"سلمان للإغاثة" يوزع 2.459 كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    القبض على يمني لتهريبه (170) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    حاكم الشارقة يفتتح الدورة ال 43 من معرض الشارقةالدولي للكتاب    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    المريد ماذا يريد؟    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام ... البعد الغائب في تقرير التنمية الإنسانية
نشر في الحياة يوم 10 - 03 - 2003

حظي تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002 الصادر عن البرنامج الانمائي للأمم المتحدة بالتعاون مع المجلس العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بحفاوة إعلامية غير مسبوقة، سواء على المستوى الدولي أو المحلي باعتباره اول تقرير عربي شامل عن مجمل الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي. وعلى رغم أن موضوع التنمية البشرية سبق معالجته بمنهجيات ورؤى عدة متباينة في مصادرها المعرفية وأهدافها، إلا أن هذا التقرير يحوي جهداً مشكوراً ومحاولة علمية شبه موسوعية، على رغم إغفاله بعض العناصر الحاسمة والحاكمة في قضايا التنمية، مثل الإعلام والبعد الثقافي وتأثيراته المجتمعية وعلاقات التبعية بين العالمين العربي والغربي وتجلياتها السلبية في مختلف جوانب الحياة العربية المادية والفكرية، والإعلام وتأثيره الحاسم على قضية التنمية الإنسانية.
قبل أن نشير إلى موقع الإعلام على خريطة التنمية الإنسانية ومسؤولياته تجاه قضايا التنمية علينا أن نشير في عجالة إلى أهم الحقائق التي تلقي بظلالها السلبية والايجابية على الممارسات التنموية كافة وفي قلبها الإعلام. وتشمل هذه الحقائق كلاً من الواقع الدولي والعربي وتأثيرهما التفاعلي الجدلي على الإعلام العربي وأدواره ومسؤولياته.
أولاً: يعيش العالم المعاصر في ظل نظام العولمة الذي تعمل آلياته تلقائياً لمصلحة المركز الذي يتكون من الثمانية الكبار والمؤسسات المالية الدولية البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية والشركات المتعددة الجنسية، وشبكات الاتصال والمعلومات الدولية. وتفرض هذه المنظومة بزعامة الولايات المتحدة الأميركية سياساتها ومصالحها على الأطراف.
ثانياً: الدور السلبي الذي تقوم به الشركات المتعددة الجنسية تجاه قضايا التنمية في دول الجنوب ويزيد عددها على 37 ألف شركة لها 200 ألف فرع منتشرة في مختلف انحاء العالم، وفي العالم العربي 850 فرعاً لهذه الشركات، وتهيمن 500 شركة عملاقة على 70 في المئة من التجارة العالمية و80 في المئة من الاستثمارات الخارجية. وتتحكم في نقل التكنولوجيا، وتفرز مصانعها نصف الغازات المسببة للتغيرات المناخية. وعمدت هذه الشركات إلى انشاء مكاتب للعلاقات العامة تنتشر في جميع انحاء العالم وتعمل بدأب دعاية لها.
ثالثاً: التقدم التكنولوجي الهائل الذي احرزته وسائل الإعلام والمعلومات وظهور الامبراطوريات الفضائية، التي اصبحت المصدر الجديد لإنتاج القيم والرموز وأدوات تشكيل الوعي والذاكرة الإنسانية والوجدان والذوق وصناعها، ما ادى إلى حدوث تحول اساسي في طبيعة الادوار والوظائف التي تقوم بها وسائل الإعلام، المقروء والمرئي والمسموع. ولعل أخطر هذه الادوار هو ما يقوم به الإعلام في تشكيل أنماط معينة من السلوك الإنساني وتهميش انماط اخرى من خلال لغة الصورة ورموزها. ومن هنا أصبح ينظر إلى الإعلام باعتباره المعيار الذي تقاس به كفاية الأداء السياسي والاقتصادي للنظم المعاصرة، فضلا عن دوره في محاولة خلق الإنسان العولمي المبرمج ذي البعد الواحد.
