فاجأ قرار مجلس الحكم الانتقالي في العراق طرد منظمة "مجاهدين خلق" الايرانية المعارضة المراقبين. وعلى رغم الحديث عن صفقة أميركية - ايرانية وراء القرار، الا ان المؤكد ان وجود هذه المنظمة المدرجة على اللائحة الأميركية للمنظمات الارهابية في العراق شكل ثغرة كبيرة في العلاقات العراقية - الايرانية كان ينبغي اغلاقها. وبغض النظر عن صحة ما يتردد من ان الصفقة تتضمن طرد المنظمة من العراق في مقابل تعاون ايراني في الكشف عن مكان اختباء الرئيس المخلوع صدام حسين وتسليم طهران عناصر "القاعدة" الذين تحتجزهم، فان القرار يعتبر انتصاراً عراقياً - أميركياً - ايرانياً في آن. فالقرار، من دون شك، بادرة حسن نية ورسالة من حكام العراق الجدد الى الجار الايراني بأن العراق الجديد سيكون هادئاً ومتعاوناً ولن يكون مقراً أو ممراً لمنظمات تهدد دول الجوار. كما ان لدى المجلس ظروفاً موضوعية لطرد المنظمة الايرانية المعارضة التي كانت تلقى دعماً كبيراً من النظام السابق، ويعني بقاء عناصرها في العراق تجاهل آلاف الضحايا من العراقيين الذين قضوا على أيدي النظام عام 1991 عندما قاتلت "مجاهدين خلق" الى جانب القوات العراقية ضد المنتفضين على النظام آنذاك. ويعني القرار في أحد أشكاله بدء المجلس الانتقالي في ممارسة صلاحيات سيادية في ما يشكل الخطوة الأولى نحو انتقال السيادة الى العراقيين. وفي هذا الاطار فان القرار يعتبر نقطة لمصلحة المجلس في وجه المشككين في شرعيته وصحة تمثيله للعراقيين بمختلف أطيافهم، وفي الوقت نفسه نقطة في مصلحة واشنطن التي تريد من وراء القرار اثبات صدق نياتها في نقل السلطة الى العراقيين ليحكموا أنفسهم بأنفسهم، وممارسة سيادتهم فوق أرضهم. ومن جهة أخرى، جاء قرار طرد "مجاهدين خلق" انتصاراً جديداً للبراغماتية الايرانية التي نجحت في سياسة "سحب الذرائع" من الولاياتالمتحدة في ما يتعلق بالملف النووي، ويثبت صحة موقف طهران في الاعتراف بمجلس الحكم، وهو القرار الذي واجهت بسببه القيادة الايرانية انتقادات داخلية وخارجية اتهمتها بالتسرع. الا ان قرار مجلس الحكم أثبت من جديد قدرة طهران على مواجهة العواصف الاقليمية والدولية والانحناء أمامها، بعدما تمكنت من تمرير التحدي الكبير في موقفها المحايد من الحرب على العراق، وتمكنت من امتصاص التهديدات الاميركية في ما يتعلق بالملف النووي الايراني، مثلما لعبت قبل ذلك دوراً ذكياً أثناء الحرب الاميركية على أفغانستان. ولعل السؤال الذي ينبغي ان يطرح، هو ماذا كان سيكون عليه الموقف الايراني لو اتخذت طهران مواقف مغايرة في كل من هذه المحطات واعتمدت سياسة المواجهة مع الثور الأميركي الهائج في العالم؟ أغلب الظن ان الجمهورية الاسلامية كانت ستكون الهدف التالي الملح في سياسة الحرب الوقائية الأميركية. ان طهران مطالبة في الفترة المقبلة باستكمال نهجها البراغماتي هذا عبر اتخاذ خطوات جريئة من نوع اصدار عفو عام شامل عن أعضاء "مجاهدين خلق" يوفر عليها تبعات تبعثرهم في دول اوروبية واقليمية وامكان اعادة استخدامهم ضدها في وقت آخر. كما ان التقلبات السياسية في المنطقة أثبتت ان السياسة الخارجية الذكية لا تغطي دائماً على التأزمات الداخلية، ولذا يبقى مطلوباً ترتيب البيت الايراني عبر احتواء التجاذبات بين الاصلاحيين والمحافظين وتلبية تطلعات فئات النساء والشباب والطلبة في اصلاح من داخل النظام. * كاتب كردي.