المملكة صانعة السلام    تزامنت مع تباشير التأسيس.. الاختبارات بالثوب والشماغ    لمسة وفاء.. زياد بن سليمان العرادي    أدبي جازان يعزف للوطن احتفالًا بالتأسيس بفعاليات متنوعة    الاحتلال يواصل الاقتحامات وهدم المنازل في الضفة    التعامل بحزم مع الاعتداء على «اليونيفيل».. السعودية تدعم إجراءات لبنان لمواجهة محاولات العبث بالأمن    وزير الداخلية ونظيره اللبناني يبحثان مسارات التعاون الأمني    وزير الداخلية والرئيس التونسي يستعرضان العلاقات والتعاون الأمني    في الجولة الأخيرة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يواجه الغرافة.. والنصر في ضيافة بيرسبوليس    في انطلاق الجولة 22 من دوري" يلو".. الجبلين في ضيافة الزلفي.. والعين يواجه البكيرية    2 % معدل التضخم في المملكة    ريادة سعودية في صناعة الفوسفات.. 4.6 تريليون ريال موارد تعدينية بالشمالية    حين يصبح الطريق حياة...لا تعطلوا الإسعاف    ضبط 5 وافدين في جدة لممارستهم أفعالا تنافي الآداب العامة في مراكز الاسترخاء    هيئة العقار تشارك في «ريستاتكس الرياض»    تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    قصة برجس الرماحي    تكريم المبدعين    تراجع مفهوم الخطوبة بين القيم الاجتماعية والتأثيرات الحديثة    عيد الحب.. بين المشاعر الحقيقية والقيم الإسلامية    10 مسارات إثرائية لتعزيز تجربة قاصدي الحرمين في رمضان    تحذير من أجهزة ذكية لقياس سكر الدم    محافظ جدة يُدشّن الحملة الوطنيّة المحدودة للتطعيم ضد شلل الأطفال    النفط ينهي سلسلة خسائر «ثلاثة أسابيع» رغم استمرار مخاوف الهبوط    المملكة العربية السعودية تُظهر مستويات عالية من تبني تطبيقات الحاويات والذكاء الاصطناعي التوليدي    وزير الاقتصاد: توقع نمو القطاع غير النفطي 4.8 في 2025    يانمار تعزز التزامها نحو المملكة العربية السعودية بافتتاح مكتبها في الرياض    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    ملّاح داكار التاريخي.. بُترت ساقه فامتدت أسطورته أبعد من الطريق    الرياض.. وازنة القرار العالمي    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    مسلسل «في لحظة» يطلق العنان لبوستره    عبادي الجوهر شغف على وجهة البحر الأحمر    ريم طيبة.. «آينشتاين» سعودية !    الترمبية وتغير الطريقة التي ترى فيها السياسة الدولية نفسها    الملامح الست لاستراتيجيات "ترمب" الإعلامية    بيان المملكة.. الصوت المسموع والرأي المقدر..!    القادسية قادم بقوة    يايسله: جاهزون للغرافة    الحاضنات داعمة للأمهات    غرامة لعدم المخالفة !    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    الأهلي تعب وأتعبنا    وزير الاقتصاد يلتقي عددًا من المسؤولين لمناقشة مجالات التعاون المشترك    أمين الرياض يحضر حفل سفارة كندا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    بموافقة الملك.. «الشؤون الإسلامية» تنفذ برنامج «هدية خادم الحرمين لتوزيع التمور» في 102 دولة    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هواجس مثقف عربي عائد من كردستان العراق . أين أخطأ الأكراد و أين أصابوا في حكمهم الذاتي لاقليم يحتاج الى سلام مديد و تنمية ؟ 2 من 3
نشر في الحياة يوم 27 - 09 - 2000

الحقيقة إن اقليم كردستان العراق يحتاج الى سلام مديد والى بضعة بلايين من دولارات النفط، الذي يعوم عليه العراق كله، لكي يصبح احدى جنات الدنيا.
