عدت الى لندن حاملاً من بيروت عشرة كتب لم أشترِ واحداً منها لأن مؤتمر مؤسسة الفكر العربي لم يترك لنا فرصة لشراء كتب أو غيرها، وكان بين الكتب اثنان ضم واحد دراسات وأبحاثاً من المؤتمر الأول للمؤسسة في القاهرة، وضم الثاني، وكان بعنوان "استشراف الفكر العربي" دراسات وأبحاث المؤتمر الثاني في بيروت. لا أحتاج أن أقرأ هذين الكتابين، فقد تابعت الدراسات والابحاث في المؤتمرين، إلا أنهما يصلحان مرجعاً. كذلك لا أحتاج أن أقرأ الكتاب "صور عن الألبوم" للصديق فؤاد صادق مفتي، السفير السعودي السابق، فهو يضم مجموعة مقالات له نشرت في صحف سعودية وغيرها، وكان أهداني الكتاب من قبل، إلا أنه جاء هذه المرة مع روايتين له هما "لا لم يعد حلماً" و"لحظة ضعف"، وهما من حجم قصير الى متوسط، فلا بد من أن أجد الوقت لهما. في بيروت، رأيت الصديق إيغور تيموفييف، وأهداني كتابه "كمال جنبلاط: الرجل والأسطورة"، إلا أنه كان هذه المرة بالفرنسية وعنوانه "كمال جنبلاط والمصير المفجع للبنان". وبما انني كنت قرأت الكتاب بالعربية، فإنني لا أحتاج الى قراءته من جديد بلغة وجدت ان إلمامي بها أفضل قليلاً من إلمام إيغور. كان هناك كتاب آخر لا أحتاج الى قراءته، ولكن سيفيد كل من لا يقرأ غسان تويني بانتظام في "النهار"، هو "حوار مع الاستبداد" الذي يضم 23 مقالة نشرت على مدى ستة أشهر، بدءاً بآذار مارس الماضي، وهي منشورة في محاور أربعة، من دون تسلسل زمني. لن أسجل مرة أخرى رأيي المعروف في غسان تويني، فهو لا يحتاج الى من يمدحه، ولكن أقف عند لقطات عابرة مثل شرحه، أو تشريحه، طبائع الاستعداد عند صدام حسين وقول رغد، ابنة الرئيس المخلوع، ان سبب سقوط بغداد هو الغدر من ناس وضع ثقته فيهم في شكل مطلق. الغدر مسألة يعرفها صدام حسين جيداً، فقد غدر ببعض أهله الأقربين وبرفاقه في الحزب والثورة، قبل أن يغدر بالوطن والأمة. وأذكر ان زميلنا حازم صاغية كتب مقالاً عن الغدر في فكر صدام حسين بعد احتلال الكويت وتحريرها. ورئيس تحرير "النهار" يشيد بكلمات السيد محمد باقر الحكيم في مقالة، ثم ينعيه في أخرى، ولعل كلمات للزعيم العراقي تفسر غيابه، فهو قال "نريد الاستقلال" لا حكومة مفروضة من الأميركيين، نريد حكومة ديموقراطية، نريد حكم الشعب للشعب. نريد حكومة تمثل المسلمين جميعاً شيعة وسنة، وتمثل المسيحيين أيضاً، نريد أن نبني دولة عصرية بكل معنى الكلمة... الجمهور الذي سمع آية الله الحكيم هتف للحرية والعدالة والاستقلال. وكتب غسان تويني "نعم للديموقراطية. وإنما عراقية". وطموحات الكاتب تتجاوز العراق الى الأمة كلها، وهناك مقالة ضمنها خطة لخروج العرب من المأزق بعد المأزق. وبقدر ما اتفق مع غسان تويني في نقاطه الست، فانني أعرف أن أمله سيخيب، أو هو خاب فعلاً، في هذه الأمة التي اعتقدت يوماً انها نائمة، وبت أخشى أن تكون في حالة موت سريري. أكمل بكتاب قدم له غسان تويني هو "خطط للسلام والتنمية والديموقراطية" من تأليف بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة ولمنطقة الدول الفرنكوفونية. رأيي في أخينا بطرس من رأيي في أخينا غسان، ومرة أخرى أجد نفسي أمام مادة قرأتها من قبل، ولا تزال مهمة وملحة بقدر ما كانت قبل عشر سنوات أو أكثر. فمثلاً الفصل "خطة السلام: الديبلوماسية الوقائية وصنع السلام وحفظ السلام" كان تقريراً أعده الأمين لمجلس الأمن الدولي، وقدمه في أوائل 1992، وقد راجعته مع الدكتور بطرس غالي في حينه وكتبت عنه في "الحياة"، كما استعنت بالصديق سمير صنبر، وكان الأمين المساعد للإعلام، لفك بعض ما استعصي عليّ من أفكار الأمين العام. الكتاب قراءة الزامية لأي قارئ يهمه السلام أو التنمية أو الديموقراطية في الوطن العربي، والدكتور بطرس غالي بين أفضل العقول العالمية التي عالجت هذه المواضيع. في مثل ما سبق أهمية كتاب "الاقتصاد العربي في زمن العولمة" للصديق حازم الببلاوي، الذي جمعتني معه مؤسسة الفكر العربي، ولا أدعي انني قرأت هذا الكتاب أو سأقرأه، فبيني وبين الاقتصاد عداوة منذ دراستي مادة يتيمة عنه في الجامعة. وأعترف بأنني أسحب صفحات الاقتصاد من الصحف التي أحملها التى البيت وأرميها في سلة المهملات لتخفيف وزن ما أحمل، فقد زاد بغضي للاقتصاد بسبب تداعي اقتصادي الشخصي. كل هذا لا يمنعني من تقدير أهمية الموضوع والحث على قراءة الكتاب، فقد سمعت الدكتور الببلاوي يتحدث في اجتماعاتنا الخاصة، وكان فكره ينير الطريق. أقرب الى قلبي وقلب القارئ عدد ممتاز من مجلة "المعارج"، وهي شهرية متخصصة تعنى بالدراسات القرآنية وحوار الأديان، فالعدد الذي يضم 616 صفحة يضم دراسات ممتازة حول تطوير الفقه الإسلامي، ومفهوم الاجتهاد وضرورته وغير ذلك من قضايا اكتسبت أهمية مضاعفة مع ما نرى من إرهاب مجنون فالت من كل عقال. واختتم بكتاب "هالة" عن الصديقة الراحلة الدكتورة هالة سلام مقصود، أعده أصدقاؤها ويضم مجموعة من خطبها ومقالاتها، مع رسالة من زوجها الدكتور كلوفيس مقصود. وضاق المجال، فأسجل فقط كيف كانت اختنا هالة تحذر قبل عشر سنوات أو نحوها من التطرف الأصولي، ومن قتل المتطرفين معارضيهم أو اسكاتهم بأي طريقة، ثم تحمل كل المثقفين والمفكرين المسؤولية عن اخلاء الساحة للمتطرفين، وتدعو المسلمين الى المشاركة بنشاط في الحياة السياسية وعدم قبول ديكتاتورية السلطة أو الفكر. يرحمك الله أيتها الأخت الفاضلة.