عاشت صربيا أجواء شبيهة بتلك التي خيمت عليها عشية سقوط نظام الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش، إذ طفت الصراعات إلى السطح بين "دعاة الديموقراطية" أنصار رئيس الوزراء المغدور زوران جينجيتش، والقوميين المتشددين الذين أخذت أصابع الاتهام تتجه إليهم في عملية الاغتيال التي وقعت أول من أمس. وعلى رغم إجراءات طوارئ اتخذتها الحكومة وفرضت خلالها تعتيماً إعلامياً، واعتقالها عشرات من أفراد مافيا "عشيرة زيمونسكي" المشتبه بتورطهم في اغتيال جينجيتش وعلاقتهم بالقوميين المتشددين، فإن سياسيين محليين لا يخفون أن البلاد تنزلق إلى فوضى أسوأ من تلك التي شهدتها خلال الحروب الأخيرة في البلقان. خيم الاضطراب والقلق على بلغراد أمس، إثر تصاعد الصدمة التي أحدثها اغتيال رئيس الحكومة الصربية زوران جينجيتش. وعززت السلطات إجراءاتها الأمنية، فيما حاول الاتحاد الأوروبي استخدام نفوذه في محاولة لاحتواء تدهور الأوضاع في صربيا، وما قد يسببه من انعكاسات سلبية في منطقة البلقان بأسرها. وواصلت قوى الأمن انتشارها الكثيف في بلغراد وأحاطت بالمباني العامة، وبدت الحركة في المؤسسات الرسمية والأهلية شبه مشلولة، ولزم غالبية السكان منازلهم وسط اتساع الخوف من أحداث خطيرة واحتمالات وقوع مواجهات في الشوارع. وأكدت الحكومة في جلسة استثنائية للبرلمان أمس، الحاجة إلى استمرار إجراءات الطوارئ المشددة، وما تستدعيه من فرض منع التجول في بعض الأوقات وعدم الاقتراب من المنشآت الأمنية والعسكرية والمباني الحكومية، إضافة إلى تقييد بعض الحريات العامة، من أجل تمكين الأجهزة الأمنية من دهم المنازل وتنفيذ اعتقالات سريعة. كما مُنعت التظاهرات والإضرابات والتجمعات والنشاطات الحزبية والنقابية، وأخضعت وسائل الإعلام إلى الرقابة وحصرت معلوماتها بما تعلنه الجهات الرسمية. وقاطع نواب الأحزاب القومية المتشددة جلسة البرلمان، احتجاجاً على فرض حال الطوارئ التي رأوا أن "من الممكن أن تستغلها أطراف حكومية في تصفية حساباتها مع فئات سياسية". "عشيرة زيمون" وميلوشيفيتش وأعلن نائب رئيس الحكومة جاركو كوراتش، أن عصابة "زيمونسكي كلان" أي "عشيرة زيمون" التي تتخذ من منطقة زيمون في ضواحي بلغراد معقلاً لها، مسؤولة عن اغتيال جينجيتش. ووصف العصابة بأنها "ربما كانت أكثر عصابة منظمة في منطقة البلقان". وأشار إلى أنها تضم أكثر من 200 شخص، لكن الحكومة تملك معلومات عن القليل منهم فقط، مؤكداً "أن هذه العصابة وضعت منذ أشهر عدة، تحت مراقبة مكثفة للشرطة، بعدما أعلنت الحرب على الدولة". ونشرت الحكومة أسماء 23 شخصاً، في مقدمهم زعيم العصابة ميلوراد لوكوفيتش الملقب ليغيا وهو قائد سابق لوحدة من الشرطة الخاصة ويعد من أنصار الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش، ومساعده في زعامة العصابة دوشان سباسوييفيتش الملقب شيبتار. اعتقالات وبحث عن مطلوبين وأعلن الناطق باسم وزارة الداخلية الصربية ميلان أوبرادوفيتش، أنه جرى اعتقال 40 شخصاً من الذين يعتقد بوجود علاقة لهم بعصابة "زيمونسكي كلان". وأشار إلى أن زعماء العصابة "تمكنوا من الفرار"، وحذر من أن "النار ستطلق على كل من يحاول مقاومة اعتقاله". وعلمت "الحياة" من مصادر في بلغراد، أن هذه العصابة، كانت ترتبط بتعاون وثيق مع أجهزة الشرطة إلى ما قبل وقت قريب، وأنها ساعدت السلطات أثناء القتال مع المسلحين الألبان في جنوب صربيا قبل نحو عشرين شهراً، كما أن لها ارتباطات قوية بوسائل الإعلام والمؤسسات القضائية والجهات الأمنية والعسكرية، وهي ذات توجهات قومية، وتعتقد السلطات بأنها المسؤولة عن محاولة اغتيال جينجيتش باعتراض سيارته بواسطة شاحنة في طريق مطار بلغراد في 21 شباط فبراير الماضي. سولانا في بلغراد ووصل إلى بلغراد أمس، مسؤول العلاقات الخارجية والأمنية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا واجتمع مع المسؤولين الحكوميين. وأعلن وزير الخارجية الصربي غوران سفيلانوفيتش، أن سولانا جاء "لتقديم دعم الاتحاد الأوروبي السياسي والاقتصادي لبلغراد في هذه المرحلة الحرجة". وفي واشنطن، أعلن الناطق باسم البيت الأبيض آري فلايشر أن الرئيس الأميركي جورج بوش قدم تعازيه لصربيا بوفاة جينجيتش. وقال: "سنتذكر رئيس الوزراء جينجيتش لدوره في بسط الديموقراطية في صربيا والدور الذي اضطلع به لإحالة سلوبودان ميلوشيفيتش إلى القضاء". وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية: "صدمنا بهذا الحدث ونشعر بحزن عميق"، مشيراً إلى أن وزير الخارجية كولن باول سيبعث قريباً ببرقية تعزية. وفي نيويورك، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عبر الناطق باسمه فريد إيكهارد عن "صدمته وحزنه" لاغتيال جينجيتش. وقال إيكهارد إن أنان "يأسف لهذا العنف السياسي ويأمل في إحالة المسؤولين عنه إلى القضاء". وأعرب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يان كافان أيضاً عن "صدمته وحزنه" لاغتيال جينجيتش. وقال الناطق باسمه إن "الرئيس كافان يأسف لهذا التصرف العنيف الذي استهدف رئيس حكومة منتخب ديموقراطي".