كشف مونديال الإمارات أنه كان خطوة عربية نحو المستقبل في القدرة على احتضان التظاهرات الرياضية الدولية وتوظيفها لتنمية البنية التحتية والكفايات الإدارية والتنظيمية والإعلامية العالية، ودعم انتشار اللعبة في صفوف الشباب وتحفيز أحبائها وعشاقها. ولكنه أبرز أن شعار "الحلم العالمي" الذي يذكي المخيلة العربية باحتضان كأس العالم للكبار، يبدو كامناً في خانة الأحلام وأحلى التمنيات... ولا يزال بعيداً. كانت الإمارات الدولة العربية الرابعة التي نالت شرف تنظيم البطولة بعد تونس والسعودية وقطر. وأشادت الهيئات الدولية والرأي العام الرياضي بالتنظيم الاستثنائي وكرم الضيافة الإماراتية، والحضور الجماهيري المثير ومتعة الكرة التي اخترقت أشد الثقافات محافظة... راود الحلم الكبير بعض الإماراتيين بعد دهشة الحدث الجميل... ولكن كبار المسؤولين المحليين كانوا أقرب إلى الواقع عندما أبرزوا أهم العوائق لتجسيد أشد الأحلام إثارة متذرعين بضعف التعداد السكاني في بلد لم يتجاوز بعد عتبة ال4 ملايين نسمة. لا نسعى هنا لتثبيط العزائم العربية المتحفزة لتنظيم مونديال 2010 الأفريقي، ولا للتقليل من الإنجاز الإماراتي والحالة الشعبية والرسمية من الفرحة التي أشاعها في المدائن، ولعبة المقارنات غير مطروحة هنا بما أنها لا تستقيم إلا عند توازي الأشياء والاستحقاقات. ولكن مونديال الإمارات 2003 أكد ضعف فرص الدولة العربية الحالية على احتضان مونديال الكبار لمعوقات جيوسياسية واقتصادية، ولغيابها عن ساحة الفعل المؤثر داخل سلطة القرار والمشهد الكروي العالمي... كاد المونديال الشبابي أن يغيب عن سماء الإمارات، حيث عصفت به رياح الحرب في العراق ربيعاً وحمى الإرهاب التي أصابت المنطقة في نهاية الصيف 2003، ولولا التحرك الإماراتي القوي في كواليس الفيفا والدعم المثمر الذي قدمه محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي في اللحظات الأخيرة لانتزع منها هذا التنظيم وانتقل إلى ضفاف أخرى. لا شك في أن المنطقة العربية بدأت تتجه نحو الاستقرار بعد نهاية "أم الخواتم" وتراجع حمى الإرهاب، لتشهد تحولات أكثر هدوءاً وعمقاً إلا أن غالبية مؤشرات دوائر التقويم الاقتصادية والفرص الاستثمارية لا تزال تعتبرها في دائرة الضوء المحفوفة بالمخاطر، ما يقلل من فرصها في جذب الاستثمار الخارجي. ومونديال الكبار يعد استثماراً كبيراً وحدثاً عالمياً لا تجوز فيه المخاطرة.. ولا شك في أن الاستعدادات والتنظيم الأمني لمونديال الإمارات يستحق العلامة الكاملة والإشادة والتقدير خصوصاً أن المناخ الذي خيم قبل هذه البطولة كان دقيقاً على المنطقة وفي ظل تواجد منتخبات تعتبر حساسة بالمعايير الأمنية الحالية أي الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا، إلا أن رجال الأمن الإماراتيين أبرزوا تنامياً في مقدراتهم التنظيمية في مدائن أصبحت تحفل بالمؤامرات الدولية، وحساً عالياً في الحضور غير المتكلف ولا الطاغي. ولكن الإمارات تنفرد في طبيعة تركيبتها السكانية وتوازنها المجتمعي عن بقية شقيقاتها بأن المقيمين فيها جميعهم يسعون إلى المحافظة على فرص عملهم والابتعاد عن المشكلات والشبهات للبقاء في مدائن الأحلام أو المغادرة سريعاً إلى دنيا الشقاء والبطالة... وقد كان هذا عاملاً مساعداً مهماً. أنفقت الإمارات 300 مليون درهم على التنظيم ودعم بنيتها التحتية الرياضية، ربما كانت من البلدان العربية القليلة التي يمكنها تدبر مبلغ 5 بلايين دولار ثمن احتضانها للمونديال الكبير وتشييد ملاعب على مستوى عالمي. ولكن الأرقام والحقائق على الأرض تبرز بأن كل الدول العربية لا يمكنها حالياً وبصفة منفردة تدبر هذا المبلغ من دون اللجوء إلى السوق المالية العالمية وبضمانات كبيرة أو السحب من ثروات أجيال المستقبل. استفادت الشبيبة الإماراتية ببناء ملعب حمد بن زايد، وعلى رغم جماليته وهندسته الرائعة، فإن هذا البلد لا يزال يحوز ملعباً وحيداً تتوافر فيه المقاييس الدولية ألا وهو مدينة زايد الرياضية، ويبدو أن هذه الحالة الإماراتية تنطبق على المدن العربية كافة والتي على رغم الدعم الذي تمتعت به في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تشكو ضعفاً حقيقياً في بنيتها الرياضية لتبلغ المستويات العالمية الدقيقة. وفر الدعم الحكومي اللامحدود كل عوامل النجاح الاستثنائي للمونديال. تنافس الشيوخ وكبار المسؤولين في إبراز أجمل معاني الضيافة العربية. استفادت البطولة من النهضة والطفرة الاقتصادية التي تعيشها البلاد عبر بنيتها السياحية الحديثة ووسائل النقل ومستويات الإعاشة والاتصالات الجيدة... ربما توفرت لبعض الدول العربية مستويات متفاوتة من مثل هذا التنظيم، لكنك تشعر بأن مستوى الجهد المبذول من القمة يلزمه وقت لينسحب على الأوساط الشعبية، ما يؤشر إلى ضعف عدد المتطوعين وحرفيتهم في الإحاطة بالحدث... عززت الإمارات على هامش البطولة صورتها كبلد آمن ومستقل، وربما كانت لها تداعيات مهمة على تنمية اللعبة فيه. استفادت من شبكة العلاقات داخل الأوساط الرياضية الدولية المؤثرة. كان مونديال 2003 مميزاً، أما الحلم في احتضان مونديال الكبار فربما عليه انتظار عام 2030.