بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    محافظ الأحساء يستقبل الرئيس التنفيذي المعين لشركة مطارات القابضة    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    الطائرة الإغاثية السعودية ال 20 تصل إلى لبنان    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مشاريع تنموية تنفذها بلدية شري لتعزيز العمل البلدي لعام 2024م    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على عدد من المناطق    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    الإعلام السعودي.. أدوار متقدمة    المريد ماذا يريد؟    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    القبض على مخالفين ومقيم روجوا 8.6 كيلو كوكايين في جدة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «الزكاة»: تنفيذ أكثر من 14 ألف زيارة تفتيش في 30 يوماً    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    بقعة صحافة من تلك الأيام    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القارة السمراء على مفترق الدخول في النظام الاقتصادي العالمي الجديد . الشراكة الأفريقية مع الغرب ... في مقابل اعتماد ديموقراطيته ومعاييره !
نشر في الحياة يوم 01 - 02 - 2003

سيكون برنامج "الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا" نيباد إحدى أبرز القضايا التي سيناقشها الزعماء الأفارقة في قمتهم الاستثنائية الأولى في إطار منظمة الاتحاد الأفريقي الاثنين والثلثاء المقبلين في أديس أبابا، إلى جانب إقرار الهياكل الجديدة للاتحاد.
وكانت تباينات برزت لدى إقرار هذا البرنامج السياسي - الاقتصادي في تموز يوليو من العام الماضي خلال قمة دوربان جنوب أفريقيا التي أعلنت ولادة "الاتحاد الأفريقي" ليحل مكان منظمة الوحدة الأفريقية. إذ تعتبر دول أفريقية عدة برنامج "نيباد" الذي أطلق عام 2001 بمبادرة من رئيس جنوب أفريقيا ثابو مبيكي "تدخلاً في الشؤون الداخلية لدول القارة" في حين تعتبره دول آخرى "الفرصة الاخيرة لإنقاذ القارة من الفقر وإيقاظها من ثباتها العميق".
ولخص أحد أعضاء الوفد الجنوب أفريقي في تصريح إلى "الحياة" البرنامج بالقول: "إنه شبيه بخطة مارشال الالأميركية التي وضعت لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ويهدف إلى استثمار الدول الثرية بلايين من الدولارات سنوياً لإعادة الانتعاش إلى الاقتصادات الأفريقية وتخفيف الفقر في القارة، في مقابل تعهد الحكومات الأفريقية للدول الغربية، إزالة الفساد ودعم الديموقراطية وحقوق الإنسان وتنفيذ خطط لتطوير اقتصادات بلدانها استناداً إلى معايير السوق الحرة الدولية".
وأشارت الوفود المعارضة لمواد وردت في البرنامج وصلت إلى أديس أبابا في تصريحات صحافية إن إقرار البرنامج تم بالتوافق والإجماع وليس بالغالبية، واعتبرت "أن آلية المراقبة التي وردت في المشروع صريحة وواضحة، وتنص على إجراء تقويم للأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي لرؤساء الدول، وهو بعبارة آخرى إجراء محاكمة للرؤساء، والذي يدان لا تحصل حكومته على مساعدات، والبريء يكتب في حقه تقرير إلى الدول المانحة كي ترسل إلى حكومته المساعدات وتخفف عنها ديونها الخارجية".
في ما يأتي تقرير من أديس أبابا عن خلفيات "نيباد" والنقاش الدائر على مدى أهميته في إنقاذ دول القارة من الفقر ووضعها على أعتاب النظام العالمي الجديد، إضافة إلى قضايا أخرى مرتبطة بالبرنامج.
عندما أقر القادة الأفارقة برنامج "الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا" نيباد في قمة منظمة الوحدة الأفريقية في 7 تموز 2002 في مدينة دوربان الجنوب أفريقية، قبل يومين من إلغاء "المنظمة" وإعلان "الاتحاد الأفريقي" في التاسع من الشهر نفسه، كانوا يدركون أن الدول الغربية الثرية وضعتهم أمام خيارين: إما أن تموت دولهم نتيجة الفقر والمجاعة والأمراض وتتخلف عن بقية العالم، أو أن تدخل في "النظام الاقتصادي - السياسي العالمي الجديد"... إذ لم يعد هنالك "عالم آخر"... تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان يمول الدائرين في فلكه من الدول الأفريقية، ولم يعد لدى هذه الدول ممول سوى الغرب، بل انضمت روسيا نفسها إليهم في طابور المنتظرين تلقي المساعدات من دول الغرب.
