أمر ملكي.. الموافقة على النظام الأساس لمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون ومركز الأبحاث    قطار الرياض.. 85 محطة منها 4 رئيسية تعزز كفاءة التنقل داخل العاصمة    دوري روشن: ديربي القصيم يبتسم للتعاون بهدف دون رد امام الرائد    المركز الإعلامي في حلبة كورنيش جدة.. مجهر العالم لسباق سال جدة جي تي 2024    إحباط محاولتي تهريب أكثر من 480 ألف حبة «كبتاغون» في منفذي جسر الملك فهد وميناء ضباء    مطارات الدمام تشارك في المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير    القبض على مصري في الطائف لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    مجلس الشؤون الاقتصادية يتابع خطوات استقرار أسعار السلع    «سلمان للإغاثة» يدشن المشروع الطبي التطوعي لجراحة العظام في بورتسودان    جامعة الملك عبد العزيز تكمل استعداداتها لإطلاق مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    "الشؤون الإسلامية" تودع أولى طلائع الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين إلى بلدانهم    الجيش السوري يجهّز لهجوم مضاد في حلب    موعد مباراة الاهلي والاستقلال في دوري أبطال آسيا للنخبة    الذهب يرتفع مع تراجع الدولار    "ميسترو".. يوصي بالذكاء الاصطناعي لتحسين العلاج الإشعاعي    اعتقال أكثر من 100 محتج خلال احتجاجات مناهضة للحكومة بجورجيا    قرية القصار التراثية.. مَعْلَم تاريخي وحضاري في جزر فرسان    «الداخلية»: ضبط 19024 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الفنون الشعبية والتراثية تُثري فعاليات حائل    الكشافة السعودية تستعرض تجربتها في مكافحة التصحر بمؤتمر COP16    هل بدأ زيلينسكي مرحلة تقديم التنازلات؟    "التعاون الإسلامي" تشارك في اجتماع التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين في بروكسيل    "بلاغات الأدوية" تتجاوز 32 ألفًا في شهر واحد    ختام نهائيات الموسم الافتتاحي لدوري المقاتلين المحترفين في الرياض    «فيفا» يعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034 على أعلى تقييم في التاريخ    أستراليا تحظر «السوشال ميديا» على الأطفال    نائب رئيس مجلس الإفتاء السويدي: المملكة ناصرة للدين الإسلامي    «الإيدز» يبعد 100 مقيم ووافد من الكويت    معرض "أنا عربية" يفتتح أبوابه لاستقبال الجمهور في منطقة "فيا رياض"    باكستان تقدم لزوار معرض "بَنان" أشهر المنتجات الحرفية المصنعة على أيدي نساء القرى    انطلاق فعاليات معرض وزارة الداخلية التوعوي لتعزيز السلامة المرورية    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    حرمان قاصر وجه إهانات عنصرية إلى فينيسيوس من دخول الملاعب لمدة عام    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    الجبلين يتعادل مع الحزم إيجابياً في دوري يلو    "أخضر السيدات" يخسر وديته أمام نظيره الفلسطيني    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    بالله نحسدك على ايش؟!    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كان عرفات غاضباً من باراك لتأجيله تنفيذ التزامات اسرائيل بموجب اتفاق "واي". اولبرايت : رفض الاسد في جنيف قبول سيادة اسرائيل على شبر من الارض السورية وفي كامب ديفيد تمسك الفلسطينيون بحق اللاجئين في العودة بموجب القانون الدولي 9 من 10
نشر في الحياة يوم 27 - 10 - 2003

في هذه الحلقة المقتطفة من كتاب "السيدة الوزيرة: مذكرات مادلين اولبرايت" تروي وزيرة الخارجية الاميركية السابقة انه عندما التقى الرئيس الاميركي بيل كلينتون نظيره السوري حافظ الاسد في جنيف عام 2000، قدم اليه العرض الذي حمله اياه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك فما كان من الرئيس السوري ان قال بعد نظرة الى خريطة تستند الى افكار باراك "اذاً هو لا يريد السلام ...انتهى الامر"!
