التعاون يواجه ألتين للتمسك بالصدارة في «آسيا 2»    الجبلين يتغلّب على نيوم بهدف في دوري يلو    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة    «التعليم»: تدريس اللغة الصينية بما يعادل مدة الابتعاث    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    عن العرب الإسرائيليين    ازدهار متجدد    5.7% زيادة بالأرباح الموزعة لأرامكو السعودية    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    الفحوصات الطبية تحدد موقف لودي من لقاء الاتفاق    «مطار القدّيّة»    9146 ريالا زيادة سنوية بنصيب الفرد من الناتج المحلي    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    تبكي الأطلال صارن خارباتي    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    أمير الشرقية يستعرض استراتيجية محمية الملك عبدالعزيز    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    إلزام TikTok بحماية القاصرين    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    أداة لنقل الملفات بين أندرويد وآيفون    الاحتلال يواصل قصف المستشفيات شمال قطاع غزة    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    همسات في آذان بعض الأزواج    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    كلمات تُعيد الروح    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما تتحدث الامبراطوريات
نشر في الحياة يوم 18 - 11 - 2003

في الطريق الى خطاب الرئيس جورج بوش الابن أخيراً عن الرؤيا الأميركية الجديدة في الشرق الاوسط وفي العالم 6-11-2003 كان كوندوليزا رايس مستشارة بوش للأمن القومي في مقدمة من دقوا الطبول للخطاب الوشيك، باعتباره برنامج العمل الأميركي القادم واهميته الحاسمة في تحديد معالم الطريق - طريق أميركا الى الشرق الأوسط أو الشرق الأوسط الى أميركا... لا يهم.
من قبيل الرياضة الذهنية - بيني وبين نفسي - تصورت أن الرئيس بوش لا بد أنه... ضمن استعداده للخطاب الوشيك، سيقرأ أو يعيد قرأة بعض الكتب البارزة في شموليتها وتحليلها لمسار الامبراطوريات عبر التاريخ.
يقرأ مثلا دراسة أرنولد توينبي عن "العالم والغرب". أو كتاب بول كينيدي عن ارتفاع وسقوط القوى العظمى. أو كتاب "امبراطورية: ارتفاع وزوال النظام العالمي البريطاني ودروس قوية كونية". أو كتاب اندرو باسيفيتش بعنوان "امبراطورية أميركية: حقائق ونتائج ديبلوماسية الولايات المتحدة"... و... و...
لكنني سرعان ما طردت الفكرة من ذهني على ضوء حقيقة أن وقت الرئيس الأميركي ضيق بما قد لا يسمح له بقراءة كتب من هذا المستوى، فضلا عن أن الرئيس جورج بوش نفسه سبق له أن أعلن بكل وضوح أنه لا يقرأ الصحف - مجرد الصحف- مكتفياً بموجز المعلومات الذي يعده له مساعده يومياً. ثم ان الرئيس بوش وكل أركان إدارته ينكرون اصلاً مجرد التفكير في امبراطورية أميركية. هم فقط يمثلون الأخيار في مواجهتهم للأشرار باتساع العالم، مهتدين في ذلك برسالة السيد المسيح.
ربما نعود الى السيد المسيح لاحقاً. لكن من حيث وجود امبراطورية أميركية أو عدم وجودها، يكفي أن نتذكر كلمات آرثر شليزنغر - الذي هو مؤرخ أميركي بارز ومحترم - في قوله إنه في اقل القليل فإن "الامبراطورية موجودة فعلا بشكل غير رسمي، فهي قوة عظمى منفردة لديها ممتلكات امبراطورية وقوات مسلحة واساطيل وطائرات وقواعد حربية ونظم عميلة، وكلها منتشرة حول العالم". يضاف الى ذلك ايضا شيوع قناعة في الولايات المتحدة بوجود تقليد أميركي أساسه الحرية الفردية والحكومة التمثيلية واقتصاد السوق، وان كل كل هذا يشكل معا نموذجاً لكل الانسانية بما يسمح للزعماء الاميركيين بتقمص دور الاوصياء على الجنس البشري في مسيرته نحو الكمال. صحيح أن ادارة جورج بوش الحالية أصبحت أكثر الإدارات الأميركية إنقاصاً من الحريات الفردية وانغلاقاً أمام الاعلام الصحيح وحصاراً للمعارضة السياسية، لكن هذا كله يتم تبريره على أساس أن الولايات المتحدة تعرف مصالح الشعب الأميركي بأفضل من مؤسساته المنتخبة خصوصاً والرئيس جورج بوش نفسه وصل الى البيت الابيض بحكم قضائي، رغم حقيقة ان منافسه حصل في التصويت الشعبي على أصوات تفوق ما حصل عليه جورج بوش بنصف مليون صوت.