إلا ان هذه الطبيعة الرائعة ليست حكراً على كردستان العراق. بل هي تشمل كل مناطق كردستان، في تركيا وايران. وقد، أتاح لنا تجوالنا هذا، وسط هذه الجبال التي تسد الأفق، أن نمر بموازاة الجبال، الواقعة في كل من الجانب الايراني والتركي، كأمتداد طبيعي لسلسلة جبال كردستان، كردستان التاريخية، وكردستان الموزعة جغرافياً وسياسياً بين ثلاثة بلدان، هي العراق وتركيا وايران. إلا ان سحر الطبيعة وجمالها قد ترافقا، على الدوام، مع قسوة الحياة وشدتها، ومع تاريخ من الثورات يقول المؤرخون أنها بلغت ألف ثورة، جعل هذا الشعب الطيب قاسي الطباع، شجاعاً في مواجهة الصعاب، حمال تعب ومعاناة وتضحيات، متمرداً، مستعصياً على الذوبان في أي قومية اخرى، في أي قانون من القوانين الجائرة، التي ترمي الى حرمانه من خصوصياته ومن تقاليده ومن ثقافته ومن لغته. وجدير بالذكر ان كل هذه الصفات والسمات القومية والانسانية لم تحرم هذا الشعب القدرة على التأقلم مع الآخرين، ومشاركتهم الحياة وهمومها، بأيسر السبل وأرقاها، وبأشدها قسوة وصعوبة، في آن.
وعلى رغم أنني عريق الصلة بالأكراد، من خلال صداقات عديدة لي، في العراق وفي كل مكان، الا انني في هذه الزيارة الى كردستان العراق شعرت وكأنني أكتشف هذا الشعب لأول مرة. شعرت، أولاً، انني مع اشقاء لي، يتحدثون باللغة العربية الفصحى، التي أحبها، وباللهجة، أو اللهجات، العراقية الأليفة الى وجداني، كونها تشكل جزءاً من ذاكرتي العراقية التي أعتز بها. ويمارسون تقاليد، بعضها عربي بالكامل، أو عربي مطعم بالكردية، وبعضها كردي الطابع بالكامل. وجميعها صفات تشير الى عراقة هذا الشعب، من جهة، والى مرونته في العيش مع الآخرين المختلفين، من جهة ثانية. ولست ادري هل كان سيغمرني الشعور ذاته لو كنت التقيت بأكراد ايران، أو بأكراد تركيا. وأيا كان الأمر فقد تولد لدي شعوران: الشعور الأول، هو شعور مواطن عربي يعانق شقيقاً له لم تلده امه، والشعور الثاني، هو شعور انساني، يعود في جوهره الى الفكر الكوني الذي انتمي اليه، الفكر الاشتراكي، الذي تتساوى فيه الأمم والشعوب. وعلى قاعدة هذا الشعور احسست أنني صديق للشعب الكردي اينما كان، متضامن معه ضد مضطهديه، أياً كان الأسم الذي يحمله هؤلاء، وأي كانت جنسيتهم. أحسست انني مدعو للتضامن مع الشعب الكردي في تركيا، ومع حركته القومية، ضد أولئك الذين يحرمون ما يقرب من خمسة عشر مليون كردي في تركيا من كل الحقوق، القومية والثقافية والاجتماعية. وفي هذه اللحظات، بالذات، تذكرت اسماء مثقفين اكراداً كباراً من تركيا، مثل الروائي المعروف بشار كمال. وتذكرت اسم شاعر تركيا الكبير ناظم حكمت - وهو ليس كردياً - الذي حمل في شعره ورواياته وكتاباته، وحمل في قلبه وفي مشاعره، وفي سجونه ومنافيه، آلام وآمال الشعب التركي، من كل الأجناس والقوميات والاعراق، من دون استثناء. فما أروع الآداب والفنون، وما أعظم الدور الذي تمارسه، في الاتجاه النقيض للسياسات الخرقاء، المرتبطة بمصالح ضيقة لأفراد وطبقات وسلطات وأنظمة حكم. ما أعظم دورها في بناء الحضارات، وفي تحديد تمايزاتها، كتعبير عن التعدد والتنوع، في المجتمعات الانسانية كافة، وفي الطبيعة، على حد سواء. أقول ذلك، لأذكر بأن من مهمات وفد المثقفين العرب الى اقليم كردستان، اضافة الى مهمة التعرف الى المنطقة، من جميع النواحي، مهمة التحضير، في الأساس، لمئوية الشاعر العربي الكبير، العراقي محمد مهدي الجواهري، التي سيجرى الاحتفال بها في اقليم كردستان، المنطقة الشمالية من العراق، في أواخر الشهر العاشر من العام الحالي
استمرت رحلتنا في كردستان عشرة أيام. وهي أيام من العمر، لن تمحوها الأحداث والوقائع، التي ستحفل بها أعوام عمرنا المقبلة. لقد أحسست، وأحس زملائي المثقفون العرب، على امتداد هذه الأيام العشرة، تارة كأن الرحلة استطالت دهراً بكامله، وطوراً كأننا لا نزال في الساعات الأولى منها. لقد أدخلتني مشاهداتي، والكثير من المعطيات التي قدمت لنا، عن التاريخ والجغرافيا، وعن أحداث الأمس واليوم، في تداعيات فكرية من أنواع شتى. وقفزت أمامي، خلال هذه التداعيات، أسئلة صعبة، حان الوقت لكي نطرحها على أنفسنا، بالمفرد وبالجمع.
