يرى الدكتور عبدالحميد الأنصاري، عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة قطر، في محاضرة له جعلها مقالاً في "الحياة"، ان هناك حلين: "الحل الأول لإطلاق حوار منتج مع اميركا، هو حل تفاهمي عقلاني يتجنب الصدام، ويحاول توسيع مساحة التفاهم بالتركيز على الإيجابيات المتحققة للعلاقة بين الطرفين، مع تضييق مجال الاختلاف والسلبيات الناتجة من تصادم المصالح"، و"الحل الثاني: الحل التصادمي عبر التحريض والتهييج والتصعيد في الجانبين الإسلامي والأميركي". ويتحدث العميد عن الحل الأول، مبيناً حاجتنا الى اميركا وفضائل التفاهم معها. ويتحدث عن الحل الثاني عارضاً الممارسات الأميركية الصدامية في 16 سطراً، وعارضاً في المقابل الممارسات العربية الإسلامية الصدامية في اكثر من 80 سطراً. ويخلص العميد الى ان المطلوب جهد دؤوب باتجاه تحقيق حوار شامل، من دون إقصاء احد، وجهد دؤوب على الساحة الخارجية في نطاق حملة علاقات عامة بالزيارات واللقاءات للحوار والتفاهم، وتحسين صورة كل طرف لدى الآخر، وتعظيم الجوانب الإيجابية المشتركة وتهميش السلبيات. والعميد تخلى عن المنهج العلمي، عندما أحسن الظن بأميركا من دون دليل. وفي ظننا ان الذي اوصل العميد الى المقدمة غير المنطقية وغير الواقعية، هو تجاهله حقائق ابرزها: - كان الغرب، دائماً، ضد اي قدر تحققه امتنا في مجالي الوحدة والتقدم. وفي ما يلي شهادة "شاهد من اهله". ففي كتابه "حرب الخليج دفعتني الى الاستقالة"، يقرر جان بيير شوفينمان وزير الدفاع الفرنسي الأسبق، وهو استقال احتجاجاً على الحرب ضد العراق عام 1991 انه: "في كل مرة اراد العرب استدراك تخلفهم، ولأسباب وجيهة ان يصنعوا وحدتهم، كانوا يجدون الغرب على طريقهم، كي يمنعهم من تحقيق اهدافهم، كما حصل غداة الحرب العالمية الأولى ويقصد مؤامرة سايكس - بيكو سيئة الذكر، وأن يبقوهم داخل حدودهم المصطنعة، او ليردوهم نحو الماضي، بما في ذلك استخدام قوة السلاح .... وفي كل مرة اراد نظام عربي او مسلم الانفتاح على الحداثة، كان الغرب يسد الطريق عليه او يسحق شرايينه... فبالأمس كان ذلك مع محمد علي باشا وخديوية مصر والسلاطين المجددين، وبعد ذلك مع جمال عبدالناصر. ولن انسى، بالطبع، الدكتور محمد مصدق في ايران .... وكان من النتائج المباشرة لحرب الخليج 1991، بطح بلد عربي واحد هو العراق، وهو الوحيد في المنطقة الذي بدأ ينزع عن نفسه رداء التخلف" ص38 و39. - القرون العشرة الماضية شهدت اكثر من سبعة قرون من الغزو الغربي لبلاد الإسلام، منها قرنان من حروب الفرنجة او الحروب الصليبية، وأكثر من خمسة قرون من الغزو المستمر، ابتداء من الحرب على غرناطة في الأندلس 1492م، مروراً بما سمي بالاكتشافات الجغرافية التي هي في الحقيقة غزو بحري لتطويق بلاد المسلمين في آسيا وافريقيا حيث قتل مثلاً، الملاح ماجلان وهو يحارب المسلمين على سواحل الفيليبين عام 1521م، والحملة الفرنسية عام 1798، والاستعمار الغربي للبلاد العربية، وإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948، انتهاء بغزو افغانستان 2001م، والتحضير لغزو العراق 2003م بحجج ما أنزل الله بها من سلطان. - إن السبب غير المباشر الكامن وراء التوجهات