بالعودة الى رياضتي الذهنية استعداداً للاستماع باهتمام الى خطاب الرئيس جورج بوش في 6/11/2003 هيأت نفسي مقدماً الى عدم الشعور بالمفاجأة من وجود إرهاصات ترجح ان يجيء الخطاب رناناً في الحديث عن رسالة أميركية عظمى بنشر - أو فرض - الديموقراطية على منطقة الشرق الاوسط بأسرها خصوصا بعد احتلال أميركا للعراق، وبتلك الصفة اصبحت الامبراطورية مسموعة داخل بيوتنا ومرئية عبر شاشاتنا. وفي الطريق الى تلك الحقيقة الجغرافية السياسية الاستراتيجية الجديدة لم تعبأ الولايات المتحدة بالتشاور الجماعي داخل مجلس الأمن الدولي ولا حتى بالطابع الديموقراطي للجمعية العامة للأمم المتحدة ذاتها، وكليهما - مجلس الأمن والجمعية العامة - كانا اصلاً فكرة أميركية بشرت بها الولايات المتحدة العالم بها في سنة 1945.
مرة أخرى الى الرياضة الذهنية اخترت أن أقرأ - بالأصالة عن نفسي وبالوكالة عن جورج بوش - كتابا حديثا صدر في أميركا اخيراً من 258 صفحة لستيفين كينزر بعنوان "كل رجال الشاه: انقلاب أميركي وجذور ارهاب الشرق الاوسط" أولاً: لأن الكتاب مهم بحد ذاته. ثانياً: لأنه عن ايران التي هي منذ 24 سنة على الأقل في مرمى النيران الأميركية. ثالثا: لان الكتاب يصدر في مناسبة مرور خمسين سنة على الانقلاب الذي دبرته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاعادة شاه ايران الى عرشه في سنة 1953. رابعاً: لأن الانقلاب جرى بالتعاون بين قوة امبراطورية متراجعة هي بريطانيا العظمى، وقوة عالمية بازغة هي الولايات المتحدة، وهما الشريكان في حينها للاستيلاء على ايران، والشريكان اخيراً في احتلال العراق. مع ملاحظة ان معادلة الشراكة ذاتها تغيرت. فبريطانيا اخذت أميركا في ذيلها الى ايران في سنة 1953، بينما أميركا هي التي أخذت بريطانيا في ذيلها الى العراق في 2003، وفي كلتا المرتين كانت الشعارات المرفوعة دعائيا شيء، بينما المصالح الحقيقية غير المعلنة شيء آخر مختلف.
قصة الامبراطورية البريطانية مع البترول قديمة. ونقطة التحول فيها كانت الحرب العالمية الاولى.
حينما تحول الأسطول البريطاني من الفحم الى البترول ولم يعد البترول مجرد سلعة مهمة، ولكنه أصبح سلعة مهمة، واستراتيجية ايضا، وهو ما جعل بريطانيا العظمى في حينها تقوم بتأميم حصة القطاع الخاص البريطاني في شركة البترول البريطانية العاملة في ايران، رغم ان بريطانيا وقتها هي زعيمة الدعوة الى الاقتصاد الحرب والقطاع الخاص والليبرالية واقتصاد السوق... الخ.
مع مطلع سنوات الخمسينات اصبحت شركة البترول "-الأنغلو- ايرانية مملوكة للحكومة البريطانية مباشرة بنسبة واحد وخمسين في المئة وأرباحها تذهب مباشرة الى الخزينة البريطانية. هذا بحد ذاته جعل ايرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا يقول صراحة إنه بغير بترول ايران: "لن يكون لدينا أمل في تحقيق مستوى الحياة الذي نستهدفه في بريطانيا العظمى".
