ماذا يحدث في جامعة الصدا قة؟ انه السؤال الأكثر تردداً على ألسنة الكثير من بعد سلسلة حوادث تعرضت لها اخيراً "جامعة باتريس لومومبا" المعروفة باسم "جامعة الصداقة بين الشعوب" في جنوب العاصمة الروسية. وفيما يشير البعض الى "حوادث عرضية" لا رابط بينها يلمح آخرون الى ما يوصف بأنها ملفات فساد ونشاط مشبوه ومعركة حادة بين ادارة الجامعة وهياكل الجريمة المنظمة المعروفة باسم ال"مافيا". وكانت جامعة الصداقة شهدت حريقاً مدمراً اندلع في احد المساكن المخصصة للطلاب الجدد وأسفر عن مصرع عشرات الطلبة الأجانب وإصابة مئات آخرين، وتضاربت التقديرات في حينها عن أسباب نشوب الحريق. وتحدثت نظريات عن تورط جماعات "النازيين الجدد"، وهي عصابات من المتطرفين المشهورين بعدائهم للأجانب في روسيا، فيما اعتبرت نظرية اخرى ان عطلاً كهربائياً مفاجئاً هو المسؤول عن الكارثة. لكن السلطات الروسية حولت الأنظار عن الاحتمالين عندما اعلنت قبل انتهاء التحقيق الأولي عن اعتقال طالبة نيجيرية ذُكر انها كانت "تلعب" مع زميلاتها عندما فقدن السيطرة على ألسنة اللهب التي امتدت لتحرق السكن الطالبي بمن فيه. وكادت الضجة التي اثارها الحادث ان تهدأ لولا وقوع تطور أعاد اسم جامعة الصداقة الى واجهات الصحف الروسية، إذ شن متعصبون قوميون "غارة" على المدينة الجامعية اسفرت عن اصابة كثيرين غالبهم من الطلاب الأفارقة، بإصابات بالغة بعد ان تعرضوا لضرب مبرح استخدمت فيه "اسلحة" متعددة مثل العصي والسلاسل الحديد. ومرة اخرى طوي ملف الحادث من دون اتخاذ تدابير محددة لمنع تكراره، ولم يكد يمر يوم او يومان حتى تركزت الأنظار مجدداً على الجامعة المنكوبة، إذ تلقت اجهزة الشرطة انذارات بوجود خطط لتفجير مساكن طالبية. وعلى رغم ان التفتيش لم يسفر عن العثور على قنابل في المدينة الجامعية، لكن حال الذعر انتشرت في اوساط الطلاب خصوصاً بعد ليلة باردة قضوها في الساحات المحيطة بالمدينة الجامعية وانتظروا خلالها وقوع انفجار مدمر في اي لحظة اثناء عمليات البحث عن العبوات الناسفة المزعومة داخل غرفهم. واعتبر البعض ان الصدفة وحدها لعبت دوراً في توالي الحوادث في جامعة الصداقة، فيما اتهم آخرون القدر بتدبير ما جرى، وقالوا ان النحس زار الجامعة التي تضم أكبر عدد من الطلبة الأجانب الدارسين في موسكو. لكن اصواتاً ارتفعت تشدد على ربط الحوادث المتوالية في حلقة واحدة معتبرة انها تدخل في اطار توجيه "رسائل تحذير" الى إدارة الجامعة. وذكرت مصادر روسية ل"الحياة" ان صراعاً يدور منذ زمن بين ادارة الجامعة وبعض هياكل الجريمة المنظمة المعروفة باسم "المافيا"، ومحوره محاولة الأخيرة فرض سيطرتها على سلسلة مطاعم ومحال تجارية تعمل داخل المدينة الجامعية وتحقق منذ سنوات ارباحاً وصفت بأنها خيالية. وقالت جهات داخل الجامعة ان ثمة "حرباً معلنة" على إدارتها بهدف اجبارها على تقديم تنازلات في هذا الشأن. ومعلوم ان هياكل المافيا الروسية سعت منذ بداية التسعينات الى السيطرة على موارد المجمعات التجارية في موسكو ومراكز الترفيه المختلفة وفرضت على اصحابها "إتاوات" تحت طائلة التعرّض لردود فعل دموية في حال امتنعوا من دفعها. وتشير مصادر في وزارة الداخلية الروسية الى ان الأجنحة المختلفة لل"مافيا" قسمت موسكو منذ بداية التسعينات الى "مناطق نفوذ" وزعتها في ما بينها. وعلى رغم ان السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً ملموساً في سلطة "المافيا" على العديد من القطاعات الصناعية والتجارية، فإن الأصوات الأخيرة في جامعة الصداقة تشير الى تصاعد نشاطها في مناطق ما برحت تشكل محور اهتمام اساسي لها. ويدور همس في اوساط الطلاب عن تورط ادارة الجامعة في نشاط مالي مشبوه جعلها تسعى الى "لفلفة" الأزمة بدلاً من اللجوء الى الهيئات المتخصصة. وقال احد الطلاب رافضاً الكشف عن هويته ان الحديث يدور عن اختلاسات كبرى ورشاً وملفات فساد اداري ومالي مختلفة. وذكر مصدر ل"الحياة" ان تخفيف الرقابة الحكومية على الجامعة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فتح مجالاً واسعاً لاستغلال مرحلة الانفتاح العشوائي التي شهدتها روسيا بعد ذلك، ما اسفر عن حال من الفوضى الواسعة. وفي هذا الإطار يشير البعض الى وجود دلائل على تورط كثيرين داخل الجامعة في نشاطات مشبوهة لا تقتصر على الإفادة من المنشآت التجارية التي أسستها الجامعة، بل تتعدى ذلك الى المتاجرة بالمقاعد الدراسية وتسهيل اجتياز الامتحانات الجامعية في مقابل مبالغ مالية معينة. واللافت ان الطلاب الأجانب غدوا الضحية الأولى للحرب التي اعلنتها المافيا على إدارة الجامعة. وفي هذا الإطار تكفي الإشارة الى ان الشركة المكلفة بحماية المدينة الجامعية اعتذرت اخيراً عن عدم استمرارها في تقديم خدماتها. ويرى البعض انها تعرضت لضغوط مباشرة من هياكل الجريمة المنظمة. ويعتبر هذا التطور انذاراً جديداً للإدارة بضرورة "مراجعة حساباتها" قبل فوات الأوان. وذكر طلاب في جامعة الصداقة انهم لجأوا الى تنظيم دوريات حراسة لحماية مساكنهم بعد ان دبّ الذعر في قلوبهم خشية وقوع اعمال جديدة. ونظم المقيمون في عدد من المجمعات السكنية الطالبية برامج خاصة في هذا المجال يعتقد خبراء انها لن تكون كافية لمواجهة تصعيد جديد، خصوصاً مع تصاعد المخاوف من استغلال انشغال اجهزة الأمن بالانتخابات البرلمانية المقبلة، لتنظيم "هجمات" جديدة على الجامعة التي باتت تتوق الى الهدوء، وإلى اسمها القديم: "الصداقة بين الشعوب".