تكثّفت الاتصالات الديبلوماسية أمس مع بدء "العد العكسي" للعمليات العسكرية ضد الرئيس العراقي صدام حسين بزعم امتلاكه اسلحة دمار ممنوعة. وفي حين أعلنت لندن ان أمام الأممالمتحدة مهلة أسبوعين لإقرار مشروع قرار جديد ستقدمه الولايات المتحدة وبريطانيا الى مجلس الأمن ويتهم العراق ب"خرق مادي" للقرارات الدولية، جددت روسياوفرنساوالمانيا معارضة أي خطوة لإصدار القرار الجديد الذي يُعتقد انه سيمهّد الطريق أمام الضربة العسكرية. كان متوقعاً ان تطرح الولايات المتحدة مساء أمس الاثنين في مجلس الأمن مشروع قرار حول العراق قال ديبلوماسيون انه يمهد الطريق امام بدء العمليات العسكرية لإطاحة حكم الرئيس صدام حسين. وقال مصدر ديبلوماسي "انه نص مقتضب جداً من فقرتين عملانيتين". وجاء تقديم مشروع القرار بعد ساعات من إعلان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو ان لندنوواشنطن تريدان قراراً من الأممالمتحدة في شأن العراق خلال اسبوعين تقريباً من تقديمهما مشروع القرار الجديد الى مجلس الامن. وقال سترو للصحافيين لدى وصوله الى بروكسيل لحضور اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، انه ثبت عدم اذعان الرئيس العراقي لقرارات الاممالمتحدة المتعلقة بنزع السلاح. وتابع: "سنقدم الاسبوع الحالي مشروع قرار ثان خاص بالعراق سيوضح اننا نقترب من نهاية الفرصة الأخيرة التي اعطيت لصدام حسين خلال القرار 1441 الصادر في 8 تشرين الثاني نوفمبر بضرورة نزع سلاحه تماماً شكلاً وموضوعاً". واستطرد: "لأننا نريد توافقاً دولياً في الآراء... سنسمح بفترة كافية تصل الى اسبوعين وربما أكثر قليلاً قبل ان نطلب قراراً". واعتبر ان فشل صدام في الاذعان للقرار 1441 ثبت فعلاً. ورفض وزير الخارجية البريطاني الاقتراح الفرنسي المطالب بتقديم "ارشادات هادية" للعراق و"قائمة مطالب" على بغداد تنفيذها للالتزام تماماً بعمليات التفتيش. وقال: "ليس من المطلوب معاملته كطفل لانه ليس طفلاً. لا ضرورة لمده بقائمة اشياء هو يعرف ان عليه ان يفعلها. ليس من واجبنا ان نثبت ان صدام مذنب. فهذا اُثبت فعلاً. لكن على صدام ان يثبت انه بريء". وأعلنت وزيرة الخارجية الاسبانية انا بالاسيو أمس في بروكسيل ان اسبانيا تشارك في صياغة القرار الدولي الثاني حول العراق. وقالت لدى وصولها الى مجلس وزراء الاتحاد الاوروبي حيث يجتمع وزراء خارجية الدول ال15 ان "اسبانيا ستساهم في صياغة القرار ويتم التفاوض في شأنه". وذكرت ان القرار يرمي الى "زيادة الضغط السياسي والديبلوماسي على نظام صدام حسين". وأوضح ناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير للصحافيين في لندن ان القرار الثاني "سيحدد بوضوح نافذة يعرف صدام انها فرصتة الاخيرة للاذعان". وقال ان مشروع القرار سيطرح "مطلع الى منتصف آذارمارس" للتصويت عليه في مجلس الأمن. واضاف: "لم نصل الى مرحلة اعلان الحرب. اننا في مرحلة عرض مشروع قرار في الاممالمتحدة لاعطاء صدام حسين فرصة اخيرة لاحترام" تعهداته في شأن نزع الاسلحة. وصرح مسؤولون بريطانيون بأن بلير شرع في "دفعة اخيرة من اجل السلام" فناقش الأحد الأزمة العراقية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومع رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا اثنار ومع رئيسي وزراء المكسيك وتشيلي وكلها دول اعضاء في مجلس الامن. معارضو القرار الثاني وفي موازاة التحرك البريطاني - الأميركي، سُجّل تحرك فرنسي - روسي - ألماني تركّز على تلافي الضربة العسكرية، فأعلن الكرملين ان الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي جاك شيراك اكدا أمس في مكالمة هاتفية "تقارب" وجهات نظرهما في خصوص العراق وضرورة اعطاء "الاولوية للوسائل الديبلوماسية" في حل الأزمة. وافاد الكرملين في بيان ان البلدين يعتبران ان من الضروري اعطاء "الاولوية للوسائل الديبلوماسية لتسوية المشكلة العراقية". وشدد بوتين وشيراك على ضرورة "مواصلة التنسيق والتعاون في اطار مجلس الامن الدولي" و"رحبا" بموقف حركة دول عدم الانحياز المعارض لتدخل الولايات المتحدة الاحادي الجانب في العراق وطلبا تعاوناً اكثر فعالية من بغداد. وأعلن الكرملين أيضاً ان بوتين أجرى محادثات هاتفية أخرى مع رئيس الوزراء التركي عبدالله