جوهر هذه الأسئلة يتلخص بنقطة مركزية واحدة: لماذا لم يستطع العرب، في كل ديارهم، أن يتفهموا مشكلات الأقليات القومية، وأن يجدوا حلولاً حقيقية لها، توفر عليهم وعلى هذه القوميات حروباً لا تنتهي من التدمير الذي يطالهم جميعاً؟ وحين أقول العرب، هنا، لا أشمل البلدان العربية كلها. بل أخصص منها تلك التي تواجه هذا النوع من المشكلات، بالذات، مستثنياً منها النوع الآخر، المتعدد الجوانب، من المشكلات التي تتشارك فيها جميعها. كما أخصص من العرب نوعين: حكام هذه البلدان، من دون استثناء، أياً كانت الفروقات بينهم، في المنطلقات الفكرية وفي المصالح، من جهة، وحملة الأفكار والمشاريع السياسية من ذوي الاتجاهات القومية، خارج السلطة وخارج مواقع القرار، من جهة ثانية.
لماذا هذا التخصيص؟ وما هو موقف الآخر من اصحاب الأفكار والمشاريع السياسية، اليساريين عموماً، ماركسيين وغير ماركسيين كذلك، والليبراليين، من هذه المسألة؟
لن يكون بالإمكان هنا، الدخول في تفاصيل هذا الموضوع الشائك. لكنني أود أن أثير الموضوع من منطلقين: مبدئي، وسياسي عملي، في آن، وأرى، من الناحية المبدئية، أنه لا يحق لأي قومية ان تحرم القوميات الأخرى، في البلد الواحد، من حقوقها المشروعة في الاحتفاظ بخصوصياتها الثقافية وغير الثقافية. علماً أن بعض هذه القوميات لا يطرح شعار الانفصال. ولذلك لن أذهب في هذه المسألة أبعد من ذلك، أي الى حدود الاعتراف بحق هذه القوميات بالانفصال، في بلداننا العربية، تحديداً، ما دامت المسألة غير مطروحة للنقاش. وقد أصبح واضحاً، اليوم، أن الاتجاه العام في عصرنا هو نحو الوحدات الأكبر، لاسيما الوحدات التي لها جذور في التاريخ، من نوع ما هو قائم في عدد من البلدان العربية، كالعراق والسودان، وما هو مفترض ان يقوم بين البلدان العربية كلها. وأرى، من الناحية العملية، أن حرمان هذه القوميات من هذه الحقوق هو شكل من أشكال المقامرة بمصير البلد المعني بهذه القضية، ينبغي تجنبها، والوقوف بوجه اصحابها، حتى ولو تعارض ذلك مع بعض القناعات، هنا وهناك، من موقع قومي، أو من أي موقع آخر. والمنطلقان، المبدئي والعملي، في تعامل القومية الأكبر مع القوميات الأصغر، إنما يعبران عن المصالح الحقيقية لهذه البلدان ولهذه الشعوب. فلماذا لم تنجح الحكومات المختلفة، في العراق والسودان، في حل المعضلتين القائمتين في البلدين، على رغم الاختلاف الجوهري، من نواح عديدة، بين اقليم كردستان العراق وجنوب السودان؟ وهذه الحكومات، كما هو معروف، لاسيما في العراق، كانت متعددة الاتجاهات. وبعضها زعم أنه ينتمي الى الاشتراكية، كفكر وكمشروع سياسي، أو يتأثر بهما، على الأقل. فيا للمفارقة!
