بعيداً عن أجواء الهلع والهستيريا التي خيّمت على إسرائيل مع بدء حرب الخليج الأولى استقبلت الدولة العبرية بأقطابها وإعلامها إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش فجر أمس بدء الحرب على العراق، بارتياح غير خفي، وهي التي لم تخف في أي يوم من الأيام أنها ضجرت انتظارها فأخذت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة باحتساب الساعات المتبقية على انتهاء مهلة الساعات ال48 ساعة بساعة، وكاد بعض المعلقين يهتف جذلاً مع دقات الساعة الأخيرة. ونشرت كبرى الصحف العبرية "يديعوت أحرونوت" على صدر صفحتها الأولى كلمات دعاء بالانكليزية تقول: "يا ربّ بارك أميركا"، وأضافت عنواناً كبيراً إلى جانب صورة الرئيس العراقي صدام حسين "ينطلقون للقضاء عليه". وقبل أن يصدر أول رد فعل إسرائيلي على بدء الهجوم، نقلت الإذاعة العبرية عن أوساط سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى ارتياحها لحقيقة أن الرئيس الأميركي أوفى تعهده لشارون بإشعاره بموعد الحرب قبل بدئها، وقالت إن وزير الخارجية الأميركي كولن باول أجرى اتصالاً هاتفياً مع شارون ليطلعه بقرار بدء الحرب، لتضيف أن الرئيس الأميركي وضع شارون في صورة الأوضاع حين هاتفه فجر الثلثاء قبل توجيه انذاره للرئيس العراقي ونجليه بمغادرة العراق. لكن الإذاعة قالت إن الأوساط ذاتها أعربت عن خيبة أملها من قرار الإدارة الأميركية رفض طلب تل أبيب معونة مالية بقيمة 4 بلايين دولار وموافقتها على بليون واحد فقط، علاوة على تقديمها ضمانات لقروض مصرفية بمبلغ 9 بلايين دولار. إلى ذلك، أفادت مصادر صحافية إسرائيلية ان الولاياتالمتحدة أبلغت إسرائيل أن القوات الأميركية في الخليج باشرت عملياتها العسكرية غرب العراق، في المنطقة التي اطلق العراق منها صواريخ "سكود" على إسرائيل ابان حرب الخليج عام 1991. ونقلت عن مسؤولين عسكريين كبار ان احتمال تعرض إسرائيل لقصف عراقي بالصواريخ ما زال ضئيلاً للغاية، متوقعين أن يبدأ الهجوم الأميركي "الكاسح" على العراق في ساعات متقدمة من مساء الخميس. وحرصت إسرائيل على تبديد الانطباع بوجود توتر لدى المواطنين وكرر مسؤولوها الدعوة إلى مواصلة الحياة الطبيعية، وأعلنت انتظام الدراسة في مختلف مؤسسات التعليم على أن ينصرف الطلاب إليها كجميع الإسرائيليين إلى أماكن عملهم وهم يحملون الكمامات الواقية من الغازات السامة. كل هذا وسط بثها رسائل تهدئة إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي وضع في أقصى درجات الاستنفار، كما انتشرت الشرطة بشكل مكثف في الأماكن المكتظة بالناس وعلى طول "الخط الأخضر" وعلى مشارف المدن الكبيرة. ودعا الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف الإسرائيليين إلى منح السياسة التي تنتهجها الحكومة ثقتهم، وإلى اعتمادهم على القدرات الدفاعية والأجهزة الأمنية "القادرة على توفير حماية كاملة وملائمة لجميع المواطنين". رسمياً، كرر وزير الخارجية سلفان شالوم ترتيلة شارون أن إسرائيل ليست جزءاً من "الحرب الأميركية على الإرهاب"، وانها حكومة وشعباً "تقف في هذه اللحظات إلى جانب الشعب الأميركي وجيشه"، معرباً عن أمله بأن تكون المعركة قصيرة من دون أن تلحق أضراراً في الأرواح، وقال: "إننا نصلي من أجل سلامة جنود التحالف في الخليج". من جهته، سعى شارون إلى استثمار الحرب لاقناع زعيم حزب "العمل" عمرام متسناع الانضمام إلى حكومته ل"تصبح حكومة طوارئ وتكون حكومة وحدة قومية". ونقل عن مقربين من شارون انه لا ينوي منح "العمل" حقائب وزارية، إنما سيكونون وزراء في مكتبه، وأنه يعتقد أن المخاطر المتربصة بإسرائيل من هذه الحرب تستوجب عدم وقوف "العمل" على الحياد. ورد حزب "العمل" على المبادرة هذه بسحب اقتراحه حجب الثقة عن الحكومة من جدول أعمال الكنيست تجاوباً مع طلب رئيس الائتلاف الحكومي جدعون ساعر "لتمكين الحكومة من تركيز اهتماماتها على الاستعدادات لمواجهة انعكاسات الحرب".