رابعاً: تشير الشواهد المعاصرة إلى هيمنة الولايات المتحدة باعتبارها القاعدة الأكثر نفوذاً وهيمنة للمشروع العولمي بوجهه الاحتكاري وقدراته التكنولوجية الهائلة وأدواته الإعلامية والمعلوماتية المتقدمة، والتي تلعب الدور الحاسم في نشر وترويج الثقافة الاستهلاكية ذات الطابع التجاري في كل انحاء الوطن العربي في عالم توحده ثقافة الصورة والرسائل الأميركية التي تبث عبر الاقمار الاصطناعية وشبكات المعلومات. كما تشير هذه الشواهد إلى التنافس الضاري بين كل من الثقافتين الأميركية والفرنسية للسيطرة على عقل الشعوب ووجدانها. ويمثل العالم العربي الساحة الرئيسية لكل اشكال الاختراق الانغلو - أميركي والفرنكوفوني. وتشير قراءتنا للواقع العربي المعاصر إلى أن الثقافة العربية بتياراتها السياسية المتباينة وروافدها الثقافية المتعددة، تخوض في المرحلة الراهنة معركة بالغة الحدة ومتعددة الجبهات في مواجهة الثقافات الوافدة التي تتصارع على الساحة العربية، وهي بالتحديد الثقافة الأميركية والثقافة الفرنكوفونية وثقافة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وقد تفاعلت ظروف الصراع الاجتماعي والسياسي والثقافي طوال الفترة التي اعقبت حصول الدول العربية على استقلالها، سواء داخل المجتمعات العربية بين الحكومات والشعوب او بين الانظمة العربية على المستوى الاقليمي وبينها وبين العالم الخارجي على المستوى الدولي. وأنتج هذا التفاعل الصورة الراهنة للواقع العربي الذي تتحدد ملامحه على النحو التالي:
1- سيطرة أولوية الأمن العسكري على الحكام العرب منذ كارثة ضياع فلسطين العام 1948، ما اسفر عن نتيجتين سلبيتين تمثلتا في استنزاف الموارد العربية في اقتناء السلاح وتكديسه من دون الاهتمام بتدريب الكوادر القادرة على استخدامه بكفاية، مع تصاعد دور المؤسسة العسكرية في صنع القرارات السياسية.
2- ورث العالم العربي بنية اقتصادية وفاعليات اجتماعية مرتبطة بصورة مباشرة وغير مباشرة بأسواق اوروبا وأميركا الشمالية ثم شرق آسيا وجنوبها الشرقي وتفتقر هذه البنية منذ بدايتها إلى العلاقة بالأسواق العربية. إذ تشير الدراسات إلى أن حجم التجارة بين الدول العربية لا تزيد على 10 في المئة.
3- لقد توالت الاحداث الاقليمية التي ادت إلى اتساع الفجوة بين الدول العربية ومنحت دعاة الفرقة داخلياً وخارجياً المبررات القوية للقضاء على مقومات الفكر القومي، كما ادت إلى استنزاف القدرات والثروة العربية وتدميرها، ولعل ابرزها الغزو العراقي للكويت، وابرام الصلح المنفرد بين مصر واسرائيل، وعزل مصر عن دائرتها العربية اكثر من 12 عاماً خسر فيها العرب مصر وخسرت مصر الدعم العربي. كما تعرضت الارادة العربية للسحق في ظل مناخ دولي شهد اختفاء الاتحاد السوفياتي وتفرد أميركا بالعالم، ما اتاح الفرصة كاملة للإدارة الأميركية لتطويع الارادة العربية.
4- غياب الديموقراطية عن المؤسسات السياسية والادارية والاجتماعية والثقافية والإعلامية كافة في الوطن العربي، ما اسفر عن غياب فعل الانجاز بالنسبة إلى القضايا والتحديات المحورية في العالم العربي، اذ تشير الدراسات إلى استمرار ارتفاع معدلات الامية والفقر والوفيات بين الاطفال واجمالاً حرمان المواطن العربي من معظم حقوقه الإنسانية الاساسية. ويأتي الإعلام كي يتوج الحصاد النهائي لكل ما سبق ذكره باعتباره تجسيداً لجميع الاوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية ولا يمكن النظر إلى أدواره وتفاعلاته مع التنمية الإنسانية الا في ضوء هذه المتغيرات.
