يتوقع لأسعار النفط أن ترتفع فوق مستوى 40 دولاراً لبرميل خام "برنت" في حال بدء الحرب على العراق قبل أن تعاود الهبوط في النصف الثاني من السنة. والمستوى الذي قد تصل إليه الأسعار يعتمد على طول فترة القتال وعلى حجم التدمير الذي قد تتعرض له حقول النفط العراقية إذا ما حدثت أعمال تخريب غير متوقعة. أدت حال القلق المرتبطة بشبح الحرب على العراق إلى رفع أسعار النفط فوق مستوى 33 دولاراً لبرميل "برنت" مقارنة مع أقل من 20 دولاراً للبرميل قبل عام. ومن ناحية العرض كان هناك انخفاض في إنتاج فنزويلا بسبب الأزمة السياسية التي عصفت بها، ومن ناحية الطلب، أدى الشتاء القارس في الولاياتالمتحدة وشمال أوروبا إلى زيادة استهلاك زيت الوقود. أضف إلى ذلك أن الإدارة الأميركية زادت مخزونها من النفط الاحتياط الإستراتيجي إلى 700 مليون برميل أو ما يكفي حاجة الولاياتالمتحدة 63 يوماً، ويُتوقع أن تستكمل عملية زيادة المخزون الاحتياط نهاية الشهر الجاري. والولاياتالمتحدة، التي تملك 2$ فقط من احتياط العالم من النفط، تستورد 11 مليون برميل يومياً أو 55$ من إجمالي استهلاكها، ويشكل النفط الخام من منطقة الشرق الأوسط نحو 25$ من حجم هذا الاستيراد. ومع أنه من المستبعد أن تحل الأزمة الراهنة بالطرق السلمية، غير أن هذا السيناريو يبقى الحل الأفضل إذ أنه يجنب العراق والمنطقة حرباً قد تكون ذات عواقب جسيمة. وسواء تنحى الرئيس صدام عن السلطة أو استطاعت الأممالمتحدة في نهاية المطاف تبرئة العراق من امتلاكه أسلحة دمار شامل، فإن هذا سيقود إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه. وفي ظل حل سلمي كهذا فإن آبار النفط لن تتعرض للتخريب، وسيكون باستطاعة العراق أن يستأنف الإنتاج بمعدل 2.5 مليون برميل يومياً على المدى القريب، وأن ينفذ المشاريع المتفق عليها مع شركات النفط الدولية على المدى المتوسط والبعيد ما يؤدي إلى زيادة تدرجية في قدرة العراق الإنتاجية. ويتوقع أن تتراجع أسعار النفط بسرعة بعد إلغاء علاوة الحرب، التي تقدر بنحو 7 دولارات للبرميل، قبل أن تنهي السنة عند مستويات أقل من 20 دولاراً لبرميل "برنت". غير أن أكثر السيناريوهات المحتملة في الوقت الحاضر ليس هو الحل السلمي، بل الحرب الخاطفة والحاسمة التي يتوقع أن تشنها الولاياتالمتحدة على العراق قريباً جداً. ويبدو مما تسرب حتى الآن عن خطة الحرب المرتقبة، ان الجيش الأميركي سيستهدف السيطرة على حقول العراق النفطية خلال الساعات الأولى للمعركة لمنع أي عمل تخريبي. وبموجب هذا السيناريو، فإن إنتاج العراق البالغ حالياً نحو مليوني برميل يومياً قد يتوقف لمدة شهرين أو ثلاثة شهور خلال فترة القتال وبعدها للتمكن من فحص الحقول والتأكد من عدم وجود ألغام ضمن غيرها من الأخطار. ويتوقع أن ترتفع الأسعار خلال الأيام الأولى للحرب متخطية حاجز 40 دولاراً للبرميل قبل أن تبدأ بالتراجع لاحقاً. وستكون احتمالات عودة النفط العراقي إلى السوق بعد حرب قصيرة وحاسمة، وإمكانية أن يستطيع العراق رفع قدرته الإنتاجية خلال السنوات القليلة المقبلة، بمثابة قوة نفسية ضاغطة على الأسعار، إذ أن المتعاملين في السوق سيبدأون بخصم معدلات إنتاج مرتفعة خلال الشهور المقبلة وظهور فائض في العرض في سوق النفط الدولية مما يتسبب في تراجع مضطرد للأسعار وعودة خام برنت إلى اقل من 20 دولاراً للبرميل بحلول الصيف. وهناك سيناريو آخر لا بد من أخذه في الاعتبار وهو أن الحرب قد تستمر لشهور، يلجأ خلالها الرئيس صدام حسين وقادته المقربون للاختباء في مكان آمن في أحد أحياء بغداد المزدحمة بالسكان وتبقى هناك مقاومة متقطعة للاحتلال الأميركي لأيام وأسابيع عدة قادمة بعد انحسار المعارك الكبيرة. وخلال هذه الفترة قد يرفض العمال والمهندسون العراقيون تشغيل حقول النفط مما يتسبب في إغلاقها لشهور ايضاً، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط لتتخطى حاجز 45 دولاراً للبرميل قبل أن تعاود الهبوط تدريجاً لتنهي السنة عند مستوى 30 دولاراً للبرميل. وإذا ما ارتأت القوات العراقية المقاومة للاحتلال أن تخريب حقول النفط هو عمل انتقامي مشروع يحرم القوات المعتدية الاستفادة منه، واستطاعت فعلاً أن تقوم بذلك، فإن سوق النفط الدولية ستفقد جزءاً لا بأس به من إنتاج العراق، وستحافظ عندها أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة لفترة زمنية أطول وستزيد كلفة إعادة تأهيل قدرة العراق الإنتاجية بالإضافة إلى إعاقة