وبعد ان رفض الاسد التعامل مع باراك الذي اصر على ان تأخذ اسرائيل رقعة ارض على طول الضفة الشرقية لنهر الاردن وبحيرة طبريا، ركز باراك اهتمامه على سحب القوات الاسرائيلية من جنوب لبنان ثم التفاوض مع الفلسطينيين. وابلغ رئيس الوزراء الاسرائيلي اولبرايت انه يريد ان يرتب الرئيس كلينتون لقاء قمة في كامب ديفيد يجمعه مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي لم يكن راغباً في ذلك واصر على ان يجري التحضير بعناية لمثل تلك القمة. وتقول اولبرايت ان ان باراك لم يشأ ان يطلع الاميركيين على ما هي نهاية اللعبة وان الفلسطينيين شددوا خلال كامب ديفيد على حق اللاجئين في العودة الى ديارهم.
"التقينا، الرئيس كلينتون وانا، مع الاسد والشرع في احدى قاعات فندق انتركونتيننتال في جنيف في 26 آذار مارس 2000. وبما انه لم يحضر سوى سوريين اثنين، تعيّن علينا ان نبقي وفدنا صغيراً. جلسنا حول مائدة صغيرة، وجلس الرئيس والاسد احدهما بجوار الآخر. كنت على الجانب الآخر للرئيس وجلس روس بجانبي. وتولى روبرت مالي، من مجلس الامن القومي، تدوين الملاحظات. وفي الطرف البعيد من الغرفة كان هناك حاجز خشبي، وجلس وراءه بضعة مسؤولين اميركيين آخرين يسترقون السمع ويكبتون السعال كي لا يُكشف امرهم.
ابتدأ الرئيس كلينتون بتقديم الشكر للأسد لمجيئه ومقدّراً الصعوبات الجسدية التي واجهها الزعيم الذي بدا المرض عليه بوضوح. اجاب الاسد "لا أتعب ابداً من رؤيتك".
تحدث الرئيس كلينتون بكلمات موجزة من خطابه "اولادنا سيشكروننا"، مشدداً على الفرصة التاريخية امامنا، وقال انه مسرور لانه تمكن من كسب ثقة سورية من دون فقدان ثقة اسرائيل. ثم قال انه يريد ان يقدم عرضاً رسمياً لما كان الاسرائيليون مستعدين للقيام به. اجاب الأسد "جيّد. لن أرد حتى تنتهي، لكن ماذا بشأن الاراضي؟".
قال الرئيس "الاسرائيليون مستعدون للانسحاب كلياً الى حدود متفق عليها بصورة مشتركة".
قال الأسد "ماذا تعني ب متفق عليها بصورة مشتركة؟".
بدأ الرئيس كلينتون يشرح وأخرج دنيس خريطة تستند الى افكار باراك، وكانت تبيّن خطاً يمتد على طول الضفة الشرقية لنهر الاردن وبحيرة طبريا، مع تحديد واضح لشريط الارض الاسرائيلي.
قال الأسد "اذاً هو لا يريد السلام"، من دون حتى ان يكلّف نفسه تفحص الخريطة. "انتهى الأمر".
وهكذا كان. على امتداد الساعتين التاليتين جهدنا، الرئيس كلينتون ودنيس وانا، لانقاذ الوضع، لكن المشكلة الاساسية جثمت في الغرفة مثل جلمود. الاسرائيليون لن يتراجعوا بشأن الحاجة الى يابسة حول الماء. والاسد لن يقبل بسيادة اسرائيل على شبر مما يعتبره ارضاً سورية. حاول الرئيس بضع مرات ان يعيد طرح لائحة الأسانيد التي قدمها باراك ، لكن السوريون رفضوا.
ذكّرت الأسد بان الرئيس كلينتون لم يأت الى هذا اللقاء الاّ بسبب التزامه السلام وان من المستبعد ان تحصل سورية على عرض اسرائيلي افضل. حضضته على الاّ يفرّط بالفرصة لاستعادة 99 في المئة من مرتفعات الجولان في خلاف على شريط ضيق من الارض.
قاطع الشرع قائلاً: "المشكلة ليست مسألة كيلومترات. انها مسألة كرامة وشرف. الاسرائيليون لا يخسرون اذا اعادوا ارضنا. لا يمكن لأحد ان يفعل اكثر من الرئيس الأسد لضمان ان تُقبل اسرائيل في المنطقة حالما يتم التوصل الى اتفاق".
