الحرب لم تعد تشغل الناس في منطقة الخليج، والأحاديث كلها تنصب على الاجراءات التي ستبدأ بعد الحملة العسكرية على العراق. والسؤال الذي يحرك كل النقاشات هو: هل أميركا جادة في دمقرطة المنطقة وإيجاد نموذج سياسي بديل، أم أن الحديث عن ترتيب المنطقة وترسيخ الديموقراطية فيها جزء من منظومة تسويغ الحرب، وكسب التيارات الليبرالية وتبرير التدخل في شؤون العراق والدول العربية؟ واشنطن عبرت عن جديتها في تنفيذ هذه الأفكار في غير خطوة كان أبرزها، رصد مبالغ كبيرة في موازنتها الجديدة لتنفيذ هذه المشاريع، واستبدال التسريبات الصحافية، بالتصريحات الرسمية للتعبير عن الأفكار والتغييرات المتعلقة بدول المنطقة، وإعادة صوغ نظام المعونات والمساعدات الخارجية بطريقة تضمن صرف هذه الأموال لخدمة الأهداف السياسية الأميركية وخدمة مصالحها، لكن السؤال الاهم هنا هو: هل تنجح واشنطن في إعادة تشكيل القيم السياسية والثقافية السائدة في المنطقة العربية؟ أميركا جادة في الترويج للديمواقراطية، وستنفق عليها اضعاف المبالغ المعلنة، لكنها لا تفعل هذا حباً في سواد عيون الشعوب العربية، ولا تريد ديموقراطية تقليدية على الطريقة الغربية تفضي في النهاية إلى وصول الاسلام السياسي إلى الحكم، أو انظمة سياسية لا تخدم المصالح الأميركية على النحو المطلوب، وانما هدفها من وراء هذه الحفلة ديموقراطية انتقائية مصنعة اختصاصها الحرب على ما يسمى الإرهاب، وتسمح بوجود بيئة سياسية منفتحة ونشطة تتمتع بقدر كبير من حرية التعبير والنقد الفكري والسياسي، لخلق تيارات فكرية وسياسية تعبر عن نفسها بوضوح وتدخل في حوار فكري يحيد سيطرة المد "الأصولي" ويضعف فكر تنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة، ويساعد على قيام ديموقراطية شكلية تقطع ولا تصل وتمهد لاستبدال القيم الغربية في الحكم والتعليم والإعلام بالقيم السائدة التي تؤمن واشنطن أنها المسؤولة عن كل ما حدث وما سيحدث في المستقبل.