"الوصول الى القمة سهل، لكن البقاء عليها صعب تماماً". ربما انطبق هذا القول المشهور على الجزء الثالث من سلسلة افلام "ماتريكس"، الذي اطلق قبل اسبوعين في الولاياتالمتحدة. وحمل هذا الجزء اسم "ثورات الماتريكس" Matrix Revolution. وفي اليوم الاول من اطلاقه، احتل المركز الاول بسهولة. وتوقع البعض ان يحقق هذا الشريط نجاحاً ساحقاً. ولكن النذر السيئة ظهرت سراعاً. ففي نهاية الاسبوع الاول، لم يكن قد جمع إلا 16 مليون دولار. وللمقارنة، فإن "اعادة تحميل ماتريكس" Matrix Reloaded، وهو الجزء الثاني من السلسلة نفسها، جمع 37 مليون دولار. والحال ان الجزء الثاني سجل نجاحاً اقل من الجزء الاول، الذي اطلقه الاخوة واشوسكي في العام 1999. ومن البديهي السؤال عن سر التدهور المستمر في "ماتريكس"، بشهادة ارقام المداخيل على الاقل. الارجح ان الاسباب كثيرة. ومن البديهي كذلك القول انه من المبكر الحكم على مصير الجزء الثالث. ولكن...هناك ما يقال على اي حال. وباستعادة سريعة يمكن القول ان "ماتريكس" يبدو كمن ضيَّع اتجاه البوصلة مبكراً. حسناً، ليست هذه صفحة للنقد السينمائي. ولكن الفيلم يربطه مع التكنولوجيا الرقمية الف رابط. وفي رأيي، فان ما فقده الفيلم هو العلاقة العميقة مع هذه التكنولوجيا. رؤى ماتريكس... عتمة التكنولوجيا في الجزء الاول من الفيلم، قدم الاخوة واشوسكي فيلماً فيه رؤية عن العلاقة بين الانسان والتكنولوجيا الرقمية، التي يجسدها الكومبيوتر. وفي الفيلم، نرى انهيار حضارة البشر، بفعل التطور التقني، الذي يستهلك موارد الكوكب. وتسوء مظاهر الحياة على الارض، ويصبح العيش معاناة مستديمة. ولحل هذه الازمة، يفكر علماء الكومبيوتر في صنع برنامج متطور من العاب الكومبيوتر. وكل من يلعب اليوم العاب الكومبيوتر يعرف انها ليست حقيقية. انها توليف الكتروني له مواصفات حسابية معقدة، لكنها "تشبه" ما يحصل في الحقيقة. وهذا ما يسميه الخبراء بالحقيقة الافتراضية. وهكذا، يفترض "ماتريكس" ان علوم الكومبيوتر تطورت بحيث صنعت برنامجاً متطوراً من الالعاب الافتراضية. وميزة هذا البرنامج هو ان الانسان يمارس الالعاب الافتراضية بعقله كله. ويعيش كل تفاصيله وكأنها حقيقية. وللمزيد من الاثارة، فان كل ما يفعله في الالعاب ينعكس على دماغه وبالتالي يؤثر على كل جسده. اذا تلقى ضربة "افتراضية" في اللعب، ينقل البرنامج الضربة الى دماغه الذي يتفاعل معها كأنها ضربة حقيقية. وهكذا، يهتز جسده "الحقيقي" كله، ويعاني من الالم. وشيئاً فشيئاً، توسع برنامج ماتريكس. لم يعد يقتصر على الالعاب، بل صارت تفاصيل الحياة اليومية هي الالعاب الدائمة. وبقول اخر، الغى البرنامج الافتراضي العيش الحقيقي. وصار الناس "يعيشون" في الماتريكس. لنفرض انهم استيقظوا صباحاً وذهبوا الى العمل في البرنامج الافتراضي. في الحقيقة، لا يحصل شيء من هذا ابداً. انهم موجودون في المكان نفسه ولا يغادرونه الى اي عمل. وما يحصل هو ان برنامج الكومبيوتر ينقل الى عقولهم صوراً ومؤثرات حسية فيحسون "وكأنهم" ذهبوا ومشوا وتحدثوا الى الاخرين. وهكذا دواليك. وبالتدريج، انهارت حضارة الانسان، وصار الكل يعيشون في الوهم الافتراضي الذي يحمله "ماتريكس" الى عقولهم. ويكمل الفيلم ان البشر المستعبدون من البرنامج، ينتظرون من يخلصهم، وهناك من هم خارج "ماتريكس" ويحاولون تحرير البشر منه. وتلك هي نقاط البداية في الجزء الاول من الفيلم. من الواضح ان فيلماً كهذا لصيق الصلة بتكنولوجيا الكومبيوتر، وخصوصاً الحقيقة الافتراضية Virtual Reality التي هي في القلب من التقنيات الرقمية كلها. هل امسكت فأرة الكترونية وحركتها؟ اذاً، فقد عشت اول تجربة لك مع العالم الافتراضي! والحال ان الفأرة كانت مشروعاً سرياً لتكنولوجيا الحقيقة الافتراضية. إذن، حمل الجزء الاول من افلام الاخوة واشوسكي رؤية متشائمة، ولكنها عميقة، عن عالم الكومبيوتر. ولهذا انشدت اليه ملايين الشبيبة في العالم. ثم جاء الجزء الثاني. واكتفى "ماتريكس" بتطوير المؤثرات البصرية ومشاهد الحركة، من دون اي تطوير في الرؤية عن العلاقة بين الانسان والتكنولوجيا. ولم يحقق الجزء الثاني نجاحاً كاسحاً كالاول. وتابع الجزء الثالث خط الانحدار نفسه...وللكلام بقية.