فقد أصبح يوجد متغير جديد، فبالانتخابات الشعبية - المشهود لها في حينها بالنزاهة - اصبح محمد مصدق رئيساً للوزراء في ايران وصدق الشاه على هذا التعيين احساساً بضعفه الشديد - ضعف الشاه وليس مصدق. ومن موقعه هذا، والمساندة الشعبية الكاسحة له، قرر محمد مصدق تأميم شركة البترول الانغلو- ايرانية بعد أن اعتبر ان ما يجري منذ عقود هو سرقة صريحة لبترول ايران، وبسعر أقل من التراب. في المقابل تصرفت بريطانيا على اساس أنها أقامت صناعة البترول في ايران من العدم، وبالتالي فإن بترول ايران هو حق ناجز ومستمر ودائم لها إن لم يكن بحكم الواقع فعلى الأقل لأنها امبراطورية عالمية لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها، وبالتالي فمن حقها ان تأمر فتطاع.
محمد مصدق وحكومته في ايران لم يطيعا فيما اعتبر الشعب الايراني كله أنه يسترد حقاً مسروقاً منه، كما أن محكمة العدل الدولية أقرت أن من حق ايران بالمطلق تأميم النصيب البريطاني في شركة بترول مع التعويض. بريطانيا رفضت وفرضت حصاراً كاملاً ضد صادرات ايران من البترول فأصيب اقتصاد ايران بالشلل، وكذلك اقتصاد بريطانيا.
لحظتها دخلت أميركا على الخط، وبرغبة مشتركة من بريطانيا وايران وإن تكن الدوافع مختلفة تماماً، بريطانيا اكتشفت انها في حاجة الى أميركا، فبرغم شبكة عملائها المحليين داخل ايران وولاء الشاه المطلق لها، إلا أنها عجزت عن خلع محمد مصدق من السلطة. اما مصدق نفسه فقد توسم في أميركا - القوة البازغة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية منتصرة ونصبت نفسها قائداً للعالم الحر وتبشر العالم كله بعصر جديد ستكون فيه نصيرة للحرية والمساواة والشعوب الضعيفة.
كان محمد مصدق صادقاً فعلاً في سعيه الى كسب أميركا، فهو نفسه غربي التعليم علماني التفكير ليبرالي التوجه ديموقراطي العقيدة، وكلهاأوراق اعتماد تدعو لها أميركا الجديدة التي اعلنت نفسها زعيمة لما أسمته "العالم الحر" مما جعل مجلة "تايم" الأميركية تضع صورة محمد مصدق على غلافها في سنة 1951 باعتبارة "رجل العام" تكريماً واحتفالاً. السفير الأميركي في طهران أرسل الى حكومته في واشنطن برقية سرية يقول فيها إن "البريطانيون يبدون مصممين على ممارسة التكتيكات القديمة لإزاحة الحكومة - الإيرانية - من السلطة بالنظر للمصاعب التي يواجهونها معها بينما يحظى مصدق بدعم ومساندة 98 في المئة من الشعب الايراني على الاقل ومن الغباء المطلق إزاحته من السلطة".
على المحك إذن خياران: العدل والحق والليبرالية والديموقراطية في كفة، والبترول في كفة أخرى. بعد تفاصيل وتفاهمات ومساومات على جانبي الاطلنطي وافقت أميركا في عهد هاري ترومان على التدخل، وهي موافقة تأكدت مع مجيء دوايت ايزنهاور خلفاً له في البيت الابيض ومعه الاخوين جون فوستر دالاس وزيرا للخارجية وآلان دالاس مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. الان في سنة 1953 ستقوم أميركا بعمل ما عجزت عنه بريطانيا بمفردها من الاساس: إزاحة مصدق وحكومته من السلطة من خلال انقلاب تنظمه الاستخبارات الأميركية. الرئيس الأميركي ايزنهاور رفض الاطلاع على تلك الخطة السرية من الاستخبارات. لكن فيما بعد تبين انه كتب في يومياته الخاصة عن وقائع الانقلاب انها "بدت بدرجة كبيرة مثل رواية رخيصة عديمة القيمة الادبية بأكثر مما هي حقائق تاريخية".
لكنه، كانت حقائق تاريخية. فمحمد مصدق الرئيس المنتخب للحكومة في ايران، والذي قارنته جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية كمحرر لشعبه بتوماس جيفرسون وتوماس بن. استمر يعول الكثير على أميركا، غير مدرك للتحول الجذري الذي جرى بوصول الأخوين جون وآلان دالاس الى قلب السلطة في واشنطن ليمثلا وقتها "المحافظون الجدد" المهووسون بخطر عالمي اسمه الشيوعية. الفكرة الرائجة الجديدة هي: صحيح ان محمد مصدق ليس شيوعيا، لكن من يدرينا بمن يخلفه؟
الوقائع التاريخية بعدها معروفة، فالبرشوة والعمل السري أمكن للاستخبارات الأميركية خلق فوضى في شوارع طهران، وبعملية محكمة جرى إزاحته وحكومته من السلطة واعادة شاه ايران الهارب الى ايطاليا خوفاً وذعراً، فأصبح من وقتها بالغ الامتنان والطواعية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وخادماً لها فيما يستجد.