وشروط الانضمام إلى هذا النظام واضحة وصريحة: اعتماد الديموقراطية والتعددية الحزبية على الطريقة الغربية، ونظام اقتصادي يستند إلى سوق حرة، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان وإزالة الفساد. وجرى تلخيص هذه الشروط بعبارة "الحكم الجيد".
الزعماء الأفارقة أدركوا تلك الحقيقة وأقروا برنامج "نيباد" بالإجماع لكن على مضض، بعضهم كان يؤمن بإخلاص بأن برنامج الشراكة مع الغرب هو السبيل الوحيد لإنقاذ دول القارة وانتشالها من فقرها، وآخرون رأوا فيه إجحافاً وتدخلاً "سافراً" في شؤونهم الداخلية، واستغلالاً مباشراً من الغرب لثروات القارة. ولأن القرار اتخذ بالإجماع فإن الدول الأفريقية لن تخضع لآلية المراقبة في البرنامج إلا على أساس طوعي.
لكن ماذا عن البرنامج نفسه، وكيف بدأ؟
عندما اقترح الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي فكرة إنشاء "الولايات المتحدة الأفريقية" بديلاً من منظمة الوحدة الأفريقية في قمة الجزائر الأفريقية في تموز 1999، جذبت الفكرة الطموحات الكامنة لدى الرئيس الجنوب أفريقي ثابو مبيكي الذي كان يفتش عن مدخل لتسويق مشروع الشراكة مع الغرب. ومذذاك بدأ يسعى إلى تحويل فكرة القذافي حقيقة، لكن ليس على طريقة الزعيم الليبي بل بما يتسق مع مشروعه للشراكة مع الغرب. واستطاع إقناع القذافي بالمشروع بعد جولات وصولات عدة شارك فيها سلفه الزعيم الأفريقي التاريخي نلسون مانديلا. واستطاع مبيكي أيضاً كسب تأييد عدد من الرؤساء الأفارقة لبرنامجه أبرزهم الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والنيجيري أولوسيغون أوباسانجو والسنغالي عبدالله واد والمصري حسني مبارك.
ونجح مبيكي في تغيير صيغة "الولايات المتحدة الأفريقية" إلى "الاتحاد الأفريقي" الذي وضعت أسسه الأولى في قمة سرت ليبيا الاستثنائية في أيلول سبتمبر من العام نفسه، وميثاقه التأسيسي في قمة لومي 2001. ووافقت قمة المنظمة الأفريقية في دوربان في 7 تموز 2002 على "نيباد"، وبعد يومين ودع الزعماء الأفارقة منظمتهم القارية التي استمرت 39 عاماً، وأعلنوا ولادة المنظمة الجديدة "الاتحاد الأفريقي" التي ترأسها مبيكي باعتباره رئيس البلد المضيف، وبذلك صار أول رئيس ل"الاتحاد"، ووضع على رأس أولوياته تنفيذ برنامج "الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا" نيباد.
ويستند برنامج مبيكي "نيباد"، الذي يطلق عليه تسمية خطة "النهضة الأفريقية لإعادة الانتعاش في اقتصادات القارة"، إلى اعتماد معايير جديدة للديموقراطية وحقوق الإنسان، ويدعو إلى نظام مراجعة وتقويم لأداء الأنظمة الأفريقية. واستناداً إلى هذا النظام فإن الدول التي لا تلتزم الديموقراطية تُستثنى من المساعدات ومن خفض ديونها الخارجية، وكذلك لا تدخل ضمن برامج التنمية التي تتقرر في إطار "نيباد". كما تتعهد الحكومات الأفريقية، ضمن الخطة، تعزيز حقوق الإنسان وتنفيذ المعايير العالمية في الاقتصاد وتحسين الأداء الحكومي والمشاركة.
ويعتقد مبيكي بأن "اعتماد الأفارقة على أنفسهم يأتي في قلب "نيباد"، وأن خطة "إعادة انتعاش القارة الأفريقية يمكن أن تنجح فقط في حال استطاع القادة الأفارقة توفير حكومات أفضل ورفض الاعتماد على المساعدات الخارجية. وعليهم أن يطوروا السياسات الاقتصادية الجيدة وأوضاع حقوق الإنسان والديموقراطية بأنفسهم وليس بأوامر من الجهات الأجنبية المانحة أو تحت تأثير ضغوطها".
