تشير الاحصاءات الرسمية الى ان عدد العاطلين من العمل يقدر بنحو ثلاثة ملايين، بينما تؤكد مراكز البحوث أنهم نحو 11 مليون شاب عاجزين عن تحقيق أحلامهم. رصدت "الحياة" عن قرب كيف يقضي الشاب العاطل يومه: "خمس سنوات مرت وأنا أبحث عن عمل من دون فائدة، القطاع العام مكتفٍ بما لديه ووظائف القطاع الخاص تقتصر على أقارب أشخاص معينين ومعارفهم فقط". هكذا بادرني هشام بكالوريوس هندسة، 29 سنة قبل أن يتابع حديثه قائلاً: "حاولت أكثر من مرة ان ألتحق بأعمال لم أكن مقتنعاً بها مثل مندوب مبيعات، ومدرس رياضيات في مدرسة خاصة، لكنني لم أشعر أن هذا العمل يناسبني فأنا لا استطيع السيطرة على مشاغبات الطلاب، تركت الوظيفة بعد شهرين فقط، ثم التحقت بالعمل في إحدى الشركات الاستثمارية في مدينة العاشر من رمضان، ولكن الشركة اغلقت لعجزها عن تصريف منتجاتها واستغني عني وعن آخرين. منذ ذلك الوقت لم استطع الحصول على فرصة عمل تناسبني حتى تملكني الاحباط والاكتئاب، فليس لدي شيء محدد أفعله حالياً، يومياً استيقظ قرب الساعة الواحدة ظهراً تقريباً، وأوقات كثيرة اشعر بعدم الرغبة في مغادرة السرير او في تناول طعام الافطار، وأبدأ يومي بإشعال سيجارة واحتساء فنجان القهوة التي افضلها سادة وأظل في المنزل اقرأ الجريدة التي يحضرها والدي - ناظر مدرسة - لدى عودته من العمل، كما أشاهد برامج التلفزيون حتى مغيب شمس اليوم وبعدها أغادر المنزل، فأنا لا أفضل الخروج نهاراً تجنباً لنظرات الجيران التي تسبب لي حرجاً كوني لا أعمل، وألتقي في المساء اصدقائي في المقهى حيث نبقى حتى طلوع الفجر. نلعب طاولة وندخن شيشة ونتحدث في ما آلت إليه أحوالنا وأحوال الناس من حولنا واحياناً نتحدث عن الجنس الآخر، ويروي كل منا مغامراته العاطفية. وفي أوقات كثيرة بعد إغلاق المقهى نظل نسير في الشوارع بغير هدى لإضاعة الوقت وأعود بعدها الى البيت، وأحياناً اشعر بالملل من جلسة المقهى والاحاديث اليومية المكررة فأمضي الوقت في حجرتي جالساً في ظلام تام اسمع أغاني حزينة من الكاسيت ومطربي المفضل هاني شاكر وحسن الأسمر وجورج وسوف". ويعترف هشام بتعمده تجنب النظر الى عيني والده في اثناء حصوله على مصروف "الجيب" اليومي - خمسة جنيهات - حتى لا تزداد حالته النفسية سوءاً، على رغم ان والده متفهم لأزمة البطالة التي يعاني منها حالياً كثيرون ويسعى جاهداً لدى معارفه واصدقائه لايجاد عمل يناسب مؤهلاته العلمية. اذا كان والد هشام يتفهم أزمة البطالة التي يعيشها الان فإن والد حسام 31 سنة يلقي باللوم عليه في ما آلت إليه أحواله الآن من سوء. تخرج حسام من كلية التجارة في جامعة عين شمس قبل نحو تسع سنوات سعى خلالها الى العمل في أحد المصارف أو الشركات الاستثمارية الكبرى من دون جدوى، ورفض الوظيفة التي وفرها له والده للعمل في إدارة الكهرباء في منطقة الزيتون لأن المكافأة الشاملة التي يتقضاها شهرياً لا تفي تنقلاته في المواصلات اليومية، ويقول حسام: "تقدمت بعدها الى مشروع سيارات البيع المتنقلة التي تبنته وزارة التموين، واستلمت السيارة ونجحت في جذب الزبائن بجلب بضائع غير متوافرة في المتاجر المجاورة وكنت أسدد أقساط السيارة بانتظام طوال ثمانية اشهر، الى أن فوجئت بمطاردة رجال البلدية وشرطة المرافق لي ولأمثالي على اعتبار أننا باعة متجولون. فتوقفت عن العمل بالسيارة بعد أن ازدادت فاتورة الغرامات التي ادفعها و"الاتاوات" التي أرغم على دفعها لرجال البلدية للتغاضي عن تحرير مخالفات لي ووجدت في النهاية أن المشروع أصبح غير مجدٍ فقمت بتصفيته وبيع السيارة ودفعت بقية الاقساط دفعة واحدة وأصبحت