تأمل في ما ينتجه الآن راشد الماجد وخالد عبدالرحمن ورابح صقر وستجد أن الأغنية السعودية وصلت إلى أسوأ مراحلها بالفعل. مستوى سيئ وكلمات تكتب في خمس دقائق ولحن يصنع كيفما اتفق والنتيجة أغنية ضعيفة مترهلة مؤذية للذوق السليم. لم تكن هذه حالنا قبل عشرين عاماً, ففي ذلك الوقت كان هناك حد أدنى من القيمة الفنية لا يتنازل عنه المغني, كما كانت الساحة تضج بالنجوم من مختلف المناطق وكل واحد منهم يسعى لتقديم الأفضل ليكسب مرتبة متقدمة في سوق الكاسيت.. فيما لا يوجد اليوم إلا أربعة أو خمسة مغنين "فاعلين" بالكاد يقدمون عشرين أغنية في العام, أغلبها سيئ. كيف وصلنا إلى هذا المستوى؟. ومتى بدأ انحطاط الأغنية السعودية؟ حتى بداية التسعينيات الميلادية كان الكاسيت هو "الوسيط" الوحيد المتاح للمغني ليتواصل مع جمهوره, فلم تنتشر الفضائيات الخاصة بعد ولم يكن الفيديو كليب معروفاً, وكانت مبيعات السوق هي الموجّه الأول لذوق ومزاج الفنان والجمهور على السواء. عند هذه اللحظة ستعتقد أن دخول الفضائيات وموضة الفيديو كليب هو سبب الانهيار.. وستتمنى لو أن الأغنية السعودية استمرت على اعتمادها على الكاسيت فقط, لكن الذي حدث هو أن الانحطاط بدأ من سوق الكاسيت بالذات, عامي 1992 و1993, مع تفجّر الطاقة المدمرة للملحن "خالد هياس"! ومع اللحن الذي قدمه "عبدالله بنجر" للفنان سعد جمعة في أغنية "الزار" والتي أدى نجاحها الكاسح إلى تغيير معادلة السوق بالكامل حتى أصبح المطلوب هو إنتاج أكبر قدر من الأغاني الشبابية السريعة. وهنا نسأل: لماذا في تلك السنة بالذات حصل هذا الانقلاب في مزاج الجمهور وجعله يُقبل على شراء الألبومات الشبابية بمثل هذه اللهفة؟. كانت المبيعات فلكية ووصلت إلى عشرات آلاف النسخ للألبوم الواحد حتى أن صورة صانع هذه الموجة, خالد هياس, أصبحت توضع على غلاف الألبوم مع صورة المطرب تعبيراً عن تقدير الجمهور له. فما الذي تغيّر في ذائقة الجمهور حتى أصبح يفضل هذه الأغاني السريعة على الأغاني الطربية؟. هل تغير الذوق أم أن الجمهور نفسه تغير وجاء جيل شاب صغير فرض مزاجه على السوق؟. ما يهمّ هنا هو أن عام 1993 كان نقطة تحوّل باتجاه الأسوأ. وعندما بدأ انتشار القنوات الفضائية عام 1994 والذي رافقه انطلاق بث إذاعة MBC FM, وجدت موجة "هياس" الشبابية فضاءً جديداً اتسعت خلاله وتمددت حتى هيمنت على الساحة تماماً, وتأثر الجميع بهذه اللوثة, وبهذا الطوفان الشبابي, بما في ذلك نجوم الجيل السابق أمثال محمد عمر, وعلي عبدالكريم, ومزعل فرحان الذي ما أن أتيحت له فرصة تصوير فيديوكليب لقناة "ميوزيك ناو" إلا واختار أسوأ أغانيه على الإطلاق "الليلة جميلة"؛ فقط لأنها أغنية راقصة وتلائم المزاج العام لتلك المرحلة. هكذا انتقل السوء من سوق الكاسيت إلى الفضاء, وجاءت الإذاعة لتعزز ذلك, حيث ملأت ساعات بثها بالغث والسمين من الأغاني, وبسببها نشأت موضة الأغنية الواحدة التي تُبث عبر الأثير فتنجح فتصنع من مغنيها نجماً جماهيرياً كبيراً, مثلما حدث للمغني حسين عمر الذي نجح منتصف التسعينيات بأغنية "تعجبني" وأغنية "يا ويلي" بشكل أثر حتى في طريقة الغناء, فمن بعده أصبح التغنج في الأداء والارتخاء في الصوت سمة غالبة على المغنين. خمسة أعوام فقط هبطت بالأغنية السعودية من عليائها لتصبح أكثر سرعة وسوءاً وانحطاطاً. وقد تتفق أو لا تتفق معي في أن فترة (1992 حتى 1996) كانت نقطة تحوّل حاسمة ومحددة وواضحة, لكنك لن تختلف معي في أن ظهور هياس و"زار" سعد جمعة وحسين عمر والفيديو كليب, في تلك الأعوام الخمسة بالذات, كان مدمراً للأغنية السعودية.