المسألة، في جذورها، مركبة. والخلل إنما يعبر عنه الالتقاء الغريب بين مصالح ضيقة لأهل الحكم، هنا وهناك، أياً كانت أسماؤهم، ترمي الى تأبيد هيمنتهم، من مواقع السلطة، على مصائر البلاد كلها، من جهة، وبين افكار قومية، من جهة ثانية، ذات نزعة تسلطية على القوميات الأخرى، لها، أي هذه الأفكار، جذور في تاريخ العرب القديم، وفي تاريخ السلطنة العثمانية، الحديث. وهي نماذج لأفكار تحاول، باسم الاعتزاز القومي عند القومية الأكبر، التنكر لحقوق القوميات الأخرى، وممارسة القسر ضدها، من أجل تذويبها وصهرها في قوميتها الأكبر. وكان من نتائج هذا الالتقاء الغريب بين هاتين المصالح والأفكار، أن استنفرت القوميات الأصغر كل طاقاتها للدفاع عن ذاتها، وعن خصوصياتها القومية، وعن ثقافاتها، وعن حقوقها. وتمردت، وثارت واستخدمت كل أنواع الأسلحة في هذه المعركة، بما في ذلك سلاح الاعتزاز القومي عندها ضد سلاح الاعتزاز القومي عند القومية الأكبر. وفي هذا السياق يبدو غريباً، أيضاً، كيف أن هذين التيارين العربيين، أي الحكام، من جهة، وأصحاب الأفكار والمشاريع "الثورية" العربية، من جهة ثانية، قد وقفا مع حق الشعب الأريتري بالانفصال عن اثيوبيا، في الوقت الذي حاربا فيه كل نزعة لدى القوميات الأخرى في البلدان العربية للمطالبة بحق تقرير المصير، في إطار البلد الواحد والوطن الواحد، خصوصاً في العراق، بالنسبة للأكراد، وكذلك في السودان، لأبناء الجنوب فيه. أفلا يشير ذلك الى وجود نزعة شوفينية عند هؤلاء، لا تراعي لا التاريخ القديم وأحداثه، ولا التاريخ الحديث ومآسيه، بوجه خاص؟ أليست هذه النزعة هي من الطبيعة ذاتها لتلك النزعة، التي حاربها الديموقراطيون من كل التيارات والاتجاهات، في العصر الحديث، النزعة التي ترمي الى هيمنة عرق على عرق، وقومية على قومية، باسم التفوق في النوع؟
إن القضية القومية لأي شعب من الشعوب لا يمكن ان تزول بالقسر، مهما طال الزمن. وهي، كقانون من القوانين الموضوعية، مهيأة لأن تنفجر في وجه من يعتدي عليها، وتعاقبه عقاباً عسيراً. والعقاب، هنا، كما تشير الى ذلك التجارب الحديثة، إنما يطال، بالدرجة الأولى، الذي يكون قد اعتدى على تلك القوانين الموضوعية، من موقع القوة والتسلط. ولكنه يطال، أيضاً، أولئك الذين كانوا ضحايا القسر والقهر والحرمان من الحقوق، الذين يكونون قد أخطأوا الحسابات، ووقعوا في اسر مشكلتهم القومية، وضيعوا البوصلة. والأمثلة المعاصرة عن هذين النموذجين كثيرة لا حصر لها.
هنا تبرز مخاطر الخلل في الجانبين. فهل هذا هو، فعلاً، واقع الأمر في اقليم كردستان العراق؟
وأسارع الى الجواب، فوراً، بنعم ولا!
ومصدر "النعم" لا يتعلق بالموقف المعلن من قبل الحركة القومية الكردية حول أهدافها. إذ هو موقف واضح وصريح. هكذا كان. وهكذا هو يستمر الآن. إذ يعلن الجميع، ممثلو هذه الحركة، من دون مواربة، بأن مطالبتهم بحق تقرير المصير تنحصر في الوصول الى حكم ذاتي، أو فيديرالية، كما يسمونها الآن، داخل الوطن العراقي الواحد، الذي يصرون على أنه، إذا لم يكن ديموقراطياً، في حكمه وفي مؤسساته، فسيكون عاجزاً عن تحقيق وحدة الشعب بقومياته المختلفة، ومنها، بالتأكيد، القومية العربية الأكبر، وكذلك القومية الكردية. مصدر "النعم" هذه، هو، أولاً، استمرار القهر للأكراد من جانب الحكم العراقي القائم، وقبله جميع العهود السابقة، ملكية وجمهورية، على حد سواء. ومصدرها، ثانياً، هو رد الفعل من قبل الحركة القومية الكردية، التي وهي تؤكد التمسك بالحقوق، في إطار عراق ديموقراطي موحد، قد قبلت الحماية الأميركية الراهنة لسلطتها، على رغم إدراك زعمائها أن هذه الحماية ليست كرمى لعيون الشعب الكردي، بل هي في خدمة مصالح اولئك الذين يقومون بهذه الحماية، منذ حرب الخليج الثانية، واستمراراً لأهدافهم المعلنة، وغير المعلنة، وإمعاناً في التدخل المباشر والمستمر ضد العراق، بالحصار وبالعدوان، بأشكالهما المختلفة.
