تعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن علامة فارقة في منهجية التعاطي الغربي مع ملف "الحركات الإسلامية"، فيما كانت دول عربية تتنادى الى ضرورة الاتفاق على مصطلح محدد لجرائم الإرهاب، وفق ما كانت تعانيه تلك الدول في عقدي الثمانينات والتسعينات من مشكلات داخلية ناجمة عن احتدام الصراع بينها وبين بعض فصائل العمل الإسلامي الجهادي مع وجود عدد من قادة ورموز بعض تلك الفصائل في دول أوروبية. وإذا كان بعض الحكومات العربية تجاوز مرحلة انتظار استجابة الغرب لإيجاد صيغة موحدة في علاج الظاهرة، فإن الحكومات نفسها اتجهت نحو استخدام الوسائل الإقليمية والمحلية للوصول الى حلول داخلية. وفي هذا الإطار توالت مؤتمرات وزراء الداخلية العرب تحت سقف جامعة الدول العربية وأقرت اتفاقات مشتركة لاحتواء أزمة العنف المتأججة واستئصال الجماعات الإسلامية ذات المرجعية الجهادية. وتراوحت الإجراءات بين تدابير أمنية استثنائية لاعاقة حركة انتشار تلك الجماعات وتقييد حرية عناصرها النشطة ورموزها الفاعلة. وشهدت الدول العربية تعاوناً وثيقاً في تسلم وتسليم كثير من عناصر الإسلاميين ورموزهم النشطة بين بعضها بعضاً، مروراً بتعديل مفردات العمل السياسي والتدخل في قواعد اللعبة السياسية وقوانينها لتجفيف منابع تلك الجماعات، ما انعكس سلباً على الحياة السياسية عموماً داخل كثير من الدول العربية مثل مصر والجزائر بالمصادرة ومنع أدوات الخطاب السياسي الإسلامي، وصولاً إلى ممارسة العنف بأبشع صوره بالتوسع في القتل خارج نطاق القانون وعدم الاحتراز عند تنفيذ كثير من الضبطيات القضائية بدعوى مواجهة "مقاومة السلطات". ومن خلال هذا السياق المتأزم والمحتقن لاحت بارقة أمل تمثلت في المبادرة التي أعلنها قادة "الجماعة الإسلامية" التاريخيون من داخل حبسهم يوم الخامس من تموز يوليو عام 1997 قبل عقد أولى جلسات المحكمة العسكرية لإحدى مجموعات "الجماعة" بوقف كل العمليات المسلحة داخل مصر وخارجها، وأيضاً وقف البيانات الإعلامية المحرضة عليها. وحمل هذا البيان وسط مفردات ألفاظه الوجيزة معاني كثيرة ألمحت إلى تغيير طرأ داخل دائرة صنع القرار في "الجماعة الإسلامية" التي تعرف بالمجلس التأسيسي الذي يضم بين صفوفه نخبة من شيوخ "الجماعة" الذين أسسوها ووضعوا لبناتها الأولى وصاغوا أدبياتها الفكرية والشرعية لأكثر من ثلاثين عاماً، مع محاولات سابقة قام بها بعض الإسلاميين بين عامي 1993 و1996 لم يتحقق لها الأثر ذاته كونها جاءت بعيدة من دائرة صنع القرار. وعلى هذا، فالربط بين مبادرة "الجماعة الإسلامية" وأحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر شكلاً وموضوعاً فيه كثير من التعسف وسوء الفهم، ليس من خلال نفي تداعيات تلك الأحداث على طبيعة اتخاذ شيوخ "الجماعة" للقرار وإنما أيضاً في منهجية التعامل الأمني أو الرسمي مع تلك المبادرة. ولقد سار التعاطي الرسمي أو الأمني مع مبادرة "الجماعة الإسلامية" في اتجاه التجاهل وعدم الاكتراث. كان من الجرأة أن يصدر شيوخ "الجماعة الإسلامية" قرارهم أو مبادرتهم من طرف واحد، فهو قرار أحادي الجانب صادر لكوادرهم أو توصية لمجلس شورى الخارج