كثيرة هي الجرائد العربية التي لا تصلنا في تونس. لكن للانترنت أفضالها في جعلنا نتابع ما ينشر في الوطن العربي وخارجه، فلقد اكتشفت اخيراً على سبيل الصدفة والبخت ندوة نشرتها في إحدى الصحف السعودية، في 20 صفر 1423 هالموافق 22/4/2003. وهي ندوة تتناول الأدب الذي أمر صدام حسين بكتابته أيام الحرب العراقية - الايرانية، بحسب ما فهمت من المقالة. وكان أحد المشاركين فيها السيد محسن جاسم الموسوي. ونسب الاستاذ الموسوي إليّ أنني تناولت ما سماه أدب الحرب في كتابي "فتنة المتخيل"، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت في 2002. قال الموسوي: "... ويذكر كتاب فتنة المتخيل ان القصة المعنية بالحرب التي ظهرت في العراق ليست منقطعة عن غيرها لكنها وعلى الرغم من كل الهنات حفلت بتجربة آنية حيوية واضحة تجسدت بعدد من طرائق التناول والكتابة وبقاموس مختلف من المفردات: ليست معنية بمواصفات الحرب والحركة الميدانية والسوقية وحسب، بل بذلك الميل الشديد الى الدقة والرصد الذي توفره اللغة الخالية من التشبيه والاستعارة وهو أمر يتبدى في عدد كبير من القصص...". غريب أمر السيد الموسوي! فكتاب "فتنة المتخيل" موجود في السوق، وسيلاحظ من يطلع على اجزائه الثلاثة انني لم أطرق هذا الموضوع ابداً، ولم أتناول هذا الأدب أصلاً. وأنا لا أعرف من كتبوه، والأسماء التي ذكرها لم أسمع بها في حياتي ابداً، وليغفر لي اصحابها جهلي بهم وبنتاجهم. إنه لأمر مدهش محيّر فعلاً. فمحسن الموسوي كان احد المتنفذين في حزب البعث، وكان خادماً أميناً للنظام العراقي، ومرفهاً ينعم بالسيارات الفارهة والنفوذ وأشياء أخرى. ثم ترك البلا وفرّ. كان عضواً بارزاً في جهاز السلطة، وأحد مثقفي النظام العراقي وسدنته، كما حدثني بعض المثقفين العراقيين، ومن بينهم الشاعر سعدي يوسف، والروائي المقيم في تونس عبد الرحمن مجيد الربيعي. ثم حدثني بذلك خزعل ماجد وياسين نصير وماجد السامرائي وغيرهم. سألت بعض المثقفين العراقيين فأخبروني ان محسن الموسوي كان يستحثهم على الكتابة في موضوع الحرب العراقية - الايرانية، أيام كان رئيساً عليهم، وأيام كان سيداً متنقذاً في دائرة الثقافة. وقد وصل به الامر ان عاقب بعضهم حين لم يهتموا بالموضوع. ومحسن الموسوي يعرف تمام المعرفة انني كنت، ولا أزال صديقاً للمثقفين العراقيين الذين تلقفتهم المهاجر والمنافي، هرباً من جور الجهاز الذي كان محسن وأخوه متنفّذين فيه قبل حرب الخليج الثانية. وهو يعرف انني لا اعرف العراق، ولم أزر بغداد الى يوم الناس هذا. لم أزر بغداد ولا العراق كله حتى على أيام المربد، حين كان كل من يحبّر او يكتب خاطرة تافهة في جريدة لا تقل عنها تفاهة يدعى الى بغداد. طائرات مليئة بال"مثقفين"، بشعراء وصحافيين وقصاصين واشباه مثقفين وما دون. كانت ترتحل من تونس كل عام لتمربد وترمبد. ولي ان أباهي بأنني لم أمربد ابداً. فلقد كان وضع اصدقاء من امثال سعدي يوسف يحزنني. ولم يكن القائمون على الجهاز الثقافي. وكان محسن احد رؤوسهم، ولم يكونوا ليفكروا في دعوتي لأنني من اصدقاء خصومهم في المنافي والمهاجر. إن كل جزء من كتابي "فتنة المتخيل" يحتوي على فهرس للأعلام. وفي امكان كل من يطلع على الكتاب كله، او على الفهارس، ان يلاحظ انني لم أتناول اي شخص من الأدباء الذين ذكر الموسوي انني تناولت كتاباتهم عن الحرب العراقية - الايرانية. ولم أطرق الموضوع اصلاً لأنه لا يعنيني من قريب او من بعيد. وأيام الحرب العراقية - الايرانية المشؤومة التي صنف محسن الموسوي في أدبها كتاباً، ثم نسبه إليّ من دون اي حياء أو خجل، كنت أدرّس بفرنسا في جامعة كلارمون - فرّان. ولم تكن اخبار تلك الحرب العبثية تصلني الا نادراً. أنا، شخصياً، لا استطيع ان أتأوّل ما اقترف محسن الموسوي في حقي الا على النحو التالي: 1- للعراق ان يفخر بهذا الصنف من مثقفيه. هذا الصنف هو الناجي في زمننا العربي المروّع. 2- للجامعات العربية ان تفخر بفعال اساتذتها. ومثلما يعرف الاساتذة الجامعيون في الأرض قاطبة يستمد الجامعي شرف الاسم من الأمانة العلمية. أين سأصنّف افتراء محسن جاسم الموسوي؟ 3- للأميّة ان تسود وتملك. فمحسن جاسم الموسوي لم يكن ليأتي هذا الافتراء لولا تسليمه المضمر بأن الامية سائدة في ديار العرب. تونس - د. محمد لطفي اليوسفي