أما ال"لا"، فمصدرها هو ما أشرت إليه من أن الحركة القومية للأكراد لا تتردد مطلقاً في الإعلان، بوعي كامل، ان مصيرهم مرتبط بالكامل بمصير اشقائهم العرب، داخل وطنهم العراق. العلة، إذاً، في العراق، اليوم، والمشكلة، انما تنحصران في موقف النظام العراقي الرافض لحقوق الأكراد القومية، في العراق الواحد، فإذا اتيح للعراق نظام ديموقراطي بديل، بالمعنى الحقيقي للكلمة، تنتفي المشكلة، وتزول اسبابها.
ما الذي يدفعني الى هذا الجزم، من دون حذر؟
يدفعني الى ذلك، أولاً، قدر من معرفتي بتاريخ المسألة العراقية، والمسألة الكردية جزء منها. فالأساسي في المسألة العراقية هو الجزء الخاص بنظام الحكم، أي بالاستبداد، المستمر منذ تأسيس الدولة العراقية، في العهود الملكية والجمهورية على حد سواء، بديلاً من الديموقراطية، على رغم وجود بعض الفروق في الموقف من الديموقراطية، وفي الموقف من القضية الكردية، بين عهد وعهد، ومرحلة ومرحلة، سواء في ظل النظام الملكي، أم في ظل النظام الجمهوري، بعد ثورة 14 تموز يوليو. ففي العام 1948، وفي أعقاب "وثبة" الشعب العراقي التي أسقطت معاهدة بورتسماوث، عاش العراق فترة قصيرة تميزت بقدر كبير من الحريات، وبنوع من الديموقراطية في الحياة العامة، مليء بالالتباسات. كذلك الأمر، في المرحلة الأولى من ثورة 14 تموز، وفي المرحلة الأولى من سلطة حزب البعث، في أواخر الستينات وأوائل السبعينات. ويدفعني الى ذلك، ثانياً، ما شهدته خلال الزيارة، وما سمعته على لسان المسؤولين الأكراد، وعلى لسان القيادات الحزبية، وعلى لسان المثقفين وأفراد الشعب العاديين، أياً كان التفاوت في الموقف، عند كل من هؤلاء وأولئك، في العديد من القضايا.
أين الخطأ في التجربة وأين الصواب فيها؟
لندخل، إذاً، في واقع التجربة، تجربة حكم الأكراد ذاتهم بذاتهم، لأول مرة في التاريخ الحديث، وربما لأول مرة منذ عقود وقرون، باستثناء فترات قصيرة، كان آخرها دولة "مهاباد"، التي تأسست في ايران في أواسط الأربعينات، وقمعت بوحشية. ولنر كيف تعامل الأكراد، احزاباً وقيادات ومواطنين، مع هذه الفرصة التاريخية التي اتتهم من غير انتظار، وعلى غير موعد وفي شكل ملتبس، والتي تجسدت في إقامة سلطة مستقلة حرة لهم على ارض اقليم كردستان العراق، منذ عشر سنوات! اين الخطأ في هذه التجربة، وأين الصواب فيها؟
أول ما يتبادر الى الذهن، لدى الدخول في واقع التجربة، هو الشبه الكبير بين الأكراد والعرب. فهل للتاريخ المشترك، القديم والحديث، دور في نشوء هذه القرابة، وهذا الشبه، في الطبائع وفي السلوك بين الأكراد والعرب؟ والتشابه واضح، لا يحتاج الى إثبات. وهو يتمثل في امور كثيرة. يتمثل في السياسة، وفي اشكال ممارستها. ويتمثل في الصراعات في ما بينهم. ويتمثل في فهمهم للديموقراطية داخل أحزابهم، وفي علاقتهم بين بعضهم بعضاً. ولائحة التشابه لا تنتهي. وهي أمور يمكن استخلاصها، كما أشرت الى ذلك، من الواقع القائم، من دون جهد. بل إنك تسمع ذلك من الجميع، من المسؤولين في الحزبين الرئيسيين، اللذين يتقاسمان المنطقة، بعد صراع مسلح بينهما على السلطة. وتسمعه من المثقفين ومن الناس العاديين، الذين تلتقي بهم، بالصدفة، أو يأتون اليك من تلقاء ذاتهم لبث الشكوى مما يرون من أخطاء، ويخشون من أخطار.