وفي 7 تموز من العام الماضي اتفق القادة الأفارقة على الصيغة النهائية ل"لجنة التوجيه" وضمت 20 دولة، وانبثقت منها "آلية الرقابة المتبادلة والتقويم" يتساوى فيها كل من أعضائها مع الآخر وتكون مسؤولة عن إنجاز مراجعة عميقة للأداء السياسي والاقتصادي للدول الموقعة على معاهدة "نيباد"، للتأكد من إصدار قوانين تعزز الديموقراطية والأداء الحكومي، وتطور اقتصاد السوق في إطار معايير مصرفية دولية.
وكان لافتاً أن أول المعترضين على هذه الآلية لدى إقرارها هو الرئيس السنغالي عبد الله واد أحد المدافعين عن برنامج "نيباد"، إذ قال لدى إعلان آلية الرقابة "أجد أن ما اتفق عليه غير واقعي ... ليس من الصواب لرئيس دولة أن ينتقد رئيس دولة أخرى لأمور داخلية في المقام الأول". وزاد سائلاً: "بأي حق تنتقدني أو تتدخل في شؤوني الداخلية. كيف تعتقد بأنني سأتمكن من إبلاغ رئيس في دولة أن انتخابه أو معاملته للصحافيين ليست مألوفة في هذه المنطقة أو تلك. أنا لا أؤمن بها".
كذلك قال وزير خارجية تنزانيا جاكايا كيكويتي: "نحن لا ندير فصولاً لتدريس أساليب الحكم. فنحن كدول... كما تعرفون... لا أستطيع أن أذهب إلى مواطن كيني والقي عليه محاضرة عن أفضل الطرق لإدارة حكومة بلاده". وزاد عن شرط "الحكومات الجيدة" الذي نصت عليه "نيباد" للدخول في الشراكة :"لا أصدق ذلك... لأن لدينا دليلاً على أن دولاً غربية تساند طغاة في أفريقيا. ومسألة الاستثمار برمتها تعتمد على الجانب الذي تقف فيه تلك الدول".
بين قمة ولادة "الاتحاد"
والقمة الاستثنائية الأولى
واليوم، بعد ستة شهور من موافقتهم على برنامج "نيباد" وإعلان "الاتحاد الأفريقي"، يلتئم عقد القادة الأفارقة ثانية في قمتهم الاستثنائية الأولى. ماذا حصل خلال هذه الفترة القصيرة من الشراكة مع الغرب؟
لخص ديبلوماسي أفريقي ل"الحياة" وضع دول القارة بعد إعلان "الاتحاد الأفريقي" وتبني برنامج "نيباد" بقوله: "ندرك جيداً أن الدول الغربية تتعامل مع دول القارة انطلاقاً من مصلحتها في الدرجة الأولى. أما عن مصلحتنا نحن الأفارقة، فلا أرى حالياً أي خيار آخر سوى التعامل مع الغرب استناداً إلى ما تمليه عليه مصالحه، وعلينا أن نقبل بهذه الحقيقة المُرة أو بمواصلة العيش في واقعنا الحالي، وهو واقع مر أيضاً. فالنظام العالمي السابق انتهى وعلينا أن نقرر الدخول في النظام العالمي الجديد أو أن نعيش في وهم النظام السابق".
ويعتقد هذا الديبلوماسي بأن الضغوط الغربية على دول القارة "لا تحتمل البقاء خارج نظامها". وأشار إلى تقرير أصدرته حديثاً مجموعة خبراء "عينتهم الأمم المتحدة وقيل لنا إنهم مستقلون من خارج المنظمة الدولية. وكانت مهمتهم تقويم برامج الأمم المتحدة في أفريقيا خلال السنوات العشر الماضية. وجاء في نتائج تقريرهم عن تلك الفترة أن أكثر من 80 مليون أفريقي انضموا إلى صفوف الفقراء، وأن الهوة بين الأغنياء والفقراء زادت في شكل كبير.
وانتقد التقرير معدل النمو الاقتصادي السنوي في أفريقيا خلال العقد الماضي الذي بلغ نسبة ثلاثة في المئة واعتبره نتيجة مخيبة جداً للآمال. وذكر أبرز الأسباب لهذا التراجع، مشيراً إلى الفساد والاستبداد في أنظمة الحكم، وانتشار الحروب والنزاعات الأهلية، وخفض نسبة المساعدات الخارجية لأفريقيا خلال التسعينات، والارتفاع البطيء لحجم التجارة الأفريقية مع الخارج. واستنتج التقرير فشلاً ذريعاً في برامج الأمم المتحدة وغيرها من الجهود الدولية لتشجيع النمو الاقتصادي والسلام في القارة".
