من الدين مصدراً للأخلاق وعلاقة الإيمان والعقل الى علاقة رجل حسن بشابة في عمر ابنته. هبوط في الموضوع؟ نجوى بركات الشابة تهجس بدور الدين ومعناه في العالم المعاصر في "لغة السر"، وعبدالسلام العجيلي المولوV في 1918 يستسلم للحلم المستحيل باستعادة الشباب في "حب أول وحب أخير، سعاد وسعيد" الصادرة عن دار رياض الريس، بيروت. يخاطبنا الاقتراب من نهاية العمر كما يفعل الدين لكن الهاجس لا يتحرر من إطار العادي في قصة العجيلي. كتابه قصتان طويلتان، الأولى عن "مبدع مفكر" لا نعرف عمله بالضبط وإن كان يلقي محاضرات ودراسات أدبية جادة، وكان الحب "هو الشعلة التي أضاء بها لقرائه المعجبين طريق المتعة السامية والتفكير السليم" وفق الشاعرة الشابة التي تحبه ص 38. في "حب أول حب أخير" صوتان للمفكر والشاعرة اللذين يقدمان قصة شبيهة بلوليتا وقد بلغت ضعف عمرها. على أن الشابة المتزوجة والأم لطفلين لا تدمر الرجل بل تريد احياءه كأنها تنشد الجائزة الكبرى للملهمة المعطاء. لا نعرف عمر "المبدع المفكر" لكننا نهتدي بقول طبيبه انه يدخن منذ خمسين عاماً لكنه يبدو ابن ستين. نفهم عشقه ولا نفهم حبها، ولا يلقي المؤلف ضوءاً على عاطفتها الغريبة تتجاوز الحجج التي توردها ولا تتعدى المجاملات أو الكلام المبتذل. تقول الشاعرة التي لا اسم لها انه حبها الأول وترغب في أن تكون حبه الأخير. القارئ وحده يستغرب "العلاقة" التي تبدو طبيعية لكليهما وتضعف بالتالي. يحدث طبعاً ان يتزوج رجل في آخر ستيناته او أول سبعيناته امرأة في الثلاثين في صفقة تبادل الشباب بالمال. ان تحب امرأة في الثلاثين مثل هذا الرجل موضوع قصصي بامتياز، لكن أين الأدب في "حب أول حب أخير"؟ التعبيران اللغوي والعاطفي عاديان وكلاهما يتناول العلاقة كأنها تحدث في فراغ اجتماعي ونفسي بعيداً من الآخرين. لا تهتم هي بأسرتها ولا يفكر هو بمنزلته ولا يتأزم أي منهما من الخيانة التي تدور في منزل كليهما. لا ذكر لكلمة "خيانة" أصلاً في القصة كلها، ويروي "العاشقان" تدرج العلاقة بشكل عادي يتجاهل للأسف جوانبها القاتمة الغريبة. يذكر الموت مرتين ربما بشكل سريع، ولا يشار اليه حتى ضمناً في استكشاف اسرار العلاقة والمشاعر. تقول انها أحبته بعد مرحلة اعجاب بأعماله الأدبية، وانها رغبت في أن يعجبه شعرها لكنه ظل "يتغزل بمفاتني... بأسلوب والد فخور بجمال ابنته" ص 16. نرجسيتها واضحة، وكلمة "مفاتن" تتردد بلا خجل أو تحفظ، وإذا شئت البقاء في الجو العادي اليومي للقصة شككت في نفعيتها ولهوها، البريء أو الماكر، في استدراج المسن المسكين الى لعبتها. تريده أن يكتب مقدمة لديوانها ويفعل وتشاركه في أمسية فتكاد تطير من الفرح ص 19 وترتفع "درجات الى السماء" ص 21. يصارحنا انه "ليس شديد الاعجاب بالشعر الحديث الذي تنظمه "غير انه يجد ما تقرأه هي بصوتها من هذه القصائد جميلاً" ص 12. تقول انه شاب