وعناصر الجناح العسكري. وبالتالي كان انتقاء الألفاظ يتم بعناية وحرص على صدقية توجه "الجماعة" ورغبتها في حقن الدماء، فالأمر لا يعني السلطة بقدر ما هو موقف حاسم اتخذه شيوخ "الجماعة" من أجل وقف الاستنزاف والعودة إلى خيار العمل السلمي والدعوة العلنية من دون شروط مسبقة. وكان من الطبيعي أيضاً أن تترقب السلطات وأن تستخدم كل ما لديها من أدوات وتقنيات من أجل التأكد من جدية التحولات أو صدقية القرار، وكان عنصر الوقت أحد أهم العناصر التي استخدمتها المؤسسة الأمنية من أجل تفريغ المبادرة من مضمونها، وبالتالي الوصول إلى فشلها وإقناع النخب بعدم صدق الذين أطلقوها، أو الوصول إلى قناعة بجدية هذه التحولات ومن ثم صدقية من أطلقوها، ما يعزز منهجية مختلفة في التعامل. راحت المؤسسة الأمنية ودوائر السلطة المختلفة تراقب عن كثب العديد من المؤثرات أو المحكات، وأهمها حادث الأقصر الدامي في تشرين الثاني نوفمبر 1997 الذي وقع في معبد حتشبسوت وارتكبته مجموعة وضح، بحسب ما أعلن من معلومات، عن شخصيات الجناة أنهم ينتسبون الى "الجماعة الإسلامية". وجاء تبني رفاعي طه قيادي "الجماعة الإسلامية" ومسؤول مجلس شورى الخارج في ذلك الوقت الحادث في بيان بثته وكالات الأنباء العالمية ليضع مبادرة "الجماعة" وقدرات شيوخها في محك الاختبار. وجاء تصدي أسامة رشدي القيادي الآخر البارز المقيم في هولندا والذي كان يضطلع حتى ذلك الحين بمهمة الناطق الإعلامي، بإصدار بيان نفى فيه صلة "الجماعة" بالحادث ودانه بعبارات مصاغة بعناية ووضوح ليقدم مؤشرات الى تحول مؤثر في موقف قيادات الخارج. كان حادث الأقصر تحدياً كبيراً أمام صلاحيات شيوخ "الجماعة الإسلامية" وقدرتهم على النفاذ عبر قضبان سجونهم إلى رحاب أوسع خارج مصر، وتأثيرهم في طريقة اتخاذ قيادات الخارج القرار بما لديهم من إمكانات واتصالات بعناصر مسلحة. وجاءت معالجة الشيوخ السجناء على قدر كبير من الجدية والمسؤولية والحرص على المضي قدماً في طريق المراجعات الفكرية والحركية. ويكفي أن نشير هنا إلى نتيجة جهودهم في قرار أصدره مجلس شورى التنظيم في الخارج في الثامن من كانون الأول ديسمبر 1997 بوقف كل العمليات التي تستهدف السياح الأجانب. وخلص البيان إلى أنه "في إطار التحقيقات التي أجرتها الجماعة الإسلامية في ظروف حادث الأقصر المأسوي وملابساته يطيب لنا أن نعلن لإخواننا ومحبينا وشعبنا في مصر وسائر الرأي العام الدولي ما توصل إليه التحقيق من نتائج. ولقد فوجئ قادة الجماعة في الخارج بما حدث في الأقصر وهالهم ما حدث والعدد الكبير من الضحايا وما ذكر من حدوث تمثيل ببعض القتلى ما يتنافى مع المنطلقات الشرعية والإنسانية والسياسية للجماعة الإسلامية في مصر". ثم صدرت دراسة مهمة للشيخ محمد مصطفى المقرئ، أحد أبرز قيادات الجماعة وفقهائها المقيم في لندن، تنتهي إلى عدم جواز الاعتداء على المدنيين عموماً، وتناول من خلالها مفاهيم جديدة ما كانت لتطرح لولا المناخ الذي صنعته مبادرة وقف العنف وتبني شيوخ "الجماعة" السجناء حركة مراجعات قوية لأفكار وأساليب سادت لفترة طويلة أفرزها مناخ العنف آنذاك. ومن نافلة القول هنا أن حادث الأقصر بقدر ما