من يخلف أبو عمار؟ الفريق الطبي الذي زار الرئيس الفلسطيني أخيراً أكد ان صحته جيدة، وأنه لا يشكو من أي مرض يهدد الحياة، فأكثر ما استجد عليه "حصوة" لا تصعب إزالتها. وكان بين الفلسطينيين من علّق قائلاً ان أبو عمار سيدفن الأطباء الذين عاينوه، قبل ان يُقبض. ندعو للرئيس بالصحة والسعادة، ثم نعود الى طرح السؤال عمّن سيخلفه، فهو لن يعمر الى الأبد على رغم انه يعتقد ذلك. النص القانوني واضح، فرئيس المجلس التشريعي يخلف الرئيس، اذا توفي أو تعطل عن أداء مهماته. 60 يوماً ثم تجرى انتخابات لاختيار رئيس جديد، الا ان النص يصطدم بالواقع، فالمجلس التشريعي من دون رئيس، لأن السيد أحمد قريع أبو العلاء عيّن رئيساً للوزراء، واسرائيل لن تسمح باجراء انتخابات، أو قد تحاول التدخل في الاختيار الفلسطيني ما سيمنع اجراء انتخابات. كتبت هذه السطور أمس الجمعة، وكان يفترض ان تجتمع "فتح" مساء السبت لاختيار مرشحها لرئاسة المجلس التشريعي، وسمعت بين الأسماء المتداولة ابراهيم أبو النجا، نائب رئيس المجلس، وروحي فتوح، أمين سر المجلس، وأيضاً عباس زكي، وكلهم وطني غير انه لا يوجد في المجلس التشريعي شخصية بارزة يمكن ان تعتبر خلفاً محتملاً لياسر عرفات. أهم ما في الموضوع عنصر الوقت، فسيناريو الخلافة يختلف كثيراً اذا كنا نتحدث عن تغيير خلال شهرين أو ثلاثة، أو إذا كنا نتحدث عن سنتين الى ثلاث. وعلى المدى البعيد لا أحد يعرف، وأي حديث هو تكهنات لا تزيد على قراءة الطالع. على المدى القصير يبرز اسمان من وسط الزحام هما السيد محمود عباس، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفاروق قدومي عضو اللجنة وأمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح". أبو مازن تضرر كثيراً من تجربته في رئاسة الوزارة، فقد طعن في الظهر والصدر، ما ترك ندوباً نفسية لن تندمل بسهولة. أما أبو اللطف فهو مقيم في الخارج، ولا تبدو عودته والترشيح والتعامل مع الاسرائىليين ميسّرة. الواقع ان اجراء انتخابات رئاسية في ظل الاحتلال الحالي مستحيل بغض النظر عن المرشحين، فاسرائيل دمّرت معظم البنية التحتية للسلطة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك أجهزة الكومبيوتر وقوائم الناخبين، ثم ان الأراضي الفلسطينية مقطّعة الأوصال، ويصعب جمع الناس للإدلاء بأصواتهم، والاشراف على مثل هذه العملية بشكل يطمئن الى نزاهتها. وهكذا فرئيس المجلس التشريعي سيجد نفسه بعد 60 يوماً، وهو لا يزال الرئيس الموقت. الا ان استمراره مخالفة صريحة للدستور، فهو يمنع التمديد للرئيس الموقت. وتظل مراكز القرار الفلسطيني في ظل هذا الوضع المجلس الوطني، أعلى سلطة دستورية ويضم أكثر من 600 عضو، والمجلس المركزي وفيه نحو 160 عضواً ويعمل كحلقة وصل ويجتمع في غياب المجلس الوطني، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو الحركة الأم، واللجنة المركزية ل"فتح". وثمة صلاحيات متضاربة، أو متكررة، وأبو اللطف وزير خارجية دولة فلسطين بقرار من المجلس الوطني، أما نبيل شعث فوزير الشؤون الخارجية للسلطة الوطنية. اليوم تتمتع اللجنة المركزية ل"فتح" بنفوذ كبير، فهي تختار رئيس الوزراء، وأيضاً وزير الداخلية وهما يجب ان يكونا من أعضائها، الا ان الواقع ان أبو عمار قرّر ان تختار اللجنة المرشحين لهذين المنصبين، ونفوذ اللجنة بالتالي مستمد من نفوذه، فاذا راح يضعف نفوذ اللجنة المركزية تلقائياً. ولعلّ الصعوبة الأكبر هي التوفيق بين الداخل والخارج، فقد ينشأ وضع أساسه منصبان، واحد في الخارج، والآخر في الداخل، وقد تقوم منافسة بينهما، لذلك يجب على الفلسطينيين منع قيام مثل هذا الوضع من البداية. ربما كانت النقطة الايجابية الوحيدة في الوضع القائم ان اسرائيل والولاياتالمتحدة لا يملكان أي تأثير في القرار الفلسطيني. وهما حاولتا في موضوع رئيس الوزراء وفشلتا، ولا يبدو ان عندهما من عناصر التأثير شيء جديد، بل يبقى الوضع القديم، فأي مرشح أو طرف تؤيده الولاياتالمتحدة، ناهيك عن اسرائيل، يحترق فوراً ويخسر كل إمكانات النجاح بين الفلسطينيين. وفي جميع الأحوال، فاسرائيل تستطيع ان تعطل، ولا تستطيع ان تقدم أو تتقدم. أما الولاياتالمتحدة فقد أبلغ رئيسها زواره العرب بعبارة صريحة انه لم يعد معنياً بالوضع الفلسطيني وان تركيزه الأول، أو الوحيد، هو على العراق، خصوصاً مع اشتداد حملة الانتخابات الأميركية، واستغلال المتنافسين الديموقراطيين على الترشيح الصعوبات التي يواجهها الاحتلال والمقاومة للنيل من جورج بوش. الوضع الفلسطيني صعب بالمطلق، وحكومة آرييل شارون تستغل ابتعاد إدارة بوش لتسريع التدمير ومصادرة الأراضي وبناء الجدار، وهذا الوضع لن يتغير قبل سنة 2005، اذا كان بقي من الفلسطينيين وقضيتهم شيء. ولعلّ دولاً عربية تتبعهم على طريق النهاية، اذا لم تفق بسرعة الى مصلحتها المشتركة. والوضع الفلسطيني الصعب هذا، صعب مع ياسر عرفات، وأصعب من دونه، وأبو مازن قادر ومثله أبو اللطف، الا ان الأرجح ان تستغل اسرائىل غياب عرفات لمنع بروز خليفة له، والقضاء على ما تبقى من مظاهر السلطة الوطنية التي لم تكن سلطة كاملة، أو وطنية بالحد المطلوب.