والممارسات العدائية الغربية عموماً والأميركية خصوصاً تجاه امتنا، هو "العداء للآخر" الذي تغذيه النزعة المركزية الغربية التي تعطي الحق للإنسان الغربي وحده في العيش والتمتع بموارد العالم، والفلسفة البراغماتية وجوهرها تفضيل المصالح على المبادئ، والمسيحية الصهيونية التي تؤمن بالعودة الثانية للسيد المسيح كي يحكم ألف سنة، بعد تجميع اليهود في فلسطين، وحدوث معركة هرمجدون، فيكون دعم الكيان الصهيوني في فلسطين واجباً دينياً مقدساً. - إن "العلامة الفارقة" التي يتصف بها الأميركيون خصوصاً، هي "العداء للآخر"، الى درجة "الحرب على الآخر". فالأميركيون، كما هو معروف، مهاجرون او ذرية مهاجرين جاؤوا من كل فج عميق، لا للحج الذي يرضي الله تعالى، ولكن اساساً لجني المال الذي يرضي الغريزة البشرية، فلا يوحد بين الأميركيين إلا "المصالح المادية"، أو قل "الحرب على الآخر" للدفاع عن تلك المصالح. وفي ظننا، ان الغرب وخصوصاً اميركا عدو للإسلام بالضرورة. ولما كانت المعاملات بين البشر في الإسلام تقوم على "العدل"، وهو نقيض الظلم، فإن من طبائع الأشياء ان يقاوم الإسلاميون الممارسات الغربية الظالمة. يقول رجل القانون والعلاقات الدولية الفرنسي مارسيل بوازار: "لقد ثبت ان الإسلام روح كل مقاومة يبديها شعب مغلوب سياسياً، ومحك كل مقاومة. ففي افريقيا ساهم الدين في إقامة مجتمع جديد خارج النطاق القبلي، اكثر جدارة بمقاومة التأثير الأجنبي. وفي آسيا، تماسك الإسلام المرن ونما في وجه النفوذ الاستعماري. وحمل الإسلام في اكثر الأحيان راية الصراع مع الاستعمار". وإذا كان ذلك كذلك، فأنى لأميركا، او مغول هذا العصر، ان تقبل "الحل الحواري" الذي يقترحه العميد الأنصاري؟ وفي سبيل تحقيق حوار منتج نرى، مع الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ان "الشروط التي يجب ان تتوافر في الطرف الغربي او الأميركي لا بد من ان تدور حول: "ان الغرب الذي يطالب كل الأنظمة في العالم الثالث بالتزام التعددية، حتى اصبحت هذه الأخيرة اهم المقاييس لديه لإصدار حكم على هذه الأنظمة، نطالبه نحن بدورنا، بالتزام التعددية في المرجعيات الحضارية، ومنها المرجعية الإسلامية". وفي ظننا ان الحوار المنتج لا بد من ان يبدأ مع الذات، ويمر بالحوار مع الشقيق فالصديق، وينتهي بالحوار مع العدو. فالحوار الحكومي - الشعبي في كل بلد بهدف الوفاق، لا بد من ان يكون في البداية. والحوار العربي - العربي، والعربي - الإسلامي، بعد ذلك، ضروريان لتحقيق التكامل وتجميع القدرات وتعظيم الطاقات. والحوار مع بقية العالم النامي في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، ضروري للتعاون ضد ما يمارسه الغرب من ظلم وعدوان وعجرفة وغطرسة. وأخيراً، يأتي الحوار مع الغرب وأميركا لتحقيق مصالح الطرفين، وبما يضمن حصولنا على حقوقنا وخصوصاً في فلسطين. حتى إذا كانت الاستجابة لمطالبنا سلبية، صار علينا، كحد ادنى، مقاطعة السلع والخدمات التي تنتجها اميركا وحلفاؤها، واتباع سياسات نفطية تخدم مصالحنا نحن، لا المصالح الغربية والأميركية، واتباع سياسات اخرى تجعل كلفة هضم حقوقنا، والكيل بمكيالين والانحياز للصهاينة، عالية للغاية. دمشق - عبدالوهاب محمود المصري