كان ملحم بركات في ذروة هدوئه، هو "المجنون" الذي ما ان ترمي له كلمة حتى يهب كالنيران. كان هادئاً ولطيفاً في حلقة "ساعة بقرب الحبيب" وقال ما يقول في قرارة نفسه عن كثيرين وعن نفسه في وقت واحد. ومع ان طوني خليفة لم يحسن استدراجه الى افخاخ معينة كان ملحم يتهرّب منها "بالاتفاق" معه، فإن الحلقة كانت مشوّقة على رغم "خوف" طوني من "لسان" ملحم، وعلى رغم خوف ملحم من أن "يزلق" لسانة في ما اتُّفق على ألاّ "يزلق" فيه. اكتفى المشاهد بما اراد ملحم بركات مسبقاً ان يقول. والمطرب "المجنون" - كما يعترف هو بالتسمية - اعتبرها لحظة للبوح فباح بمكنونات قلبه وعقله، وكشف النقاب عن بعض علاقاته المضطربة بالفنانين، وقدّم انطباعاً ايجابياً ورأياً طيباً في مطربات لبنانيات أليسا، نانسي عجرم محللاً ظروف كل واحدة، مؤكداً انهما مطربتان لا يرفض التعاون معهما لحنياً. ولعل الكلمة اللطيفة - ومن دون مجاملة كاذبة كما يفعل بعض الراغبين في التقرّب إليها - التي قالها عن هيفا وهبي فاجأت هيفا نفسها والجمهور معاً بعدما كاد يُلقى على كتفي هيفا الجميلتين طبعاً أوزار وخطايا الغناء ليس في لبنان فحسب، بل ايضاً في العالم العربي. اما نوال الزغبي فاكتفى برواية موقف تشجيع قام به تجاهها لم تقابله هي كما ينبغي! هذه الآراء والمواقف نستعيد ذكرها في هذه المقالة للدلالة على أمر غاية في الأهمية وهو ان ملحم بركات الذي قد يراه الكثيرون مترفعاً عن ذكر اسماء في مقابلاته، كان في "ساعة بقرب الحبيب" طبيعياً جداً وصريحاً جداً في معالجة احوال فنية معيّنة، وفي مديح اصوات ربما لم يكن جمهوره يعتقد انه يتابعها او يمكن ان يكون "متعاونا" معهاً. وليس سهلاً على "عقلية" ملحم بركات المعروفة ان يصف زياد الرحباني ب"المعلم" من بين كل الفنانين اللبنانيين، مع انه "مؤمن" بأن الرحابنة لا يتحدثون ايجاباً عن احد ويكادون لا يعترفون بأحد غيرهم كما قال! غير ان نقطة الضعف الشديدة في الحلقة كانت عندما قال ملحم انه "رح يفل" في إشارة الى الموت الذي كأنه آت غداً، فلم يتلقف طوني الإشارة بعمق بل مر عليها مروراً عابراً. كان يجب ان يلتقط طوني الكلام في موضوع الموت الذي يشعر ملحم "انه قريب" ليطارحه البوح الإنساني، كأن يسأله مثلاً ماذا سيحدث لعائلتك؟ على من تخاف بعد موتك؟ هل سيؤثر "غيابك" في الأغنية؟ هل تعتقد انك ارضيت ربك في حياتك؟ من هو الشخص الذي يمكن ان تعتذر له علناً وعلى شاشة التلفزيون؟ وإلى آخره من الأسئلة هل هو مريض لا سمح الله مثلاً؟ التي كانت ستأخذ الحلقة الى لحظات رهبة وتأثر وجداني اغنى وأكبر وأعمق من كل اللحظات الإنسانية التي عايشها بعض الفنانين ضيوف هذا البرنامج، وبعيداً من منطق استجداء البكاء او إبكاء الضيوف التي اعتُمدت في "ساعة بقرب الحبيب" احياناً قبل ان يتلافاها القيمون على البرنامج كي لا تصبح اداة ابتزاز او أداة توسّل جمهور اكبر قد يرغب في مشاهدة نجم يبكي او ينفعل. كان ملحم بركات في "ساعة بقرب الحبيب" جاهزاً نفسياً للكلام اكثر مما كان جاهزاً للغناء. ولذلك فقد علق في اذهان الناس كلامه اكثر مما علق غناؤه... ربما لأنهم يرونه باستمرار يغني لكن نادراً ما تفيض قريحته بالكلام الإنساني المعبّر. خرج ملحم بركات على العادة. مرّر رسائل عدة الى فنانين، بل الى اشخاص من غير اهل الغناء في الوسط الفني وفي الإنتاج الغنائي. ففيه جرح يبدو ان ملحم كان يداويه كي لا ينفجر امام المشاهدين. وفيه مرارة من فن هذه الأيام لكن من دون "نقّ"، وهنا ثقة ملحم بركات الكبيرة بنفسه إذ "لا يجد له منافساً" بين مطربي لبنان والعالم العربي، وهنا "الناقد" ملحم بركات الذي لا يجرح، وإذا جرح فلا يسيل الدماء، وهنا المحاور البارع ملحم بركات الذي يمارس الكر والفرّ في "معركة الكلام" كأخطر الفرسان... وبلا تنظير أو فذلكة كما يفعل آخرون.