عندما نتأمل الخريطة الراهنة للإعلام العربي، بكل ما تزخر به من تباينات وما تعكسه من تناقضات اجماعية وصراعات سياسية وايديولوجية، تطالعنا حقيقتان، تشير الاولى الى وجود انظمة إعلامية قطرية عدة تتشابه في انماط ملكيتها، إذ يغلب عليها الطابع الحكومي، وبالتالي تحكمها قوانين وتشريعات إعلامية متقاربة إلى حد التطابق، وان كانت تختلف هذه النظم في توجهاتها السياسية ومنطلقاتها الايديولوجية التي تتجسد في سياسات إعلامية متباينة. أما الحقيقة الثانية فهي تتعلق بالإعلام العربي المشترك ووظائفه ومنجزاته وقصوراته ومستويات ادائه عبر اجهزة الجامعة العربية ومؤسسات التعاون الإعلامي بين الدول العربية وتفصيلاً لذلك:
نظم الإعلام القطرية، تتميز بما يلي:
1- يسود نمط الملكية الحكومية لجميع وسائل الإعلام المرئي والمسموع ووكالات الانباء في الوطن العربي، وتوجد بعض الاستثناءات في الإعلام المقروء تتمثل بوجود بعض الصحف الحزبية والخاصة. وقد ترتب على ذلك احتكار الحكومات العربية للقوانين المنظمة للعمل الإعلامي ورسم السياسات الإعلامية التي لوحظ تركيزها على الجوانب السياسية والدعائية والتحرك في دائرة الحكام وتسليط الأضواء على أنشطتهم وخطبهم السياسية وتنقلاتهم ما ادى إلى اهمال الوظائف الأخرى للإعلام العربي وعلى الأخص التثقيف والتوعية القومية والاجتماعية. فضلاً عن غلبة الاسلوب الاقناعي الدعائي التقليدي على الخطاب الإعلام.
2- شهدت مرحلة ما بعد الاستقلال سقوط النظام الإعلامي العربي في أسر التبعية الإعلامية للغرب التي شملت مصادر الاخبار وتكنولوجيا الاتصال المطبوع وتكنولوجيا الاقمار الاصطناعية والحواسب وبنوك المعلومات وهناك اشكالية تتعلق بإمكان توطين التكنولوجيا الاتصالية في الوطن العربي وتكشف عن التناقض الذي يزخر به، وتتمثل في ان الدول التي تملك القاعدة العلمية والبحثية والكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على توطين التكنولوجيا الاتصالية وتطويرها مثل مصر والعراق والاردن لا تملك القدرات التمويلية والاقتصادية التي تمكنها من الانفاق على هذه المشاريع التكنولوجية. أما الدول التي تملك الامكانات الاقتصادية مثل دول الخليج خصوصاً السعودية والكويت، فهي تفتقر إلى القاعدة العلمية والكوادر البشرية المؤهلة، وتتجه سياساتها الاتصالية إلى نقل التكنولوجيا الاتصالية الجاهزة. الا ان ذلك لا ينفي وجود محاولات لتجميع بعض هذه الاجهزة في مصر والاردن والعراق والامارات في اطار المشاريع التي تنفذها الشركات عابرة القوميات في العالم العربي. وقد تجلت مظاهر التبعية في اسوأ صورها في البرامج الاخبارية والدراما والمنوعات والافلام والمسلسلات التي تستهدف ترويض العقل الجمعي العربي وقولبة انماط السلوك والقيم لمصالح ايديولوجية ومصالح السوق العالمية واتساقاً مع متطلبات الطبعة الأميركية للثقافة الغربية.
3- يشهد العالم العربي حالياً سباقاً محموماً في مجال البث الفضائي تشارك فيه 40 قناة فضائية عربية إلى جانب 70 قناة دولية، وادى ظهور البث المباشر إلى إثارة العديد من المخاوف والاشكاليات خصوصاً في ظل عدم التزام الدول الكبرى بالمواثيق الدولية التي تنص على ضرورة التزام البرامج المبثوثة عبر الاقمار الاصطناعية باحترام الطابع المميز للثقافات المختلفة.
ولا شك في أن التنافس بين القنوات الفضائية العربية اسهم في رفع مستوى الخدمة الإعلامية خصوصاً في مجال التغطية الاخبارية والبرامج الحوارية، الا انه كشف عن صعوبة ملء ساعات الارسال بالبرامج المحلية ما ادى إلى ازدياد اعتماد القنوات الفضائية العربية على المنتج الاجنبي الوافد سواء في المسلسلات او برامج المنوعات والافلام.
4- تشكل الاعلانات ما يقرب من 60 في المئة من مصادر تمويل وسائل الإعلام العربية، خصوصاً في الإعلام المرئي والفضائيات. ولا يخفى علينا الآثار السلبية للاعلانات، فهي تمثل الاداة الدعائية الأكثر تأثيراً للشركات المتعددة الجنسية ووكالات الاعلان الدولية التي تبلغ 30 وكالة منها 25 وكالة أميركية، لها ما يزيد على مئة وكيل في العالم العربي. وتلعب الاعلانات دوراً خطيراً في افساد الصحافيين والإعلاميين وتحويلهم إلى ابواق لخدمة الاهداف التجارية لوكالات الاعلان، علاوة على ما تسهم به البرامج الاعلانية المرئية واعلانات الصحف في خلق انماط استهلاكية معادية للاقتصاد الوطني في معظم الدول العربية.