وفي الواقع فقد أجرينا مناقشات عديدة، منذ لحظة وصولنا، بدءاً من الاستراحة في الضفة العراقية لنهر دجلة، التي جرى لنا فيها استقبال حاشد، وطوال الرحلة، التي قادتنا الى جولة في المدن والأرياف، وفي الأسواق التجارية، وفي المؤسسات الانتاجية، والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية وما أكثرها، وفي المراكز العلمية، وأهمها الجامعات الثلاث، التي أدهشنا فيها المستوى الرفيع الذي حققته في تخريج الكوادر والكفايات. فماذا شاهدنا، وماذا سمعنا؟
أول ما يلفت النظر، منذ اللحظات الأولى، هو أنك تجد نفسك، أو يخيل لك أنك تجد نفسك، في دولة مؤسسات وقوانين، أقرب ما تكون الى النموذج القائم في لبنان، في بعض جوانبه، وأنك في بلد ديموقراطي تمارس فيه الحريات على نطاق واسع. تعدد احزاب، وتعدد وسائل إعلام، وتعدد مراكز ثقافية لمن يريد. وتحتار في تحديد اسم هذه الديموقراطية ونوعها. ولكنك تستمر بالارتياح لما ترى وتشاهد. وتزداد ارتياحاً عندما ترى توافر كل ما يحتاج اليه الناس من سلع في الأسواق. فالمخازن ملأى بالحاجيات، وملأى بالمشترين. ثم إنك تلتقي في الشوارع وفي الأماكن العامة وحولك، مثقفين حزبيين ومستقلين، وشخصيات سياسية وإعلامية مستقلة، تأتي لتناقشك في أمور محلية وعالمية، سياسية وثقافية، ولتعبر عن رأيها في ما هو قائم، في الإيجاب والسلب، من دون خشية من رقيب، ومن دون حذر، وبأعلى الصوت. ولا ترى، في المقابل، أي مظهر من مظاهر التعصب. ولا ترى أي مظهر من المظاهر المسلحة، باستثناء المرافقين للقياديين الرئيسيين، الذين اختاروا، أي القياديون، أن تكون أماكن اقامتهم، ومكاتب أحزابهم، خارج شوارع المدن وساحاتها، منعاً للمضايقات، وتخفيفاً على الناس من عبء ما يرتبط بوجود هذه القيادات ومكاتبها ومقراتها في المدن. وهي أمور تثير الدهشة، وتوحي بالارتياح. ولا شأن لنا بما خفي، أو ما أخفي عنا، في هذا الأمر، وفي أمور أخرى.
وحين تبدأ في الأسئلة، وحين تدخل في النقاش، تكتشف بعض عناصر الخلل. ويأتيك الجواب ناقصاً، احياناً، أو حاملاً شيئاً من الالتباس، احياناً أخرى. ولكنك تجد نفسك في جميع الأحوال، أمام أناس يتحدثون إليك بصراحة، مقرونة برأي يدافعون عنه بحماسة، وبمبالغات، أحياناً، لا تخفى عليك.
تسأل، أولاً - وهذا أمر طبيعي - الزعيمين الرئيسيين للحزبيين الرئيسيين: لماذا اختلفتم، ولماذا دخلتم في الصراع في ما بينكم، ولماذا احتكمتم الى السلاح في حل خلافاتكم؟ وهل أنتم مقبلون على اتفاق يعيدكم الى إدارة شؤون الإقليم، من دون صراع؟ ومعلوم أن الصراع قد نشأ عام 1994، واستمر حتى عام 1996. وجاء ذلك بعد عامين من إجراء انتخابات برلمانية 1992، تشكلت، على قاعدتها، حكومة موحدة لإقليم كردستان. ذلك أن حرب الخليج الثانية قد أسفرت عن إعلان إقليم كردستان العراق، شمالي خط العرض 36، منطقة آمنة !، بحماية الدول المتحالفة، وذلك بقرار صادر عن مجلس الأمن بتاريخ 5 نيسان 1991. تستثنى من هذا القرار آبار النفط في كركوك ومناطق اخرى، لأسباب استراتيجية، حددها أصحاب القرار، خارج حدود العراق، وبعيداً عنها وعنه!
