افتتحت وزيرة الثقافة السويدية ماريتا اولفسكوغ مهرجان غتنبورغ الدولي السادس والعشرين للأفلام بوعد ان تعمل الدولة السويدية جاهدة من اجل دعم المخرجات الشابات عبر منحهن مساعدات مالية. كما مدحت الافلام الوثائقية التي تنقل معاناة الفرد في المجتمعات. وأكدت ان بعد المساواة الجنسية في البرلمان والحكومة وصل الدور الآن الى عالم الافلام في السويد ليصبح اكثر مساواة بين الرجل والمرأة. وعلى رغم عرض نحو 500 فيلم من معظم دول العالم، خلال فترة المهرجان كان هناك غياب واضح للافلام الهوليوودية ومعها افلام العنف الخيالية. وسجل حضور كبير للأفلام الآسيوية من كوريا والهند وباكستان وايران وفلسطين ودول اخرى. كما كان هناك حضور واضح للافلام الوثائقية الواقعية التي تصف حياة الانسان اليومية ومعاناته مثل فيلم "قطاع غزة" للمخرج الاميركي جيمس لونغلي وفيلم "ليليا 4 افر" للمخرج السويدي لوكاس موديسون. يحكي فيلم "قطاع غزة" عن معاناة المواطن الفلسطيني تحت سيف الاحتلال الاسرائيلي من خلال عرض يوميات مجموعة صبية فلسطينيين يبيعون الصحف في ازقة غزةالمحتلة. ويدخل الفيلم في تفاصيل يوميات الاطفال الذين ينامون على صوت هدير الدبابات ويستيقظون على دوي الصواريخ ودخان القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي القاتل، فلا يبقى امام الطفل الفلسطيني الا ان يكتشف معاناته اكثر كي يتلاءم معها ويرسم خطط استراتيجية ليعيش حياته حاضراً وماضياً ولكنها خالية من اي مستقبل. كل تلك المعاناة تنقلها كاميرا المخرج لونغلي الى المشاهد الاوروبي الذي لا يمر يوم الا وتكتب صحفه عن قطاع غزة. وعلى رغم ان الفيلم لم يحصل على جوائز سينمائية الا انه تمكن من استنهاض مشاعر متضامنة وأخرى معادية. غضب صهيوني اثار الفيلم غضب اللوبي اليهودي في مدينة غتنبورغ المعروفة بكرم اهلها وطيبتهم، ولكن المميزة ايضاً بأنها مركز للوبي يهودي فاعل. وانهمرت على بريد مديرة المهرجان جانيكي اولوند الالكتروني رسائل كثيرة معترضة على عرض فيلم "قطاع غزة" واصفة اياه بأنه احادي الرؤية ولا ينقل الا صورة المعاناة. كما ارتفعت اصوات متهمة اولوند بأنها اعطت الفرصة لعدد من الافلام الفلسطينية ولم تسمح، بحسب تعبيرهم، الا لفيلم اسرائيلي واحد يحكي عن العنصرية الداخلية في المجتمع الاسرائيلي. ولكن اولوند لم تتأثر بالأصوات المعارضة التي خرجت من بعض الصحف المساندة لاسرائيل وردت على الانتقادات شارحة انه "عندما يتعلق الامر بعدد الافلام المشاركة التي تعرض في المهرجان، فالقضية محصورة بنوعية الافلام التي تقدمها كل دولة. بكل صراحة انا لم اشاهد افلاماً اسرائيلية نوعية اكثر من الفيلم الذي سمح له بالمشاركة". ومن الافلام الفلسطينية الاخرى المشاركة فيلم "القدس في يوم آخر" للمخرج هاني ابو اسعد، وهو فيلم اجتماعي يحكي عن فتاة فلسطينية تعيش شرق القدس ويريد والدها ان يزوجها لشخص لا ترغب به. ومن اجل ان تتجنب مشروع والدها، تبدأ بنفسها البحث عن شريك حياتها الذي تريده، ولكن صراعها يدخل في حيز الصراع الاجتماعي مع والدها والصراع الامني اذ ان جيش الاحتلال الاسرائيلي على ابواب المدينة وسيجتاحها، وهي يجب ان تخطب قبل وقوع الحرب. وعلى رغم ان شرف افتتاح المهرجان أعطي لفيلم المخرج السويدي - اللبناني يوسف فارس "شرطة" لم يحصل على اي جائزة، ولكنه حظي بحضور جمهور كبير لمشاهدته. وتبين بعد العرض ان شهرة يوسف فارس التي بناها على فيلمه السابق "يلا يلا" كان لها ثقل اكبر من نوعية فيلمه الجديد. اكثر