5- تفتقر اكاديميات الإعلام العربية إلى التعاون والتنسيق، فضلاً عما تدين به من تبعية اكاديمية للمدارس الغربية. هذا ويلاحظ غياب البحوث الإعلامية ذات الطابع الجماعي وغلبة الطابع الفردي واسفر ذلك عن عدم انجاز دراسات استراتيجية عن القضايا والتحديات التي تواجه الإعلام العربي المعاصر في مجال التنمية وحقوق الإنسان ودور الاعلام التنموي ومسؤولياته في العالم العربي. اذ يغلب على معظم الدراسات والبحوث في حقل الإعلام والتنمية النقل والترجمة والاقتباس من التراث الغربي بشقيه الانغلو - أميركي والفرنكوفوني.
6- يتركز الانتاج الإعلامي في العواصم، ما ادى إلى حرمان سكان الريف والبوادي وعزلهم الذين يشكلون 80 في المئة من سكان الوطن العربي. ويمكن القول ان الثورة التكنولوجية اضافت تصنيفاً جديداً للخريطة الإعلامية في الوطن العربي، فأصبح هناك إعلام الاغنياء وإعلام الفقراء، سواء كانوا من المتعلمين او الأميين في الريف أو الحضر علاوة على الإعلام المقروء، أي الصحافة العربية التي تقتصر خدماتها على المتعلمين فقط.
أما الإعلام العربي المشترك فيمثل اضعف الآليات التي يسعى به العرب إلى بلوغ اهدافهم القومية. اذ امتدت هيمنة المصالح القطرية إلى العملية الاتصالية ذاتها لتشمل كل مكوناتها ومراحلها وانشطتها. ما اسفر عن ظهور حالة من الفصام بين الاهداف القومية ووظائف هذا الإعلام تعزى إلى تعددية اجهزة رسم السياسات الإعلامية وازدواجية وظائفها وقصور الكوادر الإعلامية العربية مهنياً وعلمياً ما اضاف مزيداً من المعوقات التي حالت دون قيامه بأدواره القومية المفترضة.
نماذج الاهتمام الإعلامي بالتنمية
يشير المشهد الإعلامي في الوطن العربي إلى وجود نموذجين رئيسيين يسيطران على خريطة الاهتمام الإعلامي بقضايا التنمية البشرية والإنسانية. يعتمد النموذج الاول على الاهتمام الخبري المرتبط بالأحداث والأزمات، وفقاً للاجندة الرسمية وغالباً ما يصاحبه نمط التغطية الإعلامية القائم على المعالجة السطحية والتركيز على الانجازات واخفاء السلبيات.
أما النموذج الثاني فيعتمد على النظرة المتكاملة لقضايا التنمية سواء في علاقتها العضوية بالقضايا المجتمعية الاخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية او في ما تتميز به من سمات الاستمرار وعدم الانقطاع مما يلتزم معالجات إعلامية تتسم بالشمول والمتابعة والاعتماد على المعلومات والتحليات المتعمقة. ويطرح هذا النموذج نمطين من انماط المعالجة الإعلامية لقضايا التنمية وهما النمط التعليمي التربوي والنمط النقدي. ويرتكز النمط التعليمي على فلسفة ترى ان نشر المعلومات الصحيحة عن الواقع الاقتصادي والمشاريع التنموية ليس كافياً بل لا بد من توعية الجمهور بحقوقه ومسؤولياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بمنظور تنموي متكامل. أما النمط النقدي، فهو يضيف إلى النمط السابق اهتمامه بمحاولة اشراك الجمهور في تقويم المشاريع التنموية ونقدها التي تنشرها وسائل الإعلام وتذيعها إذ يسهم المتلقي في تعديلها او تطويرها.
