الكتاب: رجولات متخيلة الاشراف: مي غصوب وإما سنكلير - ويب الناشر: دار الساقي - لندن 2000. لم يكن مستغرباً أن ينقسم هذا الكتاب النقدي الى ثلاثة أقسام. فمقالات القسم الأول تشكل نصفه وتدور حول "صنع الرجال: المؤسسات والممارسات الاجتماعية". من هذه الممارسات التي "تصنع الرجال" تتناول مقالتان موضوع الختان عند كل من المسلمين واليهود، ومقالة الانتفاضة الفلسطينية، وتدرس مقالتان المؤسسات العسكرية في تركيا واسرائيل. في مقالة الختان عند المسلمين عرض شيّق لعبدالوهاب بوهديبة يتناول فيه الباحث التونسي أصول الختان وتاريخه، ويصف وصفاً حياً طقوسه وتقاليده في بلاد المغرب والشرق الأوسط. وإزاء ما يقترن بالختان من آلام نفسية وأخطار جسدية يتساءل الباحث التونسي عن دلالة الختان في نظر الاسلام، ما دام الفقه لا يوجبه، ولو أنه يشجعه. فبعد أن يعرض لتاريخ الختان عند اليهود ولدلالته الرمزية والدينية، يستنتج ان للختان لدى المسلمين دلالة اجتماعية في الدرجة الأولى، أي انه دلالة انتماء الصبي الى جماعة المسلمين والى دخوله عالم البالغين وإعداده لتحمل مسؤولياته. ثم يجري الباحث مقارنة طريفة بين طقوس الختان وطقوس الزواج ليبين ان للختان دلالة جنسية أيضاً. أما مقالة الاميركية جولي بيتيت فتصف وصفاً مفصلاً ومؤثراً جداً مختلف أنواع التعذيب والاذلال والعنف التي تمارسها السلطات الاسرائيلية على الشعب العربي في فلسطين. وتبيّن كيف ان هذا كله يحوّل الشاب في نظر نفسه وفي نظر المجتمع الى رجل قيادي ذي نفوذ. والطريف في مقالتها انها أظهرت كيف قلبت الانتفاضة العلاقات بين الطبقات الاجتماعية والأجيال، إذ تحوّلت القيادة الى شبان المخيمات والقرى والأحياء الشعبية الذين تتفاوت أعمارهم بين العشر سنوات والعشرين، فيما ضؤلت سلطة الجيل الأكبر ومكانته. الا ان الاسرائيليين بدأوا يستخدمون اعتداءات جنسية في تعذيبهم كي يحرموا الشاب الاعتزاز برجولته. وفي ختام المقالة تجري الباحثة مقارنة طريفة بين الشبان والبنات في هذا المضمار. ففيما يكون العنف الممارس على الشاب شهادة على رجولته، يكون العنف الممارس على الفتاة فقط دلالة على مساواة اسمية في المواطنية. وكثيراً ما تصبح النساء ضحيات عنف يمارسه عليهن الرجال الذين كانوا ضحايا التعذيب في السجون الاسرائيلية. المقالتان الثالثة والخامسة في هذا القسم تتعرضان للمؤسسة العسكرية في كل من تركيا واسرائيل، مظهرتين العلاقة بينها وبين مفهوم الرجولة في البلدين. تبيّن ايما سينكلير - ويب ان المفهوم الذكوري الذي تعززه المؤسسة العسكرية في تركيا هو ان الجندي أفضل من جميع المواطنين. وبما ان اتمام الخدمة العسكرية اجبارية لكل الذكور قبل أن يستطيع الشاب نيل وظيفة أو حتى الزواج، يتضح ان رجولته لا تكتمل الا بعد هذه الخدمة. أما الذي يعترض على الخدمة العسكرية أو يناهض العنف والحروب، فتُنزل به عقوبات شديدة وكأنه يتحدى بذلك مفهوم الرجولة. وتتبع