على رغم مضي أكثر من أربع سنوات على تخرج أحمد الهامي من دون أن يجد وظيفة في الاختصاص الذي درسه في الجامعة وهو الهندسة الصناعية، فإنه يفضل البقاء في البيت نهاراً أو المقهى الذي اعتاد السهر فيه مع أصحابه ليلاً، على أن يعمل في أي عمل يدر له دخلاً، ولكنه بعيد من تخصصه. ولا يجد الهامي نفسه مضطراً للذهاب إلى سوق العمل، في الوقت الذي يرى فيه معظم زملائه ينتظرون إعلان أسمائهم في الصحف من جانب ديوان الخدمة المدنية المسؤول الرسمي عن التوظيف، بخاصة أن ثقافة شعبية بدأت منذ أكثر من عشرين عاماً ترسخ فكرة العاطلين من العمل كمظهر عادي في مجتمع يعاني أكثر من ثلث قواه العاملة الشابة، من البطالة. ويبرر الهامي عدم ذهابه إلى سوق العمل بعد تردد في الإجابة، ب «ثقافة العيب» الراسخة في المجتمع الأردني الذي يجد شبانه المتعلمون حرجاً في أن يعملوا في مهن تدر دخلاً، ربما يوازي دخل اختصاصاتهم في حال عثروا على وظيفة بعد أكثر من عشر سنوات، بسبب نظرة مجتمعية دونية للأعمال التي لا تحتاج شهادة جامعية. ويضيف الهامي أن أبسط مثل على ذلك، هو عدم قبول ذوي أي فتاة جامعية شاباً يتقدم لخطبتها، إذا لم يكن يعمل في اختصاص مهم وله راتب عال وثابت شهرياً. ويشاركه الظروف ذاتها وائل الأجراشي الذي درس العلوم المالية في الجامعة وما زال ينتظر الوظيفة منذ 7 سنوات، من دون عمل ويعيش مع والديه اللذين يحاولان دفعه دائماً للذهاب إلى سوق العمل «وتزويجه قبل أن يفوته عمر الشباب». ويقول الأجراشي أنه منذ أن تخرج لا يجد غير البيت ليمضي فيه معظم وقته، مشيراً إلى أنه يخاف من أي عمل يحتاج إلى جهد بدني، ويتضمن اتساخ ملابسه ويديه مثل «الميكانيكي»، خصوصاً أن هذا العمل يعرض عليه دائماً بسبب امتلاك والده ورشة تصليح سيارات. ويضيف أنه لا يستطيع أن يتصور نفسه يعمل في غير وظيفة محاسب في مصرف يلبس البدلة وربطة العنق، كما كان يحلم منذ كان طفلاً. وكانت دراسة جديدة لمنظمة العمل الدولية أظهرت أنه على رغم حصول الشباب الأردنيين على فرصة تعليم جيد، إلا أن عدداً ممن التحق منهم بسوق العمل قليل جداً، ولا سيما بين الشابات. وتبين الدراسة التي نُشرت الصيف الماضي، وتحمل عنوان «انتقال الشبان والشابات في الأردن إلى سوق العمل»، أن الانتقال يستغرق زمناً طويلاً جداً. وفيما قفز البعض على جناح السرعة من الجامعة إلى عمله الحالي، يستغرق مَن لا يتمكن من الانتقال مباشرة حوالى ثلاث سنوات كي يحصل على عمل مستقر أو مُرضٍ. واعتمدت الدراسة على مسح أجرته دائرة الإحصاءات العامة الأردنية كجزء من مشروع «عمل من أجل الشباب»، وهو شراكة بين منظمة العمل الدولية ومؤسسة «ماستركارد»، والأردن واحداً من 28 دولة مشاركة في المشروع. ويقول نائب الأمين العام لوزارة العمل الأردنية الدكتور محمد القضاة إن «الدراسة تسلط الضوء على فئة مهمة في المجتمع، وهي شريحة الشباب. وهذا يعطينا أرقاماً دقيقة عن البطالة، وخمول الشباب من القوى العاملة، والتحصيل العلمي لكلا الجنسين، وسنعتمد على بعض المؤشرات الواردة في المسح». ووجد المسح الذي شمل 5405 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً أن 60 في المئة من الشباب في الأردن غير نشيط، أو ليس في سوق العمل. ويعزى ذلك في جزء منه إلى فرص التعليم الكبيرة في البلاد. ومن المرجح أن تبقى الشابات على وجه التحديد خاملات؛ إذ إن ثلثهن غير نشط، وليس في المدرسة. وفي حين يعتبر معدل بطالة الشباب في الأردن أدنى بقليل منه في بلدان المنطقة، إلا أنه بلغ 24.1 في المئة بين 2012 - 2013، أي قرابة ضعفي المعدل العالمي. كما أن معدل بطالة الشابات مرتفع جداً ويبلغ 41.8 في المئة. ووجدت الدراسة أن معدل بطالة الشبان يتناقص مع ارتفاع تحصيلهم العلمي. وعلى النقيض من ذلك، تأبى معدلات بطالة الشابات الهبوط إلى ما دون نسبة 40 في المئة، بغض النظر عن تحصيلهن العلمي.