يلاحظ متتبع ما تبثه الفضائيات العربية من الأغاني، خصوصاً الجديدة المصورة بطريقة ال"فيديوكليب"، ما صار أقرب إلى الظاهرة التي تتلخص في ظهور مغنية صاعدة أو مكرسة لا فارق في شكل يركز على مفاتنها، بينما يتوارى الغناء والأداء في مرتبة خلفية كأنه ليس الأساس، بل مجرد عنصر ثانوي وعابر. وذهب عدد من المنتجين والمخرجين الى المنطقة التي يؤكل منها كتف المشاهد العربي، فصار رهان هؤلاء عند تقديم وجه غنائي جديد، وغالباً ما يكون نسائياً، أن يحشدوا ما في وسعهم من عناصر الإثارة ودغدغة الحواس، سواء عبر جسد المغنية أم الفتيات الملحقات بها في ال"فيديو كليب". ولا ريب في أن الرهان على هذا الأمر حقق نجاحات لافتة، وقدم مغنيات صرن مشهورات بسبب تنكبهن تلك المغامرة التي تبدو أكلافها اللاحقة باهظة ومحفوفة بالمخاطر. وبمعنى آخر، فإن نهوض الأغنية على فكرة استعمال الجسد، يغدو ميسماً اساسياً لهذا "الفيديو كليب" أو ذاك. فالمغنية هنا ليست أكثر من ممثلة رديئة عرفها الجمهور لا لجمال صوتها أو اصالة أغنيتها، أو ابداع لحنها، وإنما لأنها بالغت، في مشهد ما، في إثارة هي مبتغى الحكاية وهدفها المركزي، وهنا يكمن المأزق القاتل. وتشديداً على ذلك صارت بعض الأغاني تصنف أو يستدل إليها بلباس المغنية وهي تقدم الشاي لزبائن في مقهى، لا يلبثون، بسبب اقتتالهم للظفر بالمغنية، ان ينخرطوا في خناقة تتطاير فيها كراسي المقهى، وتتساقط الثريات الكهربائية من السقف. وصارت مغنية أخرى تُعرف بلباسها الأحمر الذي التصق بجسدها بسبب المطر حتى تماهى معه. وغدا تمدد مطربة على عشب، ورقص أخرى على نحو يشير إلى اجزاء في جسدها، وتجول ثالثة بملابسها الخفيفة في اروقة بوتيك، من اسباب "النجاح" السريع. أما زال يمكن الاستماع إلى الأغنية في هذه الظروف؟ أما زال المبدع نفسه يبذل جهداً على مستوى الصوت واللحن والكلمات؟ أي علاقة يقيم المستمع مع الأغنية التي تعرّف إليها للمرة الأولى عبر المذياع ، أي بلا وسيط بصري يحجب الاهتمام ويشتت ذهنه ويغرق ذائقته في وابل من المؤثرات الخارجية السطحيّة؟... وتورط في هذه اللعبة المهلكة مطربات ذوات موهبة لافتة للاهتمام والانتباه، وربما كنّ في غنى عن ابتذال أنفسهن للظهور بمظهر مغرٍ أو مثير على نحو مجاني يتقدم فيه الجسد ويتوارى الصوت، وتنهض فيه الحواس في بعدها السطحي المباشر وتختنق الحنجرة التي تفجر الغناء والطرب والمتعة.. وتبعث النشوة الجمالية الغامرة.