تسبب به من آلام للمجتمع المصري وعائلات الضحايا فإن تداعياته انعكست إيجاباً لمصلحة أجواء وقف العنف بعد الإطاحة بوزير الداخلية السابق اللواء حسن الألفي وكثير من معاونيه الذين كانوا يبدون تشدداً غير منهجي في ملف المبادرة، ما شكل تغيراً جديداً دفع الأمور الى الإمام تجاه اتباع نهج جديد يعتمد أسلوب تنقية أوضاع المعتقلين وفق أطر قانونية وتحسن أوضاع السجناء، وأعلن وقتها عن لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء لمراجعة السياسات الأمنية، فتضافرت المراجعات الفكرية التي أعلن عنها شيوخ "الجماعة" مع تلك المراجعات الأمنية فتحققت قوة دفع لمبادرة وقف العنف. كما كان موقف شيوخ "الجماعة" بالاعتراض على وثيقة تأسيس "الجبهة الإسلامية العالمية" التي أعلن عنها في آذار مارس 1998 أحد عناصر التحليل في قياس مدى جديتهم وحقيقة نياتهم في المراجعات الفكرية التي يقومون بها عن كثب. فقد شهدت وثيقة الإعلان عن تأسيس الجبهة برئاسة الشيخ أسامة بن لادن توقيع القيادي المصري البارز رفاعي طه مسؤول مجلس شورى "الجماعة الإسلامية"، وحدث أن أرسل في طلبي الشيخ كرم زهدي زعيم "الجماعة الإسلامية" السجين في سجن طرة جنوبالقاهرة آنذاك، وحملني رسالة إلى طه تطلب منه حسم الإعلان فوراً عن الانسحاب من تلك الجبهة أو توضيح حقيقة توقيعه. وكانت لهجة زهدي قوية وحاسمة ما دفع طه إلى الإعلان عبر موقع "المرابطون" الناطق باسم "الجماعة" على شبكة الإنترنت توضيحاً على الصفحة الأولى مفاده نفي الانضمام إلى جبهة بن لادن. وأن الأمر لا يتجاوز التوقيع على بيان يندد بقصف الولاياتالمتحدة للعراق وفهم على غير الحقيقة لانضمام "الجماعة" الى تلك الجبهة. وكان هذا الموقف نقطة إيجابية دعمت فرص شيوخ "الجماعة" وقدرتهم على السيطرة على مقاليد الأمور داخل تنظيمهم، ومن ثم القدرة على دفع المراجعات الفكرية في أوساطها. وعندما صدر قرار مجلس شورى الجماعة في الخارج الاستجابة للمبادرة ووقف كل العمليات المسلحة داخل مصر وخارجها في آذار 1999 تأكد كثير من الباحثين من قدرة شيوخ "الجماعة الإسلامية" على الإمساك بخيوط كثيرة بأيديهم، ومن أن مكانتهم في نفوس إخوانهم وكوادرهم لا تزال تنتج كثيراً من المواقف الحاسمة والقدرة على تغيير دفة العمل داخلها، وأيضاً كان مثل هذا التأكد تم رصده من السلطات التي تراقب ما يجرى. وراح هؤلاء الشيوخ يؤكدون دوماً أن مبادرتهم غير مرتبطة بمقايضة أو مشروطة بمطالب وبالتالي لا يسوغ الاحتجاج على السلطات بشيء من ذلك، وأن المقاصد من إطلاق مبادرتهم شرعية في المقام الأول تهدف إلى الإصلاح والتغيير في طبيعة الوسائل والآليات. وكرر كرم زهدي غير مرة ان القتال ليس غاية في حد ذاته وإذا ثبت فشله في تحقيق الأهداف تعين العدول عنه إلى غيره من الوسائل. كانت قدرة شيوخ "الجماعة" على امتصاص ردود الأفعال لبعض الإجراءات محل رصد وتحليل عند كل المعنيين بملف العنف والمتابعين للمبادرة، وكانت عنصراً إضافياً مهماً من عناصر التأكد من جديتهم. لكن لم تسر الأمور على هذا النحو، وبدا أن تغيرات أكثر جذرية في منهج "الجماعة الإسلامية" ومفاهيمها ستحدث جدلاً كبيراً في الرأي العام