الدول الآسيوية حضوراً كانت كوريا الجنوبية التي حظيت بزيارة خاصة من مديرة المهرجان سيول كي تختار عدداً من الافلام المناسبة للمهرجان، ولكنها لم تحصل على اي جائزة، إذ ذهبت جائزة افضل فيلم آسيوي الى تايوان عن "بلو غايت" للمخرج يي شيه-ين، وجائزة افضل فيلم في المهرجان الى الفيلم الايسلندي Noi the Albino للمخرج داغور كوري. وكان من المتوقع ان تذهب جائزة افضل فيلم اميركي الى فيلم "حول شميدت" للمخرج ألكساندر بايني والممثل جاك نيكلسون الذي يأتي بدور مدير احدى اكبر شركات التأمين في الولاياتالمتحدة الاميركية ولكن لم يبق له سوى ساعات قليلة تفصله عن التقاعد. ويتطرق الفيلم الى حياة المدير المتقاعد الصعبة اذ انه يشعر بالفراغ فلا يجد شيئاً يشبع روحه سوى تبني طفل من دول العالم الثالث عبر المراسلة. ومن الواضح ان الغاية من الفيلم تسويق فكرة تبني الاطفال الفقراء عبر المراسلة، ولكن الدور الذي ينتحله نيكلسون لا يتناسب مع نيكلسون الشرير او نيكلسون الفكاهي الذي تعود عليه الجمهور، لذا مضى الفيلم من دون اي جائزة. وذهبت جائزة افضل فيلم اميركي الى عمل المخرج روبرت التمار "غوسفورد بارك". بلقانيات... لم يخل المهرجان من الصراعات الحساسة بين القيمين عليه وبعض المخرجين كالسويدي لوكاس موديسون الذي اشترك بعمله الوثائقي الرائع "ليليا 4 افر" الذي يحكي عن فتيات من دول البلقان وخصوصاً من البوسنة يجبرن على الدعارة في الغرب. حصل الفيلم على جائزة اكبر جائزة افلام في مدينة غتنبورغ، ولكن هذا لم يفرح موديسون الذي احتج على ذلك بعدم استلام الجائزة وارسال احدى مساعداته لتسلمها. وفاجأت مساعدة موديسون الجمهور في حفلة الختام برسالة من موديسون شخصياً يتهم فيها ادارة المهرجان بأنها "غير محترفة وفاقدة لكل احترام". وهذه ليست المرة الاولى التي يفجر فيها موديسون قنابل اعلامية اذ انه قبل 3 سنوات انتج فيلم "فاكينغ اومول" الذي يحكي عن قرية سويدية لا يجد شبابها الصغار سوى الانحلال الخلقي لتقضية اوقاتهم وحصل وقتها على الكثير من الجوائز. وعندما صعد الى المسرح ليتسلم جوائزه مد اصبعه الوسطي الى من وصفهم ب"رواد الصالونات الذهبية" الذين لا يؤمنون الا بالافلام التي تجني ارباحاً مالية كبيرة عبر الاعلانات. وتعرض المهرجان هذه المرة لحملة اعلامية من اليمين السويدي الذي اتهمه بأنه مسيس لمصلحة اليسار خصوصاً انه يتطرق الى مواضيع تتعلق بالثورات والقضايا الاجتماعية الطبقية. واحدى التهم كانت ان المهرجان مسيس برفض عرض فيلم وثائقي عن الرئيس الاميركي جورج بوش. لكن مديرة المهرجان بررت ذلك بأنه لم يكن بمستوى المهرجان. وليس من المستغرب اتهام المهرجان بأنه يساري اذ ان نوعية الافلام لا تتناسب مع سياسة اليمينيين. مكان ثابت ولكن بصرف النظر عن الانتقادات السياسية والتقنية والادارية مهرجان غتنبورغ السادس والعشرين يثبت مرة اخرى ان مكانه على خريطة مهرجانات الافلام في العالم ثابت. فهذه المرة زار المهرجان اكثر من 180 ألف مشاهد كما تم تطوير برامج الافلام اذ اصبح من السهل على الزائر ان يحصل على صورة شاملة عن نوعية الافلام ومواعيدها بسهولة اكثر من السابق، كما ان اشراك الانترنت التي تم عبرها شراء الكثير من البطاقات السينمائية، عامل مهم سهل تسويق الافلام التي شاركت في المهرجان الذي ادخل العالم السينمائي من فلسطين الى تايوان ومن نيويورك الى كابول في حفلة سينمائية واحدة اثبتت ان هناك أمكنة أخرى غير هوليوود تُنتج فيها افلام من النوع الممتاز.