ويعتبر الديبلوماسي الأفريقي أن هذا التقرير يمثل إحدى الضغوط الغربية على القارة، وأن ذروة هذه الضغوط تمثلت في التوصيات التي أوردها تقريرَا الخبراء لحل مشكلات القارة وأبرزها: "أن تساند الأمم المتحدة والمجموعة الدولية البرامج الأفريقية المحلية بدلاً من البرامج الجديدة التي تخطط الأمم المتحدة لاعتمادها في العقد المقبل".
ورأى التقرير أن أفريقيا حققت خطوات إيجابية لتبني الديموقراطية في التسعينات لكن هذا التقدم أعاقته النزاعات المتطاولة ووباء الإيدز وعدم وجود أسواق مناسبة للمنتوجات الأفريقية. واعتبر الشراكة الجديدة للتنمية الأفريقية نيباد أبرز مبادرة وضعها الزعماء الأفارقة لتحقيق السلام والديموقراطية والحكم الجيد في القارة من خلال تشجيع التنمية والاستثمار. وأكد التقرير أن على الحكومات الأفريقية بدورها فعل المزيد لإنهاء النزاعات في القارة وتحقيق الديموقراطية".
انتقادات
وإلى ذلك، ظهرت مواقف لافتة من بعض زعماء القارة خلال الشهور الستة الماضية، إزاء "الشراكة الأفريقية" مع الغرب. إذ انتقد الماركسي السابق رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زيناوي الولايات المتحدة وأوروبا لعدم التزامها تعهداتها المتعلقة بمبادئها في اقتصاد السوق الحر، خصوصاً في الفترة التي بدأت أفريقيا تتجه لتلبية ندائها الاندماج في الاقتصاد العالمي وتعزيز الديموقراطية.
وقال نهاية العام الماضي أمام مؤتمر "مصرف التنمية الأفريقي" عشية زيارة وزير الخزانة الأميركي بول أونيل إلى المنطقة: "ظهر بوضوح أن ثمة نفاقاً من جانب الولايات المتحدة عندما أصدرت في الربيع الماضي تشريعاً يرفع نسبة الدعم الحكومي للمزارعين الأميركيين 190 بليون دولار لمزارعي الحبوب والقطن، وكانت دول أوروبية فعلت الشيء نفسه قبل عام". واعتبر أن هذه الإجراءات الأميركية والأوروبية بمنح المزارعين المحليين مزيداً من الدعم الحكومي، تُضعف جهود الحكومة الاثيوبية في إخراج شعبها من دائرة الفقر من خلال تصدير انتاجها الزراعي إلى أميركا وأوروبا.
وفي الإطار نفسه، عبّرت خبيرة أفريقية في التنمية عن مخاوفها من محاربة البضائع الأفريقية في الدول الصناعية "التي يدعي قادتها أنهم يعملون على فتح أسواق بلادهم أمام الأفارقة". وقالت مديرة معهد التنمية الأفريقية في جامعة جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا آليس فورستر ل"الحياة" إن "القطاعات الوحيدة التي يمكن لأفريقيا ترويجها في الغرب هي الزراعة والمنسوجات، وهي أكثر القطاعات المحمية والمدعومة في الغرب". وعلى رغم الاتجاه الأوروبي والأميركي لإعطاء أفضلية للتجار الأفارقة، فإن جماعات الضغط المحلية القوية استطاعت تحديد مرور بضائع معينة من دون غيرها إلى أسواق الدول الغنية".
وكان الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني تحدث عن موضوع "الشراكة" بعد لقائه الوزير أونيل في الجولة الأفريقية نفسها الخريف الماضي، واعتبر أن "إلغاء الدول الغربية بعضاً من ديون الدول الأفريقية إجراء لحل قصير المدى يسمح لهذه الدول بالشفاء من عبء الديون فقط. لكن هذه الدول تحتاج إلى النهوض والبدء في نشاطها مجدداً، لذلك يجب أن نربط بين إلغاء الديون ومنح أموال جديدة، وليس قروض جديدة، وفتح أسواق الغرب وتسهيلاته التجارية أمام الأفارقة... عندها سنخرج من مشكلة وجود ديون لالغائها".