مقالتها لشهادة أحد الجنود الأتراك الذي يبين التسلط والعنف والقمع والاذلال الذي يمارس على الجنود العاديين من رؤسائهم. كذلك يبين الباحث الاسرائيلي داني كابلان ان المؤسسة العسكرية في اسرائيل تحدد الرجولة بالقوة الجسدية والقدرة الجنسية والعنف والقسوة. وقد تحققت هذه الرجولة في استيطان الأراضي الفلسطينية، في الدفاع عن النفس وفي القوة العسكرية. وحين يصف الاسرائيليون التصرف "الرجولي" يقارنونه بنقيضه، أي بالأنوثة والمثلية والعدو العربي. والنساء في الجيش الاسرائيلي يقصين عن المعارك. فالاشتراك في المعارك هو أهم أدوار الجندي وأكثرها قيمة لأن ذلك يجعله يتصرف بحسب قيم الرجولة الاسرائيلية، ومنها ان يفقد الاحساس بانسانية الآخر، أي الفلسطيني. أما القسم الثاني من الكتاب فيتناول "المتخيل الرجولي: قصصه، صوره ورموزه". تعنى هذه المقالات بقصص الرجولة وصورها كما تبدو في الأفلام والروايات والحكايات الشعبية والصحف. ويتجلى هنا ان مفهوم الرجولة غالباً ما يتحدد نظراً الى صفات غير مرغوب فيها، وبالدرجة الأولى، صفات تُعتبر من مميزات الأنوثة. فيشغلها ما يُعتبر من "طبيعة" النساء، جنسانيتهن، كيدهن وحيلهن ضد الرجال. من هذا المنظار تقرأ الباحثة الايرانية افسانه نجمبادي قصص "مكر النساء على انها قصص عن الرجولة". قصص مكرالنساء وكيدهن كثيرة جداً في الأدب الاسلامي، العربي والايراني. وتدور حول شهوة المرأة الجنسية التي لا حدّ لها. وفي تأويل طريف لهذه القصص تبيّن الباحثة انها في الثقافة الاسلامية تعادل قصة أوديب. فالولد في الشرق الأوسط ينشأ في عالم النساء، إن في البيت أو في الحي أو في الحفلات أو في الحمام، وحين يبلغ يطرد من هذا العالم الى عالم الرجال. ولكي يصبح رجلاً عليه أن يثبت تخلصه من كل ما يمتّ الى عالم النساء بصلة، بل ان يظهر احتقاره وأحياناً عداءه لهذا العالم. على ضوء ذلك تحلل بعض القصص. وفي نظرها ان "شهرزاد"، الأم والحبيبة التي تبدو امرأة طيبة ومخلصة لا تقص إلا قصصاً تصوّر كيد النساء ومكرهن. وترى الباحثة ان مكر الرجال ابتدع هذه القصص فجعلوا من شهرزاد وسيلة لتأسيس مجتمع ذكوري، ليبيّنوا ان المرأة الوحيدة التي يمكن أن تؤتمن كزوجة هي المرأة المتواطئة التي تكرر قصص كيد النساء. أما "المثلية الذكورية في الأدب العربي الحديث" فيتناولها فريدريك لاغرانج ويستنتج ان المثلية الذكورية في هذا الأدب تصور اما على انها مرض يصاب به الرجال نتيجة الفصل التام بين الجنسين، ويستشهد على ذلك بشخصيات من بعض روايات نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وسواهما. أو ان تكون هذه المثلية رغبة خاصة، وأفضل من صورها وبيّن الصراع في نفسية هؤلاء سعدالله ونوس في رائعته المسرحية "طقوس الاشارات والتحولات". ولكن "حجر الضحك" لهدى بركات هي الرواية العربية الأولى يكون بطلها مثلياً. أما النوع الثالث من المثليين فوجدهم، مثلاً، في "الخبز الحافي" لمحمد