عملية التعافي الاقتصادي للبلاد خلال فترة ما بعد الحرب. وبعد انتهاء الأزمة، يتوقع للعراق أن يرفع إنتاجه على مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة التعافي، التي قد تستغرق نحو سنتين وأن تصل كلفتها إلى ما يزيد على 5 بلايين دولار، تقوم خلالها شركات النفط الدولية بمساعدة العراق على استعادة مستوى إنتاجه السابق الذي كان في حدود 3.5 مليون برميل في اليوم قبل غزو العراقالكويت في تموز يوليو 1990. أما المرحلة الثانية، وهي مرحلة تطوير وزيادة قدرة العراق الإنتاجية للنفط لتصل إلى 7 ملايين برميل في اليوم بحلول سنة 2010، وهنا ستتنافس أكبر شركات النفط في العالم بما في ذلك شركات النفط الأميركية والبريطانية والروسية والإيطالية والفرنسية للحصول على مثل هذه العقود من الحكومة العراقية الجديدة. إن حاجة بغداد الماسة للأموال لإعادة بناء اقتصاده الذي دمرته 13 عاماً من العقوبات بالإضافة إلى خدمة دين خارجي يقدر بنحو 140 بليون دولار ستشجع الحكومة العراقية الجديدة على توقيع اتفاقات مشاركة في الإنتاج مع شركات النفط الدولية. ويصل احتياط العراق المؤكد من النفط إلى نحو 112 بليون برميل، وهو ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم بعد السعودية. على أن 15 فقط من أصل 74 من حقول النفط المكتشفة تم تطويرها حتى الآن و125 فقط من أصل 526 من الترسبات النفطية المعروفة تم حفرها. ولهذا السبب فإن هناك إمكانية كبيرة لأن يستطيع العراق مضاعفة حجم احتياطاته النفطية المؤكدة عندما يتم مسح كامل أراضيه. وبخلاف النفط المستخرج من منطقة بحر قزوين التي شهدت ارتفاعاً هائلاً في الإنتاج في عقد التسعينات، فإن نفط العراق يسهل استخراجه وتصديره. وللعراق ميزة إضافية وهي قدرته على نقل معظم إنتاجه إلى البحر الأبيض المتوسط بالأنابيب إلى تركيا وسورية ولبنان، وإلى البحر الأحمر عن طريق أنبوب النفط الذي يمر عبر المملكة العربية السعودية. وعقد العراق في الاعوام الماضية صفقات بقيمة 38 بليون دولار مع شركات نفط دولية لتطوير حقوله بما فيها شركة ENI الإيطالية وشركة شل البريطانية/الهولندية، وشركة BHP الأسترالية وشركة TotalFinaElf الفرنسية، وشركة Lukoil الروسية العملاقة. غير أن معظم هذه العقود لا تزال معلقة ولم يبدأ العمل بها بسبب العقوبات التي فرضتها الأممالمتحدة على العراق، كما أن الشركات الأميركية أيضاً لم تعقد صفقات مع العراق. وتبقى فرنسا المستفيد الأكبر إذ أن شركة TotalFinaElf العملاقة تملك حقوق التطوير لما يقارب 25$ من احتياط النفط العراقي. ومن ناحية نظرية ستساعد العلاقة الطويلة والحميمة بين الشركة الفرنسية وشركة نفط العراق الوطنية الفرنسيين ليكونوا في موقع تنافسي أفضل للحصول على المزيد من صفقات عقود الإنتاج بعد الحرب. غير أنه أصبح واضحاً الآن أن موقف فرنسا الرافض للحرب والمخالف للتوجه الأميركي يجعل من الصعب على شركات النفط الفرنسية العمل في العراق بعد الحرب، ولهذا السبب يعتقد المراقبون أنه عندما يحين وقت اتخاذ القرار النهائي في الأممالمتحدة، فمن غير المحتمل أن تستعمل فرنسا حق الفيتو لكي تحمي ما تبقى لها من مصالح نفطية في العراق. كما أن روسيا تجد نفسها في وضع حساس مشابه، فبينما تحاول معارضة موقف الولاياتالمتحدة الداعي إلى الحرب فهي بحاجة إلى حماية العقود النفطية المربحة التي وقعتها شركات النفط الروسية مع العراق. إضافة إلى ذلك فإن ديون بغداد لموسكو تبلغ 8 بلايين دولار تعود معظمها لفترة الاتحاد السوفياتي. وفي عام 1997 وقعت شركة النفط الروسية "لوك أويل" عقداً مع العراق مدته 23 سنة بقيمة 3.5 بليون دولار لإنتاج النفط من حقل القرنة الذي يحتوي على 7.8 بليون برميل من الاحتياطات النفطية المؤكدة، غير أن الحكومة العراقية الغت هذا العقد بعدما دعم الرئيس بوتين سياسة العقوبات التي تقودها أميركا ضد العراق في الأممالمتحدة. إن التوقعات القصيرة والمتوسطة المدى لأسعار النفط وأثر تلك الأسعار على إمكانات النمو الاقتصادي في المنطقة وفي العالم تعتمد على ما ستتمخض عنه الأزمة العراقية الحالية. والجميع متفق على أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، واستمرار الأزمة لشهور عدة من دون حل. وهنا ستؤدي عوامل القلق وعدم اليقين التي تهيمن على الأسواق إلى بقاء أسعار النفط عند معدلات مرتفعة وسيتراجع بالتالي نمو الاقتصاد العالمي ومعدلات النمو في المنطقة العربية. *الرئيس التنفيذي. جوردانفست