وفسر مسؤول في وزارة المال الاوغندية ل"الحياة" بالارقام ما كان يعنيه رئيسه موسيفيني، وقال: "إن أوغندا تنفق 80 مليون دولار سنوياً لدفع فوائد خدمة ديونها الخارجية، وهو ما يعادل 250 في المئة من عائدات صادراتها السنوية. وذلك بعدما ألغى البرنامج الدولي لخفض ديون دول شرق أفريقيا أربعة بلايين دولار، وقبل ذلك كانت أوغندا تدفع 160 مليوناً سنوياً فوائد خدمة الديون".
وأضاف معبراً عن قلقه إزاء الآثار السلبية على بلاده نتيجة الشراكة الجديدة مع أفريقيا "إن نصف الموازنة الحكومية السنوية في أوغندا تأتي في شكل مساعدات من الدول المانحة عبر هيئات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهذه ظاهرة غير صحية في تطوير الاقتصاد، وستكون نتائجها مُدمرة على المدى في ظل استمرار هذا التدفق الهائل من المساعدات الخارجية إلى البلد".
أين سيقف القادة الافارقة اليوم في شراكتهم الجديدة مع الغرب؟ وهل فعلاً لا يوجد خيار آخر أمامهم سوى هذه الشراكة المشروطة؟ أوساط الافارقة في قمة أديس أبابا الاستثنائية الاولى تشدد على أن التجربة الجديدة لا تزال في بدايتها وتحتاج إلى مزيد من الوقت للتأكد من مدى استفادة دول القارة منها.
نماذج من تجارب الديموقراطية في بعض دول القارة السمراء
على رغم أن بعض السياسيين الافارقة يرفضون النموذج الغربي للديموقراطية ويتمسكون بضرورة تحقيق الديموقراطية المستمدة من الجذور ومن التقاليد والتاريخ الافريقي، فإن المعارضين لرأيهم يرفعون راية أهمية توافر عناصر "الديموقراطية التعددية الحزبية" لاي نموذج حكم.
فالرئيس الاوغندي يويري موسيفيني استحدث انتخابات التصعيد السياسي من القواعد "الافراد"، وأراؤه بالنسبة إلى الديموقراطية معروفة في أفريقيا. فهو يعتقد بأن الأحزاب في دول العالم النامي تتأسس استناداً إلى الدين أو الاتنية، لذلك فهي تشجع التفرقة.
وفي رأيه "أن مجتمعاً مثل مجتمعنا لا يزال قبلياً ... ليست لدينا روابط صحية ومستقرة قائمة على المصالح الطبقية"، وأن "أي حزب سيظهر في البلاد سينشط في ظل هذه التركيبة ويتسبب في خلق أجواء توتر ستكون وقوداً لنزاعات اتنية ودينية تعيق التنمية".
ويعتمد الزعيم الليبي معمر القذافي نظام حكم اللجان الشعبية في بلاده. في حين اختار الرئيس السوداني عمر البشير الفيديرالية نظاماً والمؤتمرات الشعبية طريقاً للمشاركة في الحكم. أما غانا فاعتمدت نظام لجان الدفاع الشعبية.
وتعتبر هذه النماذج من أنظمة الحكم تجارب في الديموقراطية خاصة بأفريقيا، لكنها في رأي الغرب، لا ترقى إلى مستوى التعددية الحزبية التي تطالب بها الجماعات المعارضة في رواندا وتوغو وجمهورية الكونغو الديموقراطية والكاميرون ومدغشقر وساحل العاج وغيرها.
والرئيس الكيني السابق دانيال آراب موي، على سبيل المثال، ربما كان الوحيد بين الزعماء الافارقة الذي أعلن صراحة أن نظام الحزب الواحد هو الافضل، وتمسك به حتى العام 1992 عندما رضخ لضغوط الحكومات والهيئات المالية الدولية وأجرى أول انتخابات تعددية، لكن حزبه فاز فيها كما فاز ثانية في انتخابات 1997، وربما كان سيفوز ثالثة في الانتخابات الأخيرة نهاية السنة الماضية لو لم يكن هو نفسه عدل الدستور الذي لا يسمح للرئيس بالترشح لولاية ثالثة، وفازت المعارضة للمرة الاولى في تاريخ كينيا.
