انتهت الجولة الاستكشافية للوسيط الدولي جيمس بيكر في منطقة الشمال الافريقي، لتبدأ جولة أخرى من الجدل حول مدى نجاح وساطته، تحديداً عبر استجابة الأطراف المعنية لاقتراحه. وعلى رغم ان بيكر حدد معالم مهمته في الاستماع الى طروحات الأطراف المعنية. فالثابت ان عدم اجتماعه مع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والغاء التوقف في محطة نواكشوط أضفيا بعداً خاصاً على المهمة، أقله محاورة الطرفين الأساسيين، المغرب وجبهة بوليساريو. وكما سمع بيكر كلاماً من مسؤولين مدنيين وعسكريين في الجزائر فحواه الموافقة على أي تصور توافق عليه بوليساريو، فقد ردد المغاربة انهم معنيون بدفع التسوية التي ترعاها الأممالمتحدة قدماً الى أمام، على أساس الحفاظ على مضمونها. بيد أن توقف الوسيط بيكر في مدريد ثم في باريس أشاع أجواء أخرى، في مقدمها ان حل نزاع الصحراء الغربية يمر أيضاً عبر دعم بلدان الاتحاد الأوروبي، كونها الأقرب جغرافياً الى منطقة الشمال الافريقي مركز نفوذها التقليدي. يفهم في هذا السياق ان بيكر لم يكن مهتماً بسماع تحليلات ووجهات نظر من الأطراف المعنية مباشرة فقط، ولكنه حرص على استمزاج الرأي الأوروبي في ضوء موقف الاتحاد الذي بلورته القمة الافريقية - الأوروبية في القاهرة، لجهة إبعاد بوليساريو عن المشاركة التي اقتصرت على الدول الأعضاء في الأممالمتحدة. والأرجح أنه سعى من خلال ذلك الى التلويح بإمكان قيام تفاهم أوروبي - اميركي لابعاد المنطقة عن فضاءات المنافسات القائمة بين الطرفين. ولم تكن تصريحاته حول ضرورات استتباب الأمن والسلم والاستقرار في المغرب العربي بعيدة عن آفاق الشراكة الأميركية المقترحة على كل من المغرب وتونس والجزائر، ذلك انه يصعب قيام شراكة ذات أهداف استراتيجية في غياب إحراز التقدم في تسوية نزاع الصحراء، كون تداعياته تنعكس سلباً على العلاقة بين المغرب والجزائر. هنا، تحديداً، تلتقي تحليلات الأوروبيين والأميركيين، لكنها تفترق عند صراعات النفوذ. فالمنطقة تعتبر المدخل الطبيعي نحو افريقيا. والصحارى التي تفصل بين الشمال الافريقي وعمق القارة استخدمت دائماً أوراق ضغط من التشاد الى الصحراء الغربية عبر صحراء الجزائر وشمال النيجر ومالي، ولا يبدو أن الهاجس الاستراتيجي كان بعيداً عن تحركات الوسيط جيمس بيكر الذي يعرف عنه الافتتان بشؤون النفط والغاز وأدوار الشركات متعددة الجنسية. ولكن الفرصة المؤاتية تظل تلك التي تحددها وتحافظ عليها دول المنطقة لمعاودة ترتيب حساباتها. وسيكون أفضل لها ان تملك زمام المبادرة، لأن افتقادها يفتح شهية الآخرين أكثر.