ويتميز النمط النقدي في معالجة قضايا التنمية بقدرة اصحابه من الصحافيين والإعلاميين على تقديم رؤية نقدية تستند إلى قاعدة معلوماتية موثقة ومتخصصة عن المشاريع المحلية والاتفاقات الدولية وابراز ايجابياتها وسلبياتها والقوى الاجتماعية المستفيدة منها، وكذلك كشف أشاكل التضليل الإعلامي وادعادات أصحاب المصالح التجارية والصناعية الذي يحاولون تجميل وجه سياساتهم ومشاريعهم الضارة بالتنمية، من خلال تمويل ودعم برامج إعلامية وصفحات اعلانية للدفاع عن مصالحهم الخاصة. واذا كان هذا الاتجاه النقدي يغيب عموماً عن معالجات الاعلام العربي لقضايا التنمية الا في بعض التحقيقات الصحافية وصفحات الرأي والبرامج الحوارية وجميعها لا تتجاوز السقف المسموح به رسمياً او الهامش النسبي المتاح لحرية التعبير. الا ان الصحف الحزبية والخاصة فتستعين به إلى حد كبير وان كانت أحياناً تجنح إلى المبالغة والاثارة التي لا تستند إلى قاعدة معرفية متكاملة. ويلاحظ انه على رغم الاهتمام الإعلامي الذي حظيت به قضايا التنمية خصوصاً الإعلام المصري خلال الستينات والسبعينات، الا ان الثمانينات جاءت كي تؤكد اخفاق معظم المحاولات التي بذلتها الحكومات العربية لتجنيد وسائل الإعلام لخدمة خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية، وذلك بسب افتقار إلى الرؤية الشاملة ذات الابعاد الاستراتيجية والبرامج المرحلية المتتابعة وبسبب اقتصارها على المتابعة الخبرية للخطط الجزئية قصيرة المدى فضلاً عن انحياز معظم المعالجات الإعلامية لوجهة النظر الرسمية واعتمادها على المصادر الحكومية وتهميش الرؤية الشعبية وتجاهل الخبراء والمتخصصين علاوة على استنادها للتراث الغربي في قضايا التنمية، الامر الذي افقدها صدقيتها وتأثيرها المتوقع لدى الجمهور. ولعل ابرز مثال في هذا الصدد فشل وسائل الإعلام العربية في محو الامية ودعم العملية التعليمية ورفع مستوى التعليم النظامي ونوعيته بسبب انعدام التعاون بين اجهزة الإعلام والمؤسسات التعليمية في الوطن العربي ما ادى إلى بقاء نسبة الامية على حالها بل وارتفاعها في المناطق الريفية. ويضاف إلى ذلك القصور الإعلامي في مجال التوعية البيئية والصحية. ولا شك ان هذه السلبيات وسواها تعكس المعوقات العديدة التي تحول دون توصيل الرسالة الإعلامية التنموية والبيئية إلى جمهورها، كما تفصح عن فشل وسائل الإعلام في القيام بدورها التثقيفي والتوعوي في مجال البيئة. ويمكن تلخيص ابرز المعوقات على النحو التالي:
1- قصور مفهوم البيئة البشرية والإنسانية لدى الإعلاميين العرب بسبب افتقارهم إلى التأهيل العلمي المتخصص والثقافة التنموية والبيئية المتكاملة علاوة على قلة الدورات التدريبية التي يشاركون فيها والتي تعد شرطاً ضرورياً لتطوير ادائهم المهني.
2- الدور السلبي إلذي يقوم به أصحاب المصالح التجارية، خصوصاً المستثمرين في مجالات التعليم والصحة والبيئة في شراء بعض الصحافيين والإعلاميين من طريق الاعلانات وغيرها من الاغراءات المقنعة.
3- غياب استطلاعات الرأي التي يجب ان تقوم بها وسائل الإعلام بصورة دورية للتعرف الى مستويات الوعي التنموي والبيئي لدى الشرائح المختلفة للجمهور في الريف والحضر، كي يتسنى لهم رسم السياسة الإعلامية الملائمة لقضايا التنمية والقادرة على توصيل الرسالة التنموية والبيئية الي الجمهور.
4 - الاعتماد على المعلومات المترجمة من الصحف العالمية التي تعكس الاولويات التنموية في دول الشمال المتقدم تكنولوجياً والتي تختلف بالضرورة عن الاولويات المحلية التي تفرضها خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي في العالم العربي.
5 - غياب التنسيق بين الاطراف المعنية كافة بقضايا التنمية في الوطن العربي وفي مقدمها وسائل الإعلام من ناحية وبين الخبراء والمتخصصين والإعلاميين من ناحية أخرى، وبين هؤلاء جميعاً ورجال الاعمال والمعلنين، ما يؤدي إلى بعثرة الجهود وتكرارها وانغلاق دائرة الاهتمام بقضايا التنمية على فئات محددة .
* أستاذة الصحافة في كلية الإعلام - جامعة القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.