بصفة عامة وداخل صفوفها بخاصة حينما باغت الصحافي المخضرم مكرم محمد أحمد المتابعين بسلسلة حوارات ساخنة مع شيوخ "الجماعة" وبعض قيادات الصف الثاني نشرت في مجلة "المصور" القاهرية، تلاها صدور أولى مطبوعات سلسلة "تصحيح المفاهيم" التي عكست مدى ذلك التغيير ما فتح الباب أمام التكهنات في مستقبل هذه الجماعة. يغرق بعضهم في الحديث عن كتب المراجعات التي صدرت عن شيوخ "الجماعة" في مصر، فيصفها بأوصاف متباينة، ويحملها آخرون أكثر مما تحتمل. ويحسن أن نشير إلى خلط بين سلسلة "تصحيح المفاهيم" وهي الكتب الأربعة التي صدرت لتنبئ عن أفكار ومنهج جديد للجماعة الإسلامية العام الماضي ثم ما تبعته أخيراً في الكتابين الأخيرين "نهر الذكريات" و"تفجيرات الرياض"، وبين سلسلة حوارات مجلة "المصور" التي أجراها مكرم محمد أحمد، إذ تنبغي التفرقة بينهما، باعتبار أن كتب المراجعات حوت آراء شرعية في قضايا علمية وفقهية بأسانيد وأدلة، في حين أن الحوارات اشتملت على كثير من الآراء التي ضمت اختلافاً جذرياً في تفسير كتب المراجعات. وكان أهم الملاحظات على الفروق بين ما ضمته كتب المراجعات في سلسلة "تصحيح المفاهيم" وبين الآراء التي صدرت في الحوارات الصحافية، هي أنها أوجدت بوناً بين رؤية "الجماعة" وقت تأسيسها سواء في أدبياتها وبياناتها، وبين ما طرحته أخيراً حول قضايا الحكم والحاكمية وتكفير الحاكم المستبد أو الممتنع عن تطبيق شعيرة من شعائر الإسلام والحسبة وتغيير المنكر. وإذا كانت "الجماعة الإسلامية" في السبعينات سعت إلى نشر أفكارها ومبادئها بوسائل الدعوة والعمل الدعوي السلمي وحققت تواجدها القوي بالعمل العلني وليس السري قبل دخولها في تحالف مع جماعة "الجهاد"، إلا أنها كانت في الوقت نفسه تنطلق من خلفية ثورية تقطع بعدم شرعية نظام الحكم وعدم اتباع أدوات العمل السياسي الديموقراطي وأهمها العمل الحزبي، وحينما دخلت في مواجهات عنيفة مع السلطات في مصر وفق نظرية "دفع الصائل" لكنها في الوقت نفسه كانت ترى شرعية الخروج عليه، ومن هنا كان الجدل حول طبيعة المراجعات التي طرحتها أخيراً، فلم يكن هناك خلاف حقيقي، سواء داخل دوائر "الجماعة" نفسها أو خارجها حول ضرورات وقف أعمال المعارضة المسلحة. وعلى هذا، لم تجد معارضة ذات معنى من قياداتها المتواجدة خارج البلاد الذين انضموا إلى ذلك القرار تباعاً عدا رفاعي طه، وحتى جماعة "الجهاد" وزعيمها الدكتور أيمن الظواهري، اكتفت باعتراض شكلي على المبادرة من دون أن تنابذها العداء في تلك المرحلة المتقدمة منها، لكن الخلاف تصاعد حتى مع أولئك الذين دعموا جهود القيادات التاريخية من داخل "الجماعة" مثل أسامة رشدي وعبد الآخر حماد ومحمد شوقي الاسلامبولي وآخرين بسبب مواقف "الجماعة" التي بدت عبر تصريحات زعمائها الأسرى والتي فهم أنها تصب في اتجاه التخلي عن المعارضة السياسية والشرعية للنظام في مصر والفارق بين الاتجاهين جذري وعميق، لذلك كانت التكهنات التي تحيط بمستقبل تلك الجماعة تبحث في الجانب الذي ستقف عنده منحازة إلى قوى المعارضة في مصر أو مستقلة عنه على نحو سأل معه كثيرون عن طبيعة الصلة التي ستربط بين السلطات وبينها وأيضاً تلك التي