ويأتيك الجواب عن السؤالين الآنفي الذكر، بارداً، لشدة بساطته وصراحته، وجافاً، في الوقت ذاته، لما يخفيه من مخاطر على المستقبل سواء طالت الحال الراهنة، أم انتهت بحكم ذاتي، أم عادت الأمور الى حرب الأنصار في الجبال، ومآسيها. ويقول كل من مسعود البارزاني وجلال الطالباني في ما معناه، كل بلغته، وبطريقته وأسلوبه: صراعنا هو صراع على السلطة. ولا معنى له خارج هذا التوصيف. وهو صراع قديم، تطلبون منا أن نكون ديموقراطيين. ونحن شاكرون لكم تضامنكم. لكن ديموقراطيتنا هي ناقصة مثل ديموقراطيتكم، أو ديموقراطية بعضكم، على الأقل. فأنتم أدرى من أن الديموقراطية لا توهب. بل هي تتكون، بالنضال ضد الذات وضد الآخر، وعبر عملية طويلة من الممارسة، ومن الصواب والخطأ فيها. وهي ثقافة، تراكمها الشعوب والحركات، وتترسخ مع الزمن، وتصبح تقليداً، إذا ما سارت الأمور في الاتجاه الصحيح. ولكن لهذه العملية شروطها، التي لم تتوافر في تاريخ العراق منذ تأسيس أول دولة حديثة فيه. نحن، إذاً، مثل أشقائنا العرب، في هذه المسألة. نعاني مما يعانونه. فنحن جزء من أوضاع هذه المنطقة، جزء من أوضاع كل بلد فيها، وكل مجتمع، وجزء من أوضاع الأحزاب فيها، والمؤسسات على اختلافها. ونعترف لكم بأننا تواقون الى الديموقراطية بمعانيها الحقيقية. ونسعى لأن نكتسب قيمها وقوانينها. وإلى أن نصل الى ذلك سنظل نعاني مما نحن فيه اليوم. واعلموا أننا ندرك مخاطر ذلك علينا، في الحاضر وفي المستقبل. ونحن جادون في العمل لتجاوز هذه الصعوبات ومخاطرها. جادون في الوصول الى اتفاق يزيل الخلاف والصراع والانقسام.
هذا ما يقوله الزعيمان، باختصار، حول موضوع الخلاف بينهما، الذي لم ينجحا، حتى الآن، في تجاوزه. ولكنك تسمع من كل من الحزبين اتهاماً للآخر في أمور عديدة، بما في ذلك في أسباب نشوب الخلاف، وفي الأسباب التي ما تزال تمنع الوصول الى اتفاق، في المفاوضات الجارية، ولذلك كنا شديدي النقد في هذا الموضوع، وشديدي الضغط على كل من زعيمي الحزبين لكي يصلا الى اتفاق، بالتنازلات المفروض تقديمها من قبل الجميع، لمصلحة كل منهم، ولمصلحة الإقليم، ولمصلحة شعبهم في الحاضر وفي المستقبل.
وإذ تسأل عن الأسباب التي تجعل هذه الوفرة في المواد الأساسية في الأسواق، يأتيك الجواب من شقين: الشق الأول، يتعلق بالسياسة التي اتبعتها السلطة، قبل الاقتتال وبعده، في وضع المواد المتوافرة، من خلال برنامج النفط في مقابل الغذاء، في متناول الناس، من دون شروط، علماً أن موظفي الأمم المتحدة هم الذين يوزعون هذه المواد، بالتعاون مع السلطة القائمة، يضاف الى ذلك ما كان، ولا يزال، يتوافر من مواد بواسطة التجارة المزدهرة بين منطقتي اقليم كردستان وكل من ايران وتركيا وسورية، وكذلك الداخل العراقي. الشق الثاني، يتعلق باعتماد الدينار العراقي القديم، المرتبط بالفرنك السويسري، أساساً للنقد المتداول. وهو دينار تزيد قيمته الفعلية، بالمقارنة مع دينار العراق الرسمي المعمول به حالياً، اكثر من مائة ضعف. وقد أدى ذلك الى ارتفاع الأجور، من جهة، وإلى زيادة القدرة الشرائية عند الناس، من جهة ثانية.
ويضيف المسؤولون، كل من موقعه، أن الواردات التي تصل الى كل من السلطتين - وهي متفاوتة كثيراً، لمصلحة سلطة الحزب الديموقراطي ومنطقة سيطرته - المحصلة من عمليات متعددة الأشكال، وأساساً من الترانزيت والرسوم، وسوى ذلك، هذه الواردات إنما تستخدم في تأمين شروط أفضل لحياة الناس. وهو ما يستطيع المرء أن يشاهده، ولو بشكل مجتزأ، نظراً لصعوبة الدخول في تفاصيل حياة الناس.
