كانت الأوبرا عبارة عن حلة سوداء، وربطة عنق والجلوس مدة تزيد على أربع ساعات لمتابعة عرض "باليه" لا تؤثر فيه الأيام. لكن الواضح الآن ان تغير المفاهيم انعكس على الاوبرا. وفيما يرفض الكثير من الشباب الكلاسيكيات ينطلق قسم منهم لهثاً وراء موسيقى "الجاز". وعلى رغم كل ما يحاول أن يضفيه الشباب وبعض المتخصصين على ذلك النوع من الموسيقى، إلا أن "الجاز" يظل الموسيقى الافريقية البدائية الأصل التي استخدمها الانسان الافريقي الاول في إخراج الجن والعفاريت، وربما استخدام السريع منها كطقوس استعدادية للحرب. والسبب كما اعتقد الأفارقة بحسب دراسات مختلفة ان الجن والارواح الشريرة تفزع من الموسيقى الصاخبة، لذلك عمدوا الى مزيد من الايقاعات لطرد مثل هذه الأرواح، بينما كانت الكلاسيكيات، في المراحل المختلفة التي مرت بها معبرة عن حضارة فنية شهدتها اوروبا في عصر النهضة او ما قبلها. وعلى رغم مرور السنوات والقرون، ظل وصف التأثيريين والانطباعيين والسيمفونيين للموسيقى الكلاسيكية بالقصص أو الروايات الموسيقية متماشياً مع روعتها ومفرداتها الفنية، وحتى فترة قصيرة كان المهتمون من الشباب بالموسيقى يرون بالضرورة ان "الحنكة" الموسيقية في التذوق تمر بأسماء الكلاسيكيات المستصاغة امثال اعمال "روسيني" أو "مالر" و"تشايكوفسكي" و"شتراوس"، بينما ظل بيتهوفن هو الاصعب من حيث الفهم بالنسبة الى الكثير من الشباب. لكن المثير في الوقت الحالي هو اهتمام نسبة تزيد على 90 في المئة من الشباب بحفلات الجاز في دار الاوبرا المصرية التي قد يتعدى وقت بعضها اربع او خمس ساعات. المثير ايضاً أن هؤلاء الشباب لم يطلعوا على أي موسيقى أخرى، بحيث يمكن أن نقول ان هؤلاء يسمعون الجاز للحكم عليه، او ربما للمفاضلة بين انواع الموسيقى المختلفة. والأغرب أنه حتى حفلات الموسيقار عمر خيرت في دار الاوبرا بموسيقاه الاقرب الى الموسيقى السيمفونية الاوركسترالية لم تستطع منافسة اقبال الشباب على الجاز، العفوي، والسريع الإيقاع الى حد يصفه الكثيرون "بصداع المراهقين". ريهام صالح 21 سنة قالت ل"الحياة": "من دون أن ادرك السبب تعلقت بآلة الدرامز التي تستعمل في النوع الذي يستهويني، لذلك أدمنت حفلات يحيى خليل الذي استطاع المزج بين ما أراه مناسباً لي، وبين الموديرنيزم أو التطوير الذي يقال انه اعترى هذا النوع من الموسيقى". وتكمل: "مناقشاتي مع اصدقائي تركز غالباً على شكل العازفين وأصولهم، لكننا لا نتطرق ابداً الى نقاط فنية تتعلق بالجاز". أما هاني رأفت 23 سنة فيقول: "ليس من الضروري أن اكون متخصصاً كي اقبل نوعاً معيناً من الموسيقى أو أرفض نوعاً آخر، يكفي فقط ما يمكن أن نسميه التذوق "أو الارتياح". ويضيف: "الارتياح بالنسبة ليّ يعني رغبتي في سماع هذه الموسيقى مرة أخرى أو محاولة الحصول على شرائط كاسيت او C.D، وهو ما يعني أن هذا النوع يروقني بالفعل". أما المشكلات التي يرى المتخصصون انها تواجه اذواق الشباب والمراهقين تعود الى انهم يتأثرون ب"الموجات" أو "الموضات" التي تظهر فجأة من دون الوقوف على حقيقتها ولا تاريخيتها ولا مدى ما تمثله هذه "الموضات" في ميزان الفنون، وهو امر ليس صحيحاً لاكتساب مزيد من الثقافة الموسيقية القائمة على تدريب الأذن تدريباً موسيقياً حقيقياً. طارق عادل 25 سنة قال ل"الحياة": "لم ترُقني أعمال كلاسيكية كثيرة، أو ربما لم أرغب في معاودة سماعها ولا سماع المشابه لها وعلى رغم أن كثراً من اصدقائي لا يتفاعلون مع الموسيقى الكلاسيكية وينصحونني بعدم اضاعة وقتي في سماعها، إلا أن هذا لم يجعلني أمل من محاولة فهمها، لكن للإنصاف لم أصل الى نتيجة تجعلني استمر في السعي وراءها لأفهمها". وقالت ديدي صبري 23 عاماً: "ربما السبب في اقبالي على الجاز هو الشهرة التي حازتها هذه الموسيقى سريعاً، واقبال معظم زملائي واصدقائي على حفلاتها في دار الاوبرا". وتضيف: "في النهاية أرى أن الجاز يجمعنا كزملاء نرقص معه من دون قيود، بينما تظل اي موسيقى أخرى حابسة لحريتنا خصوصاً الموسيقى الكلاسيكية". وترى هالة نعمان ان سبب "عزوفنا عن حفلات الموسيقى الكلاسيكية هي ارتباطها في اذهاننا بسطوة الاباء وقيودهم التي يحاولون ان يضعوها حولنا من كل جانب، وهو ما يمكن أن يعني ان تمردنا على هذه السطوة انعكس ايضاً على رفضنا لما يحبونه من موسيقى".