ستربط بينها و"الإخوان المسلمين" بعد زوال أهم الفروق التي ميزت بينهما وتتعلق بالموقف من مشروعية النظام و العمل الحزبي. ويسأل كثيرون عن طبيعة الشكل الذي ستبدو عليه "الجماعة الإسلامية" وهي تمارس نشاطها في المستقبل في ضوء الاعتقاد الأمني بصدقية المراجعات وتطليقها العنف طلاقاً بائناً بحسب ما ورد في تصريح لوزير الداخلية المصري حبيب العادلي. وسبق التصريح الإفراج عن كرم زهدي وإخوانه أخيراً مع احتمال السماح لهم بتأسيس حزب سياسي. لكن ذلك يتصادم مع عقيدة النظام المصري الذي رفض تأسيس أي أحزاب سياسية ذات أبعاد دينية، أو على الأقل تيسير أمر الموافقة على تأسيس جمعية اجتماعية على النحو الذي وفرته لمجموعة مؤسسي حزب الوسط حينما وافقت لهم الحكومة على "جمعية مصر للثقافة والحوار". غير أنني ما زلت أعتقد بأن التعاطي مع ملف "الجماعة الإسلامية" حتى الآن لم يزل تعاطيا أمنياً، وهو أمر يختلف كثيراً عن التعاطي مع ملف "الإخوان المسلمين". ففي حين تبدو الحاجة إلى استيعاب الأولى بعد وقف العنف وما كانت تسببه للنظام والمجتمع من مشكلات امنية واقتصادية بالغة نتيجة حال العنف، يبدو الأمر مختلفاً مع الثانية لأنها في حقيقتها منافس حقيقي وخطير للحزب الوطني الحاكم يتهدده في أي مناسبة قد توفر أجواء انتخابات تشريعية تسفر عن تواجد قوى لها. وعلى هذا تبدو المقارنة غير دقيقة لتعاطي السلطات في مصر أخيراً مع "الجماعة الإسلامية" بالإفراج عن كثير من أعضائها وزعمائها بينما تجهض تحركات للإخوان بالقبض على بعض قادتها الحركيين، وإنما يوضحها استحضار التدابير القاسية وأحكام الإعدام والمؤبد التي كانت تصدر بحق عناصر "الجماعة الإسلامية" في آتون الصراع، بينما لم تتجاوز محاكمات عدد قليل من قيادات "الإخوان" عن أحكام بالسجن لفترات لم تزد على سنوات ثلاث. وطالما استمر تعاطي السلطات مع "الجماعة الإسلامية" بالطريقة الأمنية، فإن ذلك يعني بالضرورة بقاء الحال على ما هو عليه بمنع أشكال التحرك السياسي كافة لأعضائها وفق أطر وقنوات مشروعة وتحت ضوابط أمنية تمنع تكرار تعاظم نفوذها وإنما تحقق لهم قدراً من الحرية الإنسانية خارج المعتقلات وربما بقدر محدود قد يتيح لبعض قيادات "الجماعة الإسلامية" التواجد الإعلامي لضرورات تواصل حركة المراجعات لاحتواء الأجيال الجديدة في قوالب المنهج الجديد بعيداً من ألغام فقه الجهاد القديم. لكن يبقى الزمن أهم العوامل التى يمكن أن تعزز فرص تلك "الجماعة" التي شغلت الرأي العام طويلاً، في المضي قدماً بخطوات متزنة. فالمؤكد أن الاجواء الطبيعية ستفيد قادة "الجماعة" بعد الافراج عنهم بعيداً من مناخ السجون والمعتقلات فى استجماع أوجه الحقيقة، ويقتضي حسن الظن بهم إعطاءهم فرصة كافية قبل اثارة العوائق فى طريقهم. ولعلي أستصحب أجواء حادة ثارت فى وجه حزب "العمل" عند تأسيسه برعاية الرئيس السادات برئاسة المهندس إبراهيم شكري وتأييده لمعاهدة كامب ديفيد أو زيارة القدس لست اذكر على وجه الدقة، لكن ممارسات حزب العمل المتواصلة بددت مخاوف الذوبان في نسيج النظام الساداتي آنذاك وقاد معارضة سياسية صارمة حتى بلغ به الحال إلى حظره. * محام مصري وكاتب إسلامي.