يعتبرها كثيرون مجرد ايقاعات صاخبة لا تعدو كونها أكثر من مناسبة للحديث عن التقليد الاعمى للغرب، وربما تهكماً على موسيقى تجلب معها مزيداً من ألم الرأس، تلك هي موسيقى الجاز الحائرة بين مبدعيها والجمهور. الا أن مؤلفي موسيقى الجاز وعازفيها في مصر يجمعون على أنها تشهد اهتماماً ملحوظاً في الآونة الاخيرة، خصوصاً في أوساط الشباب. سألت "الحياة" عن اسباب عدم استيعاب الجمهور العربي موسيقى الجاز. وقال المؤلف العازف يحيى خليل صاحب برنامج "عالم الجاز" الشهير في التلفزيون المصري إن هناك كثيرين يعرفون موسيقى الجاز جيداً، ففي السابق وتحديداً خلال فترة الثمانينات كان قليلون هم من يعرفون هذه الموسيقى، وكانت الفرق التي تقدم موسيقى الجاز في مصر بمعظمها اجنبية ولا يتجاوز عدد الحضور في حفلاتها العشرات، أما الآن فالوضع مختلف تماماً فكل الفرق التي تقدم الجاز مصرية وعدد الحضور في تزايد مستمر. ويعتبر أن المشكلة الحقيقية التي تجعل الجمهور لا يستوعب موسيقى الجاز هي ان هذا الجمهور لا يستمع لأنواع مختلفة من الموسيقى وليست لديه معرفة كافية بموسيقى الجاز، وبعضه يكتفي فقط بمعلومات يسمعها من الآخرين وقد تكون خاطئة. ويرى المؤلف الموسيقي فتحي سلامة - مؤسس فرقة "شرقيات" ذات الشهرة العالمية التي تحظى أعمالها بإقبال كبير من العرب والأجانب "إن الجمهور مظلوم جداً، وليست لديه القدرة على التصنيف وقد يستمتع بمؤلفات موسيقية كثيرة من دون أن يدرك ما هي نوعية هذه الموسيقى، فمثلاً خلال اقامة عدد من الحفلات في اماكن عامة مثل بيت الهراوي والقلعة التي يؤمها الاجنبي والمتعلم وابن البلد وجدت تجاوباً شديداً مع ما أقدمه من موسيقى الجاز لدى الجميع على السواء، لكن اذا ما سألت احداً من الجمهور عن رأيه في موسيقى الجاز التي سمعها سيجيب في اللحظة نفسها وأين هي موسيقى الجاز تلك!". ينتقل عازف الجاز الشاب احمد ربيع الى نقطة اخرى، ربما تكمن المشكلة فيها، ولا تتعلق بتذوق موسيقى الجاز واستيعابها بل بتذوق الفنون عموماً، وهي المشكلة الاقتصادية التي تفرض على الاشخاص بل والدول ايضاً ان تنسى الموهوبين لديها، إذ لا امكانات مادية كافية لتنمية المواهب، ومن الطبيعي، بالتالي، ان يوجد عدد محدود من الفرق الموسيقية، معظمها يفضل تقديم موسيقى معروفة ومفهومة للجمهور مثل الموسيقى الشرقية والكلاسيكية، وهذا قد يحرم الجمهور من التعرف الى نوعيات موسيقية مختلفة، فالموسيقى مثل اللغة تماماً في حاجة الى تعلم واعتياد، والجمهور العربي اعتاد الموسيقى الشرقية، ولا بد من محاولات كثيرة معه ليقبل على موسيقى الجاز، لكن المطمئن ان هناك درجة جيدة من الوعي بموسيقى الجاز التي اصبحت تستهوي الكثيرين. ويقول الموسيقي الشاب محمد سيف اليزال ان المشكلة الرئيسة التي تواجه تلك الموسيقى هي الخلط بين الانواع الموسيقية المختلفة، إذ يعتبر كثيرون ان موسيقى الجاز هي تلك الموسيقى الصاخبة ذات الايقاع الثقيل، لكن هذا المفهوم خاطئ فذلك النوع من الموسيقى هو الروك والميتال، وهذه الموسيقى بعيدة تماماً عن الذوق العربي. ومن أين أتت تلك الموسيقى؟ يقول خليل "موسيقى الجاز ابدعها الافارقة وسيلة للتعبير عن أفراحهم وأحزانهم حينما انتقلت اعداد كبيرة منهم للعمل في القارة الاميركية، واستخدموها كنداءات للحرب والسلام والحرية، وانتشرت موسيقى الجاز في العالم اجمع، ثم تطورت مع الوقت وتأثرت بالمجتمعات التي ذهبت اليها، وأخذت طابعاً مختلفاً عن اصولها الافريقية. ويوضح سلامة ان ما يميز الجاز هو صفة الارتجال، وهذا يتناسب تماماً مع طابع موسيقانا الشرقية، فنحن اصحاب المواويل والاغاني المرتجلة منذ القدم، ومن هذه الزاوية قدمنا مؤلفاتنا للجمهور ولعبنا على وتر الارتجال ودمجنا بين موسيقى الجاز العالمية وموسيقانا الشرقية بهدف تقديم شكل مناسب من خلال الاحتكاك بكل الحضارات، والغريب ان الاجانب حينما يستمعون الى تلك الموسيقى يؤكدون أنها شرقية. ويرى ربيع ان موسيقى الجاز نوع من الموسيقى الحرة المدروسة لأنها تعتمد على الحرية في العزف غير أنها في الوقت ذاته تملك قواعد مدروسة. يعرف العالم مهرجانات الجاز في كل مكان ويغيب التعاون المشترك بين الفرق الموسيقية في الوطن العربي، لماذا؟ يجيب خليل: "السبب ناتج من عدم وجود المساهمات المادية الكافية، فكل المجهودات والنفقات يتحملها الموسيقي على عاتقه، وشاركتُ في عدد من المهرجانات العالمية وقدمتُ موسيقاي في الميادين العامة في ايطاليا، ولاقت نجاحاً كبيراً، لكنني لم استطع فعل الشيء نفسه في بلدي بسبب تعقيدات كثيرة. وتنظيم مثل هذه المهرجانات لا يعتمد على شخص بمفرده لكنه يحتاج الى مساعدات وجهات متعددة للتمويل". ويتفق سيف اليزال معه مشدداً على أن تنظيم المهرجانات ليس من عمل المؤلف الموسيقي فهو في الاساس مبدع وفنان، وتنظيم الانشطة الفنية وظيفة جهات اخرى.