قال رئيس حركة الإصلاح الوطني الشيخ عبدالله جاب الله ان دوائر الحكم في الجزائر تريد من وراء الصراع بين الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء السابق علي بن فليس حالياً رهن الجزائريين بهذين الاسمين وبرمجة الذاكرة الشعبية عليهما، حتى يذهب المواطن إلى صندوق الاقتراع للانتخابات الرئاسية المقبلة وليس في ذاكرته إلا أحدهما. وطالب جاب الله في مقابلة مع "الحياة" الرئيس بوتفليقة بإنهاء مهمات كل من وزير الداخلية يزيد زرهوني ووزير العدل الطيب بلعيز ووقف كل المناقلات في الأجهزة التي لها صلة بتنظيم الانتخابات لضمان الشفافية في الاستحقاق الرئاسي. وفي ما يأتي نص الحوار: كيف تقوّمون المشهد السياسي الراهن في ضوء الصراع حول الاستحقاق الرئاسي المقبل؟ - الصراع السياسي الذي تشهده الساحة في الجزائر حالياً يراد من ورائه برمجة الذاكرة الشعبية من خلال التكرار والتشديد على اثنين لا ثالث لهما حتى يذهب المواطن إلى صندوق الاقتراع لرئاسيات 2004 وليس في ذاكرته إلا أحد الاثنين، لذلك ينبغي تحذير الناس من هذه البرمجة الماكرة، وهذا ما تريد فعله حركة الإصلاح الوطني من خلال برمجتها لتجمعات شعبية في غالبية ولايات الوطن. ونعتقد ان التململ الواسع لدى الشرائح المختلفة بسبب ازدياد شدة الفقر والبطالة وتفاقم أزمة السكن والخدمات الاجتماعية المختلفة يفرض التعجيل الفوري بالإصلاح، وعلى رأس ذلك ذهاب هذه السلطة التي قطع الشعب ثقته بها. ومن أمثلة ذلك إضراب شامل غير مسبوق لقطاع التعليم الثانوي والتقني، وهو مرجح أن يعم قطاع التعليم كله وبخاصة مرحلة التعليم الأساسي. ولا ترد السلطة على هذا الوضع الكارثي إلا باللامبالاة وتهديد الأساتذة المضربين بالفصل من العمل. هل تعتقدون بأن الظروف ملائمة للدخول في انتخابات رئاسية شفافة ونظيفة؟ - الدين والعقل لا يقران حتى في أحلك الظروف التي تمر بها الأمة أن تكون السلطة من غير اختيار الشعب، ولا يخولان للحاكم وحاشيته التصرف في المال العام تصرف المالك، ولا يسمحان بأي فسحة في مجال تمديد فترة الاقتراع، إنما يلجأ إلى هذا الاختيار أولئك الذين يدركون أن الشعب سيرميهم في مزبلة التاريخ، وأن كل تعجيل بانتخابات نزيهة ونظيفة وشفافة إنما هو تعجيل بأفول طوالع سعودهم وانكسار شوكتهم وذهاب ريحهم، فالشعب بالنسبة إليهم طفل، إذا اختار فإنه سيئ الاختيار ولا بد من مسخ فطرة هذا الطفل وجعله يشب كافراً بدعاة الأمة وبدينه ولغته وتاريخه فجربوا معه ذلك في انقلاب 1992 فخاب ظنهم بعد تلك السنين الحمر، وخَيَّبَ الشعب ظنهم في أول عملية اقتراع بعد الانقلاب على نتائج 1991 التاريخية فعمدوا إلى التزوير ثم خيب ظنهم في رئاسيات 1999 عندما انسحب وقاطع الانتخابات بعد انسحاب الستة المرشحين فكانت المشاركة تراوح بين 20 و23 في المئة، ثم خيب ظنهم في تشريعيات 2002 على رغم ما شابها من تزوير وأدت إلى تبوؤ حركة الإصلاح الوطني المرتبة الثانية رسميا من حيث الشعبية، ولو كانت الانتخابات نزيهة لحزنا المرتبة الأولى من دون نزاع، وها هي فلولهم تطالب اليوم بمرحلة انتقالية أخرى وبإقصاء الإسلاميين من الساحة حتى يخلو لهم وجه السلطة. بناءً على ما ذكرت، فهل يجوز بناء على هذا التحليل تأخير مداواة المريض مرضاً خطيراً باسم عذر من الأعذار؟ وهل هناك أمراض أخطر على الأمة من مرض احتكار السلطة والوصول إليها بالتزوير؟ ثم انه لا يخفى على أي عارف بطبيعة الديموقراطية وأهميتها إدراك أن الانتخابات مناسبة لتبرهن الإدارة على مدى وعيها بالمتطلبات الديموقراطية وحقيقة الثمن الذي يتعين على كل فرد وكل فئة أن تقدمه للوصول إلى نظام حكم يكون فيه للجميع الحق في المشاركة، كما أنها مناسبة لإقامة مؤسسات دستورية مستقرة قادرة على حيازة ثقة الأمة وتكريس الثقافة الديموقراطية في التعامل السياسي والحزبي وفي الصراع الثقافي والفكري. أما قراءتي للظروف وهل هي ملائمة أم غير ملائمة، فإن ما تحتاج إليه الانتخابات المقبلة هو توفير شروط وضمانات نزاهتها وفي مقدمها التصديق على مشروع قانون تعديل الانتخابات المقدم من حركة الإصلاح الوطني، وذهاب وزيري الداخلية والعدل اللذين يسهران على تنظيم الانتخابات، وعبرا باستمرار عن تحيزهما الى الرئيس المرشح، والتوقف عن تنفيذ التغيير في الأجهزة والمرافق المكلفة السهر على تنظيم الانتخابات، وهو تغيير، كما تذهب قراءات كثير من المحللين وكثير من الصحف، لمصلحة الرئيس المرشح. تحدث الفريق محمد العماري عن "ضمانات" بحياد المؤسسة العسكرية في الاستحقاقات المقبلة وأكد أنه يرحب برئيس جديد ينتخبه الشعب حتى وإن كان الشيخ عبدالله جاب الله. هل تعتقدون أن الجيش سيكون في الحياد على خلاف سنة 1999؟ - نحن نثمن هذه الضمانات وهذا التصريح كما نثمن تصريحه بأنه مع إلغاء اقتراع العسكر داخل الثكنات. لكن الذين يريدون دائماً خلط الأوراق باسم العسكر يقولون لنا بخصوص مشروع تعديل قانون الانتخابات الذي تقدمت به حركة الإصلاح الوطني ان لا حق لكم في هذا الأمر وما عليكم إلا أن تستشيروا الجيش، وهو موقف غريب جاء به وزير الداخلية. قال الجيش كلمته على لسان مسؤوله الأول ويريد وزير الداخلية أن يجعله دولة داخل الدولة وأن يفرغ المجلس الشعبي الوطني من محتواه. أما في ما يتعلق بذكر اسمي شخصياً فهو بحسب قراءتي رد على الاستئصاليين الذين يصنفون حركة الإصلاح الوطني في خانة الخطر المحدق بمصالحهم وامتيازاتهم. ويكون الجيش من خلال هذا التصريح حفظ الدرس جيداً من التجارب الماضية، وأنه لا يكون في خدمة أحد ما دامت مصالحه الحيوية الهادفة لخدمة البلاد محمية بقوة القانون سواء في خلال حكم هذا أو في ظل حكم ذاك. هذه من القراءات الموجودة، ولعلها أوفق القراءات وأقربها إلى ذهنية جيش يملك من التجارب المرة التي كانت تطبيقاً لنصائح الاستئصاليين ما لا يملكه غيره، وأملي أن يظل هذا الموقف ثابتاً وأن يراه الشعب الجزائري مجسداً في الرئاسيات المقبلة. يرجح الكثير من الأوساط السياسية والحزبية أن تعلنوا ترشحكم للرئاسيات. في تقديركم ما هي أبرز التحديات التي تواجه الجزائر بعد نيسان أبريل 2004؟ - أمر إعلان الترشح لم يحن أوانه بعد وهو ليس من أولويات عملنا، لأن الأولوية تكمن في البرنامج العريض الذي سطرته الحركة قبل موعد الرئاسيات وعلى رأسه إعادة بناء او هيكلة الحركة بما يحقق نوعاً من التوازن بين الانتشار السياسي الواسع الذي تحقق لها وجعل منها القوة السياسية الثانية رسميا وبين بنائها التنظيمي، وعزمت على أن ترفع عدد المنتسبين اليها إلى 200 ألف مناضل خلال السنة الجارية، وهي ماضية في تحقيق ذلك بخطوات ثابتة وناجحة، وإن كانت الحركة لم تقرر بعد أمر المشاركة بصفة نهائية، الامر الذي يدعو إلى تأجيل الحديث عن موضوع التحديات الكبرى التي يجب رفعها لأنها متعلقة بطريقة أو بأخرى بالخطوط العريضة للبرنامج، اذ يمكن القول ان محاربة الاستبداد السياسي والاستغلال المالي والاحتكار التجاري والرشوة والبيروقراطية ومعالجة الوضع الأمني معالجة نهائية لا تزال تشكل الشغل الشاغل لدى عموم الأمة، لأن إقامة الشرعية وتحقيق العدل في الحكم وأداء الأمانات إلى أهلها وإشاعة الأمن الشامل للأفراد والجماعات والمؤسسات هو المقدمة الأساس لضمان النجاح في تحقيق أهداف استراتيجية الإصلاح الاقتصادي والتربوي والإعلامي والنقابي" وهذه المسائل هي الجوانب الكبرى التي ينبغي الالتفات إليها. يؤكد الكثير من الأوساط أنكم تعدون، في الوقت الراهن، أبرز المرشحين في التيار الإسلامي للمنافسة على منصب رئاسة الجمهورية، ما هي أبرز أولوياتكم خلال الرئاسيات المقبلة؟ وهل تعملون حالياً لتوحيد أصوات التيار الإسلامي؟ - أجبت في ما سبق عن أولويات الحركة، أما كوننا أبرز المرشحين في التيار الإسلامي لمنصب رئاسة الجمهورية فذلك أمر يفصل فيه الشعب إن ترشحت، وأما السعي الى توحيد التيار الإسلامي فنحن نسعى مع كل التيارات التي نتقاسم معها كثيراً من الرؤى والقناعات إلى الحوار والتكامل، وأثبتت الأيام أن التعدد النوعي ثراء ومتنفس مريح للأمة إذا عرف أصحاب هذا التعدد كيف يوحدون رؤاهم في المراحل الحاسمة وكيف يقطعون الطريق أمام الذين توحدهم المصالح الضيقة في تلك المراحل الحاسمة ليصلوا إلى السلطة على حسابنا ومن بعدها يتقاسمون المغانم والغنائم ويديرون ظهورهم للأمة، فما وصل هؤلاء إلى ما يريدون إلا من تفرقنا وما قويت شوكتهم إلا من تمزقنا. تثير أوساط حزبية من حين الى آخر مخاوف من هيمنة المرشح أحمد طالب الإبراهيمي على أصوات الوعاء الانتخابي الإسلامي باعتباره يلقى دعم الفاعليات الإسلامية. هل تعتقدون بوجود تأثير سياسي وانتخابي للإفراج عن قادة جبهة الإنقاذ المنحلة على المشهد السياسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ - نحن القوة السياسية الثانية رسمياً بعد التزوير الذي طرأ والقوة الشعبية الأولى إن شاء الله من خلال عمليات سبر الآراء التي قامت بها دوائر عدة في السلطة وغيرها، ونرحب بكل منافسة نزيهة ولا نخاف من هذا الجانب على الإطلاق، بل ما يخيفنا هو التزوير فقط ولا شيء غير التزوير، فالتنافس نحبذه ونعده من أبرز عوامل نجاح العملية الانتخابية. أما الإفراج عن قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ الأخوين عباسي مدني وعلي بلحاج فلا فضل فيه لأحد لأنهما استكملا مدة عقوبتهما 12 سنة وإن كان في نية البعض ذلك قصد التشويش والبلبلة على الوعاء الانتخابي الإسلامي الذي تحوزه الحركة التي تؤكد أن المواقف والتاريخ المشهود للرجال هي المؤثرة في الشعب ولا تؤثر فيه تزكية أطراف محسوبة على التيار الإسلامي لهذا الطرف أو ذاك.