوق المنطقة التي شوهد فيها. وفي المساء كانت سرت اشاعات عن سقوط "طائرة معادية" وهبوط اثنين من طياريها على ضفة نهر دجلة، فتجمع المقاتلون ورجال الدفاع المدني وعشرات المواطنين على ضفتي النهر بحثاً عن الطيارين، وظلوا ساعات يبحثون في الحشائش والأحراش القريبة من النهر حيث قيل ان طائرة معادية سقطت هناك، وتجمع فريق من الشباب للبحث عن طيارها الذي روى آخرون انه هبط بالمظلة، ولم تتأكد هذه الروايات من مصادر رسمية. وكان لافتاً نقل "تلفزيون الشباب" الذي يديره نجل الرئيس العراقي عدي صدام حسين، مشاهد لعرس أقيم في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الاميركية والبريطانية تصب حممها وقذائفها على مختلف أنحاء بغداد وظهر العريس والعروس وسط أهلهما واصدقائهما الذين كانوا يغنون ويرقصون، وقال العريس ان "العراقيين لا يأبهون بقنابل الغزاة، ولا تخيفهم صواريخه. ولذلك فإننا نقيم حفلات الأعراس لأن الحياة يجب ان تستمر، ولا يمكن ان يوقفها الأشرار". وفجر الاثنين ازداد القصف عنفاً وتجددت الغارات الوحشية الشرسة وسمعت انفجارات كبيرة، وكانت صفارات الإنذار تتخلف في أحيان كثيرة عن انذار المواطنين بحصول غارة. وتردد ان القصف طال المجمع الرئاسي ودوائر رسمية وخدمية ودوراً سكنية، كما تعرضت جامعة المستنصرية للقصف، كما سقط صاروخ على الحي السكني المحيط بمستشفى اليرموك وسط بغداد وأصاب عدداً من الدور السكنية وخلف عدداً من الجرحى. وانطلقت وسط الحمم والصواعق من مآذن المساجد أصوات التكبير والتهليل والدعاء، وبث التلفزيون الحكومي صوراً لعدد من رجال الدين وأئمة المساجد وهم يحملون السيوف والبنادق مؤكدين عهدهم على الجهاد دفاعاً عن وطنهم ودينهم. وقال الشيخ صباح السيد أحمد إمام جامع أبو يوسف الأنصاري في الكاظمية، وهو يستل سيفه من غمده: "اننا نعاهد الله ان نجاهد الجهاد الأكبر، وراء قائد الجمع المؤمن صدام حسين، دفاعاً عن ديننا ووطننا وتربتنا الغالية، وسنزلزل الأرض تحت أقدام الفجار والكفار والمنافقين ونخسف الأرض بهم". وفتحت مراكز للتبرع بالدم في أكثر من مكان من بغداد. وفي مسجد التقوى في حي المهدية جنوب غربي بغداد، قال المصور التلفزيوني عمار غازي الذي كان يتبرع بدمه: "لن أبخل بدمي من أجل وطني. وقد وضعت نفسي فداء له".