حمل وزير الخارجية الأميركي كولن باول، في زيارته لكل من المغرب والجزائروتونس، تصورات عن اهداف واشنطن لاقامة استقرار في المنطقة. وتقوم هذه التصورات على ثلاثة أبعاد: التوجه الديموقراطي وإقرار المزيد من الاصلاحات السياسية والاقتصادية، التعاون الكامل والشامل في محاربة الارهاب، والبحث في تسوية سلمية لنزاع الصحراء الغربية يدعمها اتفاق الاطراف المعنية. والجديد في التصور الاميركي هذه المرة ان الحوار الذي كان يطرح كل مشكلة الصحراء بين المغرب وجبهة "بوليساريو" اصبح يركز على البلدين الجارين، المغرب والجزائر. وكانت الادارة الاميركية تتبنى مقاربة التوازن التي تفيد ان تحسين علاقاتها اكثر مع المغرب لا يكون على حساب الجزائر وان تمتين العلاقات مع الجزائر ليس على حساب المغرب. اما الآن فأصبحت تتبنى مقاربة تشجيع الحوار بين البلدين. وقال باول في الجزائر والمغرب وتونس كلاما متشابها، مؤداه تشجيع البلدين على ايجاد تسوية لقضية الصحراء، مع تأكيد ان الادارة الأميركية ليست في وارد ان تفرض أي حل على أي طرف. ورأى مراقبون في كلام باول عن دعم اقتراحات الوسيط الدولي جيمس بيكر مؤشراً الى امكان ان تتحول الى ورقة اساسية في المفاوضات المحتملة بين المغرب والجزائر، ما يعني ان باول حافظ من جهة على دعمه موقف الرباط التي تركز على ثنائية النزاع مع الجزائر في قضية الصحراء، ومن جهة ثانية ترك للجزائر هامش التحرك للتعامل مع اقتراحات بيكر التي اعلن المغرب مرارا عن رفضها. ويعتقد المراقبون بأن تجديد الكلام عن عدم فرض أي حل يراد منه الدفع في اتجاه ان تتبنى الرباطوالجزائر موقفا وفاقيا. ويبدو ان المقاربة الاميركية لثنائية المساعي المغربية الجزائرية استندت الى مواقف جزائرية سابقة، منها اقتراح خطة تقسيم الصحراء. وقد تكون الجزائر قبلت خطة بيكر الجديدة، الى جانب "بوليساريو"، لالغاء فكرة التقسيم التي اضعفت موقف الجزائر في الدفاع عن مبدأ تقرير مصير الشعب الصحراوي. واختار وزير الخارجية الأميركي ان يتحدث بلغة موحدة مع المغاربة والجزائريين هذه المرة لوضع حد لأي شكوك في المواقف الاميركية. ونقل مرافق للوزير باول عنه القول ان الكلام بلغة موحدة سيدفع مسؤولي البلدين لإدراك أن التفاهم بينهم أفضل من الاستمرار في الخلافات، وان أهداف استقرار المنطقة ستكون أقرب في حال حدوث الانفراج في علاقات البلدين. لكن الطرح الأميركي لم يكن بعيداً عن محاور المنافسة الأميركية - الفرنسية. إذ كانت باريس سباقة لدعوة المغرب والجزائر إلى تحسين علاقاتهما ومعاودة بناء علاقات الثقة. ويسود الاعتقاد بأن موقف باريس أملته اعتبارات اقليمية واستراتيجية وسط تزايد المخاوف من استئثار اسبانيا بمركز نفوذ على حساب فرنسا، وذلك في ضوء الربط بين الحلول المقترحة للملفات المرتبطة بمنطقة شمال افريقيا والخليج. وفهم الموقف الأميركي لجهة تسريع إبرام اتفاق التبادل الحر مع المغرب قبل نهاية السنة على أنه مقدمة لمعاودة تحريك خطة الشراكة الأميركية الاقتصادية المقترحة على كل من المغرب وتونسوالجزائر، خصوصاً أن هذه الدول مرتبطة ضمن المنطقة الأورو - متوسطية باتفاق تجاري أشمل يبدأ تنفيذه العام 2010. وجاءت المبادرة الأميركية ازاء حض دول الشمال الافريقي على إقرار المزيد من الاصلاحات والانفتاح السياسي على خلفية استئصال مظاهر التطرف الذي تعتبره أميركا في مقدم اشغالاتها. وشكل الموقف من الإصلاحات السياسية في بلدان الشمال الافريقي واحداً من النقاط المحورية في جولة باول، وإن لوحظ تفاوت في تقويم التجاوب بين كل من المغرب والجزائروتونس. لكن الثابت، بحسب مراقبين، أن باول لم يجد صعوبات في اقناع العواصم المغاربية بالخطة الأميركية لنقل السيادة إلى العراق، وتجديد التزام إدارة الرئيس بوش ب"خريطة الطريق". وقال ديبلوماسيون إن وزير الخارجية الأميركي كان أكثر اهتماماً برصد الأوضاع في المنطقة بهدف معاودة ترتيب العلاقات الاميركية الافريقية. فالبلدان التي غابت عن زيارة الرئيس بوش في جولته الافريقية السابقة كانت هدفاً لزيارة باول. الا ان التقويم الاميركي الذي شمل المواقف السياسية والاقتصادية، وحتى العسكرية، سيجد على الطرف الآخر تقويما للبلدان الأوروبية المطلة على شمال المتوسط في قمة تونس المتوسطية، وفي حال نجاح عقد قمة بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة يكون الاختراق الاميركي حقق كثيرا من أهدافه، خصوصا ان الفرنسيين بدورهم كانوا على خط الاعداد لهكذا لقاء، وان بحسابات مختلفة عن الدوافع الاميركية.