في عينيها وإذ يسألها عن زوجها توضح ان "فحولته" ترضيها لكنها تبحث عن الرجولة و"أنت الرجل" ص 27. لا تنقصه النرجسية وتضليل الذات، فهو يستغرب اعجاب الجنسين به ولا يحتمل اعجاب النساء عندما يصبح عاطفياً! لكن تمييزها بين فحولة زوجها ورجولته تعجبه وان بقيت غامضة للقارئ. يقرر انها "أنضج مما كنت أقدّر" ويذكرها بقول الكاتب الايطالي البرتو مورافي ان لا حب بلا جنس. تبدو الشابة كأنها تجد رسالتها في الحياة عندما تعزم على اعادة الرجل الذي تحبه الى "الحياة بعد أن نفض منها يده يائساً قبل الأوان" ص 37. مكافأتها حب الرجل العظيم أو سلطتها عليه؟ لا بأس من كليهما، فهي تملي إرادتها عليه في لقاءاتها وتشعر بالغبطة والرضى عندما تنجح في مهمتها وان قاومت رغبته المتصاعدة مرتين وخضعت لفارق العمر بين الاثنين. أجلسته الى جانبها وتحولت "طفلة كل ما ترغب فيه وتحن اليه هو أن تلقي برأسها على صدره" ص 41. تتجاهل جسد المسن بثناياه ورخاوته وترهله وتستغرب توقفه خوفاً من الخطر على حياته الذي حذره منه "طبيب سخيف". بعد موته نكتشف انه خاف عليها لا على نفسه، إذ خشي أن يتسبب لها بفضيحة إذا توفي وهما معاً. هذا التعقل ذروة العادية في القصة التي تحاكي الحياة عندما يفترض فيها ان تبتكر وتتجاهلها عندما نتوقع منها ان تعترف باستثنائها. كان يمكن الاستفادة من انجذاب الداني من آخر العمر الى نقيضه، واختلاط المشاعر تجاهه بين الأبوة والرغبة وأثر ذلك في سلوكه. نبقى بدلاً من ذلك وسط الإطار نفسه من تجاهل الآخرين والفوارق وحصر الموقف بين فردين يعيشان عالماً نسج وفق قياسهما ورغباتهما. يضحكنا رد فعل الشابة الجاهل النرجسي: "هل ترفض جسدي الذي أقدمه لك وترفض مفاتنه التي ألقيها بين يديك،؟ أم تعني انك عاجز عن ممارسة الجنس معي؟" ص 55. جوابه لا يقل طرافة، فهو ارتوى من جسدها واكتفى بولعه بجمال روحها وصفاء نفسها. لا قلق نهاية العمر أو استعادة الماضي والرغبة في العودة اليه بل تهويمات مراهقة يغطيها التظاهر بالتسامي ونهاية عادية يغيب عنه الأدب. يتوقف عبدالسلام العجيلي عند الجانب الحسي بتفصيل جريء أحياناً، لكن اللغة مألوفة مكرورة. فالقبلة محمومة والشفتان ممتلئتان وهو يلتهم شفتيها بشفتيه ودمه يغلي في عروقه. يغيب الخارج تماماً واسماهما واسم بلدتها البعيدة في حين تحضر اسماء الآخرين بمن فيهم حفيده. "سعاد وسعيد" تعيد تشكيل قصة من "ألف ليلة وليلة" يتحكم فيها السحر بعواطف فتاة. سعاد موظفة في مصرف في دمشق تلتقي زميلاً من فرع المصرف في قرية بعيدة وتتصرف باستقلال واكتفاء كأن لا حاجة بها الى رجل. يركز العجيلي على دور والدتها، الساحرة العصرية، في جمعهما، لكن سعاد هي التي تبادر دائماً وتتذرع برغبتها في ارضاء أمها. نقرأ في الصفحة 125 ان التحليل النفسي في الغرب يقابله السحر عندنا، ومن غير قادم من القرية يلبي نداء السحر البدائي؟