عاطلاً من دون عمل، ونتيجة هذه الظروف اصابتني حالة يأس وتمرد على الحياة، فأصبح لدي استعداد نفسي للخطأ في كل شيء، حتى في حياتي الخاصة وعلى رغم معرفتي انني ارتكب اخطاء لكنني لا استطيع التوقف، فأظل ساهراً طوال الليل مع مجموعة من الحرفيين والعاطلين تأثرت بهم بمرور الأيام فكرياً وأخلاقياً، وعلى رغم انني أعلم بالمنزلق الاخلاقي الذي أهوي إليه إلا أنني لا أجد غيرهم اضيع معهم الوقت، ومن هؤلاء الاصدقاء الجدد تعلمت قضاء السهرات الحمر وتناول الخمور والمخدرات كالحشيش والبانغو، أنا لا أدفع جنيهاً واحداً فهم يتولون الانفاق وأنا أتولى إحضار حاجات السهرة". ويؤكد حسام أن فكرة الزواج لم تراوده فهو لا يستطيع تحمل مسؤولية أسرة كما أنه يشعر في قرارة نفسه بأنه ضحية لظروف مجتمع يئن اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. بينما يرى ياسر 24 سنة تخرج قبل عامين من المعهد العالي للسياحة والفنادق، أعفي من قضاء الخدمة العسكرية لأنه المعيل الوحيد لأسرته بعد وفاة والده، وكانت تداعب ياسر أحلام وردية خلال فترة دراسته في المعهد لما ينتظره من فرص عمل متوافرة في المناطق السياحية، فأفسح لقلبه العنان أن يرتبط بقصة حب مع إحدى زميلاته وسعى فور حصوله على البكالوريوس الى التقدم لخطبتها على رغم اعتراض والدته لضيق ذات اليد، وحاول بعدها ان يجد فرصة عمل تناسبه من دون جدوى، فتملكه الاحساس بالعجز والفشل بخاصة بعد إقدام اسرة فتاته على فسخ الخطبة خوفاً على مستقبل ابنتهم من الارتباط بشخص عاطل، يشارك أمه واشقاءه الصغار في معاش والده الضئيل. ويصف ياسر شعوره بهذا الموقف قائلاً: "لم اهتم بأمر فسخ الخطبة، فمن باعني أبيعه لكن حزني نابع من نظرة الشفقة المخلوطة بالحسرة التي تطل من عيني والدتي كلما نظرت إليها، فأمي كانت تعول عليّ أن اعمل فور تخرجي لأساعدها في تحمل مسؤولية اشقائي، وتلبية حاجاتهم فوجدتني اصبحت اقاسمهم في جنيهات المعاش القليلة". ويشير ياسر الى أنه يستيقظ من نومه مبكراً ويظل يمر على الشركات والهيئات التي تعلن عن وظائف خالية من دون جدوى، لكنه بحسب ما يؤكد لن ييأس وسيحاول مرات أخرى. الفتيات ايضاً ولا تقتصر انعكاسات البطالة على الشباب وحدهم دون الفتيات، فتقول أماني: "تخرجت قبل اربع سنوات من كلية الاداب قسم التاريخ، جلست في البيت لفترة انتظر فارس الاحلام من دون جدوى، وتملكني عبء الشعور بالفراغ وانتظار المجهول ما اتعبني نفسياً فنصحني والدي باستكمال تعليمي، خصوصاً وأننا ميسورو الحال وتقدمت لنيل الديبلوم في تنمية المجتمع من جامعة القاهرة". بينما وفاء 20 عاماً والتي فرغت من دراستها المتوسطة - ديبلوم صنايع - قبل ثلاث سنوات لا تعرف كيف تتغلب على الضيق والملل اللذين اصيبت بهما في الفترة الأخيرة، جراء وجودها المستمر في المنزل بعدما تعذر حصولها على فرصة عمل، والدها يعارض كثيراً في شأن خروجها للتنزه او لزيارة صديقاتها وأقاربها بمفردها. وتشير وفاء الى أن الاعمال المنزلية تأخذ جزءاً قليلاً من يومها الذي يبدأ في العاشرة صباحاً، وعند الساعة الرابعة عصراً ينتابها الشعور بالملل فتجلس لمشاهدة التلفزيون تارة أو الوقوف في شرفة المنزل لتشاهد الناس في الشارع تارة أخرى. وتؤكد وفاء أنها حاولت أن تقضي وقت فراغها في القراءة بحسب نصيحة البعض وفشلت لأنها لا تحب القراءة. أخيراً، هل يجد هؤلاء الشباب حلولاً من الحكومة لمشكلاتهم لايجاد متنفس لتفريغ طاقاتهم المكبوتة، فهم أشبه بقنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، لحرمانهم من ممارسة حياتهم الطبيعية واثبات ذاتهم في ذلك المجتمع.