ويضعك المسؤولون، في احاديثهم هذه، وفي المعطيات التي يقدمونها، أمام استنتاج واحد، مفاده أن السياسة المتبعة من قبل المسؤولين الأكراد في منطقة سيطرتهم، مناقضة بالكامل لسياسة الحكومة المركزية، إزاء الشعب، هناك. إذ إن الحكومة المركزية تحاول أن تجعل الشعب رهينة، أو درعاً بشرياً، في مواجهتها لأخصامها الخارجيين، الأميركيين وحلفائهم من الأوروبيين والعرب. فالحصار هو، في الواقع، مضروب على الشعب العراقي، هنا وهناك. وموارد النفط موزعة بين المنطقتين، بحسب عدد السكان. فضلاً عن أن توزيع المواد التي يتم شراؤها في إطار برنامج النفط في مقابل الغذاء، إنما توزع في الداخل، من قبل الحكومة المركزية وأجهزتها، لا من قبل موظفي الأمم المتحدة، كما هو الحال في الإقليم. فلماذا الجوع والذل في الداخل العراقي، وفقدان المواد الأساسية، في حين أنها تتوافر في إقليم كردستان للناس كلهم، من دون ذلك إذلال؟
غير أن ما هو مذهل ومثير للاستغراب، في المعلومات حول برنامج النفط في مقابل الغذاء، هو موقف الأمم المتحدة، وموقف ممثليها ووسائطها من الشركات والسماسرة الذين يعتمدهم هؤلاء الموظفون. فهؤلاء جميعهم إنما يفرضون شروطهم في تحديد أنواع السلع، وفي تحديد مصادرها، وفي تحديد أسعارها، من دون نقاش. فإما القبول بكل هذه الشروط، أو الامتناع عن تقديم هذه السلع. فضلاً عن ذلك فإن التعويضات التي تقدم لموظفي الأمم المتحدة، وهي منتزعة من البرنامج ذاته، تفوق التصور. ولا يستطع أحد أن يعترض. الإذلال، إذاً، الذي يتعرض له الشعب العراقي، عرباً وأكراداً، هو هدف بذاته، من قبل الأميركان، ومن قبل أدواتهم في المؤسسات واللجان التابعة للأمم المتحدة. لكن الفرق بين ما هو قائم في الداخل العراقي وفي إقليم كردستان، هو في التعامل مع سياسة الإذلال هذه، من قبل الحكومة المركزية، ومن قبل سلطة الإقليم.
ثم إنك تسأل عن علاقة المعارضة العراقية، بما فيها الحركة القومية الكردية، بحزبيها الرئيسيين، مع الأميركان، وعن موقف الحزبين الكرديين من الحماية الأميركية لهذا الإقليم. ويأتيك الجواب على النحو التالي: أولاً، الحماية لم يطلبها الأكراد. بل هي جاءت بقرار من مجلس الأمن، وبرعاية أميركية، وبهدف أميركي واضح يرتبط بسياسة أميركا إزاء العراق، وإزاء المنطقة بأسرها. الحماية، إذاً، لم تكن مطلباً كردياً، بل جزءاً من خطة لا علاقة لهم بها، ولا يشكلون جزءاً منها. وهي لا تختلف عن الحمايات الأخرى في أماكن أخرى من البلدان العربية، إلا في أمر أساسي واحد، هو أنها في إقليم كردستان لم تأت بطلب من أهل الإقليم، في حين أنها تشكل جزءاً من السياسة الرسمية، في عدد غير قليل من البلدان العربية، عسكرية، احياناً، وسياسية واقتصادية، احياناً أخرى! ولكن الأكراد يحاولون الاستفادة من هذه الحماية، لتأمين سلامة سلطتهم، وسلامة منطقتهم من عدوان محتمل من قبل الحكومة المركزية، ولضمان استقلالهم إزاء جيرانهم الأتراك والإيرانيين، في ذات الوقت، لتأمين شروط افضل لعلاقة حسن جوار، ولتعاون تجاري وغير تجاري مع هؤلاء الجيران، لمصلحة الإقليم. وبهذا الصدد يفسرون الإشكال السياسي والعسكري القائم بينهم وبين حزب العمال الكردستاني في تركيا. فقد حاول الحزبان، من دون طائل، أن يقنعوا أشقاءهم الأكراد في تركيا، بعدم استعمال اقليم كردستان كمركز لانطلاق عملياتهم العسكرية، واستبدال ذلك بجعل هذا الإقليم مركزاً لحركتهم السياسية. والسبب في هذا الموقف من العمل العسكري للحركة القومية الكردية في تركيا، هو عدم قدرة اكراد العراق على مواجهة الجار التركي، إذا ما قرر الانتقام من حزب العمال، مثلما يفعل حتى هذه اللحظة، حين تدخل القوات المسلحة التركية، من دون إذن من أحد، داخل الأراضي العراقية، بما في ذلك في اقليم كردستان، وتقتل وتدمر، وتتوغل عشرات الكيلومترات، وتحدد هي، من دون سواها، وقت سحب قواتها.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.