العجيب بل الوقاحة ان يأتي الغربيون الينا، نحن العرب ونحن الأفارقة، ليغيروا تقاليدنا وعاداتنا في سبيل الديموقراطية. لماذا؟ اذا كان الغرب يدعي ان الانتخابات، ونظام التمثيل البرلماني، هو الحكم الشعبي، ثم يصادر، بأساليب القائمة على الدعاية والكذب والدجل، فأي نقاش حول الموضوع؟ أليس نظام القبائل الافريقية، الشعبي المباشر، إذ يجلس الملك على الأرض أمام شعبه ويتشاور معهم في أمور المجتمع، بعيداً من ديكتاتورية المكاتب والحواجز والحجّاب، وأكثر ديموقراطية أي أكثر شعبية من ديموقراطية الغرب الكاذبة المفترضة الزائفة التي اصبحت اسماً على غير مسمى؟ أي عقل يقبل ان نقول للملك الافريقي: أنت مستبدّ! أنت طاغية! أنت لست حاكماً شعبياً! سنعاقبك وندمر وطنك لتصبح ديموقراطياً بيروقراطياً، تحتمي بالمكاتب والعسكر والاستخبارات، وتبتعد من الشعب؟ يدعون انهم يمثلون الشعب، وهم لا يمثلون الا أنفسهم، ومن انتخبهم بواسطة الرشاوى، والدعاية الحزبية، والغالبية العددية، بينما لا يشارك في لعبة الانتخابات الا حوالى نصف سكان الدولة، وربما أقل. فالناخبون أقلية، ولا يمثلون كل الشعب. والصورة البسيطة التي كثيراً ما نشاهدها في الأفلام التسجيلية لحياة القبائل الأفريقية، تبرز التناقض صارخاً بين واقع الحكم الشعبي القبلي والفطري المباشر، وبين الديموقراطية التي تريد أميركا فرضها بالحديد والنار على الأفارقة. وهو نظام أبعد ما يكون عن الشعب. ففي النظام القبلي لا يصل الحاكم الى السلطة الا بشروط ومواصفات وقيود وأعراف، بينما يصل الى البرلمان أي شخص له معجبون، حتى لو كان هؤلاء ممثلة إباحية كما حصل في اليونان، أو راقصة حسناء كما حصل في الهند، أو مطربة شعبية كما حصل في مصر. بل ان اسماعيل يسين لو ترشح في أي انتخابات، عن أي حزب، لحق له ان يؤلف وزارة. أتحدث عن النظام الاسلامي الذي هو ديموقراطية كل الشعب، بكل فئاته من دون انتخاب. لأن كل عالم يتمثل في مجلس العلماء، وكل عامل يمثل جماعة العمال، وكل امرأة تمثل الزوجات. والحاكم في الإسلام يجلس مع العلماء للاجتهاد، وفوق رأسه، كالسيف، الميزان والمعيار والحكم، كتاب الله. ويجلس مع العمال، ومقياسه سنة رسول الله والمصلحة بحسب قواعد ومبادئ الاستنباط. ويجلس الى النساء ولا سلطة له عليهن، فينزل عند سنة الرسول ويرجح رأي المرأة. أهذا النظام حكم غير شعبي؟ أليس ديموقراطياً؟ إن الغرب يحرم شرح نظام الشورى حتى لا يعرف الناس الفرق بين ديموقراطية الغرب، وديموقراطية الأقلية العددية التمثيلية، وديموقراطية كل الشعب التي تحكمها المعايير والمقاييس المحكمة الثابتة والظاهرة. بيروت - رضية إحسان الله