ولا يختلف موقف الرئيس الزيمبابوياني روبرت موغابي عن موقف موي، وإن تغلف بشعارات اشتراكية في زمن فقدت الاشتراكية بريقها على مستوى العالم.
لكن يبدو أن الدول الغربية، التي خاضت حروباً استمرت عشرات السنين قبل أن تعتمد ديموقراطيتها الحالية، غير مستعدة بأن تسمح للافارقة خوض تجاربهم الخاصة في تطبيق الديموقراطية، كما يروها مناسبة لهم، إلى حين تطويرها استناداً إلى تلك التجارب.
لماذا لم تُظهر أفريقيا قابلية إزاء الديموقراطية؟
عن أزمة الديموقراطية في أفريقيا وعزوف الغالبية في عدد من دول القارة عن المطالبة بالديموقراطية، يقول عدد من المهتمين بالشؤون الاجتماعية الافريقية إن اللوم في ذلك يقع على "التقاليد الافريقية" التي اعتادت عليها التجمعات الاتنية المعتمدة على أنظمة خاصة بها وأن تعترف بغيرها.
ويعتقد أفارقة آخرون بأن بعض أعضاء النخبة الحاكمة ليست لديهم خبرة في التعددية وتفضل الحصول على الولاء لزعيم قوي واحد. وأن فكرة المعارضة المخلصة للولاء الوطني ما تزال غريبة في أفريقيا، فالمناوئون للحكم هم أعداء وليسوا أخصاماً، والقبيلة هي الميزان الوحيد لتوزيع الولاءات. لذلك عندما يوجد تنافس إتني في أي مكان من القارة الافريقية تنتج عنه فوضى ربما تؤدي إلى حروب ونزاعات تستمر سنوات.
والقوى الاستعمارية فرضت على أفريقيا خريطة لا تعني الكثير بالنسبة إلى السكان الذين يعيشون فيها. فبنين دولة لا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة ويوجد بينهم نحو 30 مجموعة إتنية على الاقل، في حين تتشكل نيجيريا من خليط يضم أكثر من 300 مجموعة إتنية وغالبيتهم يتحدثون لغات خاصة بكل منهم، إضافة إلى الجماعات التي تدين بالاسلام والمسيحية والمعتقدات التقليدية.
أوغندا... قصة نجاح لم تكتمل
تعتبر أوغندا بالنسبة إلى الغرب "قصة نجاح كبرى" في دول العالم الثالث ويعتبرها البنك وصندوق النقد الدوليان نموذجاً لما يمكن تحقيقه في تحسين اقتصاد دولة نامية عندما تلتزم معايير الهيئات الاقتصادية العالمية، وتوقف انتهاكات حقوق الانسان.
وعلى رغم عدم اعتماد أوغندا الديموقراطية على الطريقة الغربية، إلا أنها اعتمدت المعايير الغربية في الاقتصاد، وصارت الدولة الأولى في أفريقيا التي جرى خفض ديونها الخارجية تحت مبادرة "الدول الاكثر فقراً ومديونية" التي أعلنها البنك الدولي في 1996. إذ بلغت نسبة نمو الانتاج المحلي العام 8،7 في العام 1998 وثمانية في المئة منذ 2001، وهي من أعلى النسب في أفريقيا.
على رغم ذلك، فإن أوغندا ما زالت حتى اليوم تنفق على دفع ديونها القديمة أكثر من انفاقها على خدمات التعليم والصحة معاً. وتذهب معظم الدفعات إلى البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين أقرضا أوغندا الاموال أساساً لمساعدتها في إعادة تأهيل بنيتها التحتية بعد انتهاء الحرب الاهلية فيها عام 1986. وعلى رغم نسبة التنمية المرتفعة، فإن الاحصاءات الاوغندية عن الفقر تسجل الارقام التالية:
- 88 في المئة من عدد السكان البالغ 21 مليون شخص، يعيشون في الادغال ويأكل معظمهم ما يستطيعون زرعه فقط، ويستهلك نحو نصف عدد السكان في أوغندا اأقل من ثلاثة آلاف سعرة حرارية في اليوم، وهذا بحسب منظمة الصحة العالمية، مقياس للفقر المدقع.
- أكثر من خمسة في المئة من الاطفال تحت سن الرابعة يموتون من سوء التغذية، وتؤكد الاحصاءات الحكومية أن 44 في المئة من الاوغنديين غير قادرين على دفع نفقات الطبابة لدى مرضهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.