غل تناولت "ضرورة مواصلة الجهود من أجل تسوية سلمية يكون الدور الأساسي فيها للأمم المتحدة". وأُفيد ان مدير الديوان الرئاسي الكسندر فولوسكين توجه أمس الى واشنطن في زيارة مفاجئة لم يسبق الإعلان عنها. ويرى مراقبون ان العراق سيكون من أهم محاور هذه الزيارة. وكانت فرنسا أعلنت الأحد انها ستقدم "اقتراحات جديدة" لتعزيز نزع اسلحة العراق. وقال مصدر ديبلوماسي في باريس ان فرنسا ستعرض على شركائها في مجلس الأمن مذكرة تحدد جدولاً زمنياً لاعمال مفتشي نزع الاسلحة. وأعلن المستشار الالماني غيرهارد شرودر أمس قبيل محادثات أجراها مع الرئيس شيراك في برلين، ان المانياوفرنسا تعتقدان ان ليست هناك حاجة في الوقت الحالي لصدور قرار ثان في شأن العراق وأضاف: "نتفق مع فرنسا في الرأي بأنه في اطار القرار 1441 لدينا امكانات كافية لدعم التقدم الذي يحرزه مفتشو الاسلحة". واستطرد: "ومن ثم فإن موقفنا الموحد في الوقت الحالي هو انه ليست هناك ضرورة لقرار جديد". وقالت ناطقة باسم الرئيس جاك شيراك امس انه يرفض القرار الثاني لانه "ليس مفيداً او ضرورياً". وزادت: "طلب المفتشون تدمير صواريخ الصمود. يتعين على العراق تنفيذ هذا الطلب وتدمير الصواريخ". وفي تعليقات نادرة على الشؤون الخارجية، دافع وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي بقوة عن الموقف الفرنسي في شأن العراق. وقال ان فرنسا "تقول انه لا يمكن ان تكون هناك قوى كبرى تدير شؤون العالم". وترك ايضا خيار استخدام فرنسا لحق النقض ضد قرار اميركي - بريطاني يقدم الى مجلس الامن مفتوحاً. وقال وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان ان مفتشي الاسلحة يحققون تقدماً واضحاً. وأضاف لصحيفة "لوفيغارو" ان بغداد ستتخذ خطوة ايجابية نحو نزع اسلحتها اذا دمرت ما تملكه من صواريخ الصمود. وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية البلجيكي لوي ميشال الذي ينتمي الى المعسكر المعادي لاطلاق نزاع فوري، ان "عمل المفتشين الدوليين لم ينته بعد". ورأى في تصريح في بروكسيل ان على الاسرة الدولية ان "تثق" بكبير المفتشين الدوليين هانس بليكس وفريقه. فيتو فرنسي ؟ ورداً على سؤال عما اذا كان سيوافق على فيتو فرنسي على القرار الثاني الأميركي - البريطاني، قال "انني ادعم كل المبادرات التي قد تفضي الى السلام". ومضى يقول ان "فرنسا وبلجيكا تتبعان المنطق ذاته". وكرر الفاتيكان أمس معارضته توجيه ضربة للعراق. واعلن وزير خارجية الفاتيكان المونسينيور جان لوي توران ان حرباً منفردة على بغداد من دون موافقة الاممالمتحدة ستكون "جريمة ضد السلام". وقال توران خلال ندوة حول السلام في روما ان "الحرب العدوانية ستشكل جريمة بحق السلام"، مذكرا بالمادة الثانية من ميثاق الاممالمتحدة التي تفرض على الدول الاعضاء عدم اللجوء الى الحرب لحل الخلافات الدولية. واضاف ان "اي عمل محتمل ضد العراق ينبغي ان يتم ويتقرر في اطار الاممالمتحدة. مجلس الامن وحده له سلطة اتخاذ قرار في شأن تدخل عسكري للدفاع المشروع وهذا يفترض حدوث عدوان مسبق". واكد وزير خارجية الفاتيكان ايضاً انه ينبغي ان "يواصل" مفتشو الاممالمتحدة لنزع اسلحة العراق عملهم. وفي مدريد، يعتزم رئيس الحكومة الاسبانية خوسيه ماريا اثنار العائد من الولايات المتحدة حيث التقى الرئيس جورج بوش في تكساس، اطلاق وساطة لانهاء النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني بهدف حمل دول عربية على تأييد الحرب ضد العراق. الصين مع حل سياسي ووصل وزير الخارجية الاميركي كولن باول أمس الإثنين الى سيول بعد لقاءات أجراها في بكين مع مسؤولين صينيين بغية الحصول على تأييدهم لقرار جديد حول العراق او اقله ان تمتنع بكين عن التصويت ولا تستخدم حق الفيتو. بيد ان الزعيم الصيني هو جينتاو اعرب خلال استقباله لباول عن تأييده لحل سياسي للأزمة العراقية. وجدد الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي الذي سيتولى منصب الرئاسة الشهر المقبل، التأكيد ان الازمة العراقية يجب ان تحل بالسبل السياسية في اطار الاممالمتحدة. واضاف هو جينتاو ان بغداد "يجب ان تحترم بالكامل وبصدق قرارات مجلس الامن بحذافيرها والتمسك بالتعهد الذي قطعته في اعلانها بأنها لا تملك اسلحة دمار شامل".