بالأمس مضى قرن آخر، ونحن لا نزال نتساءل: هل بقيت تلك الأيام هناك في وطني تعاني القسوة، ولا شيء فيه سوى لمعان الأيام؟ هناك لا شيء سوى آثار الزمن الغابر. هناك لا شيء سوى ذكريات الحروب والدمار والتشرد. وكل ذلك بسبب الاستعمار القديم - الجديد، وفرنسا التي قدمت لنا مجرد كلمة اسمها "الاستقلال"، بينما في الواقع ظلت فرنسا تستعمرنا. ولا تزال تزرع بيننا النفاق والانشقاق. فلم تبق دولة استعمرتها فرنسا، في القارة الافريقية، إلا وخاضت حروباً اهلية. وذلك بدءاً من تشاد وصولاً الى رواندا، وأخيراً ساحل العاج. وهو البلد الذي كان يضرب به المثل بين الدول الافريقية، لما يتمتع به من استقرار وأمن وانسجام. ولكن باريس لم يرق لها ذلك، فتحركت من ساحل العاج، وقام ذلك الانقلاب الفاشل بواسطة متمردين تدعمهم فرنسا. وهؤلاء المتمردون قرروا، بقوة السلاح، فرض وجودهم. وكان على فرنسا ألا تدعم او تساعد اولئك الذين تمردوا على حكومة منتخبة ديموقراطياً. ان فرنسا هي المسؤولة عن بؤسنا، ودمار ديارنا، ومعاناة شعوبنا. والفرنسيون يعيشون في اوطاننا، في ارقى المدن، ويسيطرون على الممتلكات، بتواطؤ حكومات وأنظمة فاسدة. وهذه الأنظمة اختزلت الوطن كله في شخص واحد، هو "الرئيس". إنه استغلال ونهب لثرواتنا وتحكم في مصائر شعوبنا. انهم اخذوا كل شيء من غير ثمن. والآن، حتى بعد ان اوهمتنا فرنسا بالاستقلال، نعيش انكساراً حضارياً وواقعاً أليماً، وشقاء وبؤساً. إننا نخدع انفسنا بوهم اسمه الاستقلال. والحقيقة المرة اننا اذ لم نتولَ زمام امورنا بأنفسنا، ونواجه الحقائق الصعبة، ونتكاتف لطرد الفرنسيين المستعمرين من اوطاننا، ونهتم ببناء الإنسان الحر، وحماية حقوقه في وطنه، فإننا حتماً لن نتقدم خطوة واحدة للحاق بالعالم الحر المتحضر ولو بعد ألف سنة. والحقيقة المرة ان تلك الأنظمة التي سحقت الإنسان المواطن، ودمرت مقوماته، شاركت في صنع مأساتنا. جدة - علي يوسف ماريل تشادي مقيم