شكري وغيرها من الروايات، وفيها يكون اللواطي اجنبياً يستغل فقر الولد العربي. ويرى الباحث ان من الطبيعي أن تتحول الصدمة التي أحدثتها المواجهة مع الغرب الى ميدان الجنس، فيرمز الى السيطرة والخضوع بواسطة الجنس. وينهي الباحث مقالته بالتساول عن الأسباب التي جعلت الأدب العربي الحديث يتجنب موضوع المثلية الجنسية الى حد بعيد، بعد أن كان شائعاً في الأدب القديم. مقالة والتر ارمبراست تتناول السينما العربية وعنوانها "فريد شوقي: فتوة، رب أسرة ونجماً سينمائياً". وخلالها يتابع تطور أدوار هذا الممثل من "وحش الشاشة" حيث يقوم بأدوار أناس منحطين أو مجرمين، الى ادوار ايجابية في افلام اجتماعية واقعية وقومية ألفها وأنتجها بعد أن تزوج من هدى سلطان وأسس معها شركة "أفلام العهد الجديد". ويبيّن الكاتب كيف أسهمت الصحف في تعزيز نجومية فريد شوقي اذ قدمته كرجل من الطبقة الوسطى، عصري، متزن، دمث الأخلاق، وأب وزوج محب يعامل زوجه على قدم مساواة. أما مقالة مي غصوب "مخاوف الرجال والاعلام العربي" فتنطلق من الخبر الذي روته احدى الصحف المصرية عام 1996 عن علكة صدّرها الى مصر الاسرائيليون وتثير لدى النساء رغبة جنسية لا حدّ لها وتسبب في الرجال عقماً جنسياً. فتحلل الأديبة دلالة هذه الاشاعة في ما يتعلق بمخاوف الرجال واحساسهم بهويتهم. وتورد أسماء الكتب العربية الكلاسيكية التي تناولت موضوع الجنس، مثل "الروض العاطر في نزهة الخاطر" وغيره. فتحت بتأثير متخيل الرجال الذين ألفوها تدعي هذه الكتب ان من المستحيل إشباع رغبة النساء الجنسية، مثلها مثل اشاعة العلكة. أما الآن وقد خرجت المرأة من البيت، لتعمل وتختلط بالرجال، فلا يمكن أن يتسبب في عقم الرجال ازاء رغبتها اللامحدودة الموهومة الا العدو الاسرائيلي، لا هذا المجتمع الحديث ولا تقصير الرجل. وتبيّن الأديبة كيف وجدت السينما المصرية علاجاً أفضل من اشاعة العلكة لمشكلة الرجولة الحديثة. ففي فيلم "مهمة في تل أبيب" استخدمت نادية الجندي سلطتها الجنسية لتتغلب على العدو الاسرائيلي، فلم تبق سلطة المرأة الجنسية ورغباتها تهدد رجولة الرجل العربي، وانما أصبحت مصدر سلطة يشترك فيها المصريون والمصريات على السواء. ففي هذه الأمثلة من الاعلام العربي ترى الكاتبة بحثاً فوضوياً لتحديد الرجولة الحديثة. "رجولة صدام حسين" موضوع المقالة الأخيرة، وفيها يكتب حازم صاغية عن "صدام، الرجولة والصورة الوحيدة". يستعرض الكاتب تماثيل الرئيس العراقي وصوره الكثيرة التي تمثله في مختلف النشاطات. ولكن وعلى رغم تنوعها الا انها جميعاً تؤدي دوراً واحداً: إثارة الرعب في الناظر اليها. كما ان تصرفاته كلها تدور حول فكرة "الذكر" في مفهومه: اختراقه البلاد المجاورة، سيطرته التامة على جيش حديث واسلحة متطورة، صوره في زي عسكري مع عائلته ومع أولاده للايحاء بذكورته التي تحمي الضعفاء، وبأن الرجولة الحقيقية هي السلطة، مع ان سلطته المطلقة لم