لربع قرن بعدها اصبحت الاستخبارات الأميركية هي السلطة الحقيقية الحاكمة في إيران. وفي ذيلها الاستخبارات الاسرائيلية، واصبح شاه ايران هو رجل أميركا في المنطقة خصوصاً ضد عرب الخليج و- بالطبع - اصبحت ايران - الشاه حليفاً أساسياً لإسرائيل.
المؤلف هنا - ونحن الآن في 2003- يذكر قارئه الأميركي بأن الانقلاب في ايران كان للمرة الاولى تقوم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية باسقاط نظام سياسي، وهو ما شجعها سريعاً لتكرار الشيء نفسه في غواتيمالا، حيث "أدت المشاهد المتتابعة للأحداث الى حرب أهلية ومئات الالاف من القتلى، وبعدها خططت لاسقاط أو قتل زعماء أجانب، من كوبا وشيلي الى الكونغو وفيتنام. إن كل واحدة من تلك الأحداث اصبح لها تأثيرات عميقة ما يزال يتأكد صداها الى اليوم. لقد أدى هذا في نهاية المطاف الى قدر ضخم من التعاسة والشقاء، وجعل مناطق كاملة من العالم تشعر بالمرارة العميقة ضد الولايات المتحدة".
المقارنات هنا مذهلة بين "المحافظين الجدد" في طبعتهم المبكرة سنة 1953 وطبعتهم المستجدة في إدارة جورة بوش الابن، الحديث متكرر عن اسقاط النظم بقوة العمل السري أو بقوة الطائرات ومشاة البحرية. الجهل المطبق بطموحات وثقافات شعوب أخرى، في الحالة الايرانية كان محمد مصدق علمانيا وليبراليا وديموقراطيا ومتطلعا الى أميركا مصدقا لما ترفعه من شعارات في الساحة الدولية. كل ما كان يريده هو استرداد حق شعب ايران في بترول ايران. وبالتآمر عليه وعلى حكومته ربما اشترت أميركا لنفسها وقتا اضافيا عبر نظام عميل. لكن ايران في ثورتها الجديدة الكاسحة سنة 1979 اصبحت تريد خلع هذا النظام نفسه مع كل تحالفه الأميركي الإسرائيلي من الجذور. وبقيادة رجال دين في هذه المرة. هناك ايضا الثقة المفرطة فيما تستطيعه القوة، صريحة أو مستترة. وهناك كذلك تغليف هذا كله بشعارات رنانة عن الحرية والديموقراطية، بمثل ما فعل جورج بوش في خطابه الأخير 6/11/2003.
في خطابه الأخير هذا دعوة تبشيرية كبرى عنوانها: تصميم أميركا على نشر الديموقراطية في الشرق الاوسط. كلمات جميلة بحد ذاتها ولازمة بشدة للشعراء. فقط عندنا هنا مشكلتان. أولاً: ان السياسات الدولية ليست صناعة الشعراء. ثانياً: من يرتدي قميص الشاعر هنا هو تحديدا رئيس أميركي محدد احتل لتوه بلدا عربيا مهماً، ويرى أنه شخصياً رسول السماء لهداية البشرية.
هذا يذكرني برئيس أميركي آخر اسمه ويليام ماكينلي، الذي أمر بغزو الفيليبين في سنة 1898، وحتى لا يتهمه آخرون بالسلوك الامبراطوري في احتلال أراضي الدول الأخرى، وقف ليخطب في شعبه علناً ويقول: نحن لم نذهب الى الفيليبين بهدف احتلالها. لكن المسألة أن السيد المسيح زارني في المنام وطلب مني ان نتصرف كأميركيين ونذهب الى الفيليبين لكي نجعل شعبها يتمتع بالحضارة".
حسناً، كل ما "تمتع" به شعب الفيليبين بعدها هو 48 سنة من الاحتلال الأميركي المباشر، مع ان الفيليبين لم يكن لديها بترول.
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.