تحقق سياسياً ما حققته دكتاتوريات اخرى. وينتهي الكاتب الى ان الرئيس العراقي نصب نفسه رمزاً، الا ان كل ما ينتجه ويبدعه مبتذل، سوقي، فظ. ويرافق الرعب الذي ينشره اكتفاء بالذات وحب للذات يحول دون استجابته لرغبات الآخرين وآمالهم، ولا يمكن أن يحقق الاستقرار والطمأنينة في بلد ذي تاريخ سياسي مضطرب. أما القسم الثالث من الكتاب فحول "الذاكرة والهوية الرجولية" وفيه تقترن ذكريات كل من الكتّاب الثلاثة بمعنى مختلف للرجولة. موريس فارحي في "العدس في الجنة" يسترجع بكثير من الحب والحنين مشاعر طفولته وتخيلاته حين كان يرافق الخادمة الى حمام النساء في أنقرة. أما أحمد بيضون فذكرياته تبرز التحول في معنى الرجولة. والده كان زعيماً في قريته وقومه. كان قوي البنية، كريماً، صادقاً، تقياً، ذا مروءة، يشعر ان القيادة من حقه، وصاحب سلطة طاغية. أمل هذا الوالد ان يرث ابنه البكر، أحمد، مكانه في الزعامة، إلا ان الكاتب يصف كل ما حال دون ذلك. أولاً، خجله، ثم ان الوالد نفسه أدرك ان الزمن تغيّر، فأرسل ابنه الى مدارس حديثة، ومنها مسيحية، حيث تفتحت عينا الولد على آفاق جديدة أبعدته كل البعد عن التفكير والنظام التقليديين، مع انه ظل شديد التمسك بهويته العربية ولا سيما لغتها، وعززت فيه الشعور بنفسه كفرد مستقل. فدراسته المتطورة غيّرت معنى الرجولة في نظره، وقللت من سلطة الوالد عليه، إلا أنه أدرك في النهاية صحة ايمان الوالد بأن خبرة الانسان تعلمه ما لا تعلمه المدارس. أما حسن داود، فيصور التغيير الذي طرأ على مفهوم الرجولة من خلال "جناحي الرجولة الثقيلين: الشاربين". يبيّن أهمية الشارب للرجل، فهو "يحلف على شاربيه"، رمز الشرف والنبل. ويستعرض الكاتب التغييرات التي طرأت على شكل الشاربين مع تغيير الموضة. فالشاربان الكثان المعقوفان، مثلاً، كانا في الماضي وقفاً على رجال الجيش أو على زعماء من أسر متنفذة. والى اليوم يرمز بعض الفنانين الى هزيمة العرب برسم رجل ذي شاربين متدليين. ثم بدأ الشبان يعنون بشارب يبرز وسامتهم أكثر من رجولتهم، مع ان الشاب المعاصر يستغني عنه نهائياً. اما الكاتب نفسه فمحتفظ بشاربه الذي اتبع هو أيضاً تغييرات الموضى، لا لأنه "على الموضة"، أو ليبدو وسيماً، وانما لأنه ما تبقى من عادات جيل سابق. مقالات الكتاب تظهر ما أكدته المقدمة من أن الرجولة، كالأنوثة، تنشأ نتيجة عوامل اجتماعية، طبقية وإثنية، اضافة الى خبرة الفرد وصلته بالأهل والأصدقاء والمعارف، وان الرجولة ليست من نوع واحد. وليست قيمة هذا الكتاب فقط في تنوع موضوعاته وطرافتها، وفي المعلومات الكثيرة التي تقدمها، والمقارنات المبتكرة التي تجريها مقالاته، والشعور الانساني الذي يتخللها جميعاً، وانما تكمن قيمته أيضاً في الفكاهة التي تتخلل بعض هذه المقالات. Imagined Masculanities Male Identity and Culture in the Modern Middle East ed. by Mai Ghoussoub & Emma Sinclair- Webb Saqi Books