وعندما تهيأنا للمغادرة، حض السوريون الرئيس كلينتون على الاّ يقول إنهم يتحملون المسؤولية عن فشل المفاوضات. اكتفى الرئيس بالقول ان "العالم سيحكم".
كان باراك يسعى، بتحريك المسار السوري بهذا القدر من الالحاح، الى صنع اتفاق تاريخي مع عدو لدود لاسرائيل فيما يؤمّن الحدود الشمالية لاسرائيل ويحتفظ بمنفذ الى الماء ويمهد الطريق لمحادثات ذروة مع الفسطينيين. لكنه اخطأ في فهم الأسد. اذ ان ما كان يبدو منطقياً لباراك لم يكن يبدو منطقياً للرئيس السوري. كان الأسد راهن بموقف لم يعتقد ان بامكانه التراجع عنه ولو بشكل ضئيل من دون ان يلطّخ صورته التي حرص على تلميعها.
في غضون ذلك، كان الوقت المتبقي يتضاءل. لم يعد لدى كلينتون الكثير من الوقت. اما الأسد فان وقته انتهى. في 10 حزيران يونيو 2000، توفي الرئيس السوري إثر نوبة قلبية، بعدما اخفق في استعادة شبر من اراضي بلاده".
***
"مثل معظم اعضاء الحكومة، كنت اتطلع الى زيارة كامب ديفيد، المنتجع لرئاسي التاريخي في ماريلاند. في تموز يوليو 2000، امضيت خمسة عشر يوماً هناك، في عزلة مع زعماء اسرائيليين وفلسطينيين. عملنا ليل نهار، وعلى مدار اليوم كان الريف الفاتن يلفه ضباب خانق. واخيراً عندما غادرت، بعد خوض نقاشات طويلة جداً مع رجال من ثلاث ثقافات حول الشرق الاوسط، لم يكن يهمني إن كنت سأعود اطلاقاً. لكن اذا كان الشرق الاوسط سيعرف السلام في يوم ما، فان هذا السلام سينشأ من افكار اُستكشفت للمرة الاولى خلال هذين الاسبوعين العاصفين.
كان عرفات رحّب في البداية بانتخاب باراك رئيساً للوزراء، وفي الحقيقة ادعى لنفسه بعض الفضل في ذلك، لكن حماسته سرعان ما تراجعت. كان استثمر لهجة نتانياهو الفظة وسياسته اليمينية لكسب التعاطف مع قضيته. وهدد باراك، بمواقفه الجريئة وسعيه المتحمس للسلام، باضعاف مكانة عرفات وبراعته في اداء دور الضحية. كما سرق باراك الاضواء من الزعيم الفلسطيني بالتفاوض مع سورية.
وبعد رفض الاسد ان يتعامل مع باراك، حوّل الاخير اهتمامه الى سحب القوات الاسرائيلية من المنطقة الامنية التي كانت احتلتها مقابل ثمن كبير في لبنان طيلة سبعة عشر عاماً. وعلى رغم ان معظم الاسرائيليين شعروا بارتياح للانسحاب، كان انصار عرفات غاضبين. فقد لفتوا الى ان الفلسطينيين كانوا قرروا في 1993 ان يستعيدوا ارضهم عبر مفاوضات مع اسرائيل. لكن بعد سبع سنوات على ذلك، كان كل ما حصلوا عليه لقاء جهودهم هو قطعة صغيرة من الارض وحياة تخضع لاهانات يومية. كان "حزب الله" اللبناني، الذي اختار طريق المواجهة المسلحة، نجح في استعادة الارض. ورفض السوريون حتى ان يتصافحوا مع الاسرائيليين، ومع ذلك عرض باراك ان يعيد اكثر من 99 في المئة من مرتفعات الجولان. كان الاسرائيليون، كما قال الفلسطينيون، يبعثون بالضبط الرسالة الخطأ: ان "حماس" كانت على صواب وان إتباع خط متشدد هو السبيل الوحيد لتحرير الارض العربية.
ابلغت عرفات انه كان يفسّر جهود باراك للتفاوض مع سورية بطريقة خاطئة. فهي لم تكن علامات ضعف بل انعكاسات لرغبة اسرائيل في السلام. لم يكن باراك يريد ان تمضي اسرائيل جيلاً آخر كقوة محتلة، لذا كان مستعداً للتفاوض بشكل جدي. واعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي ان التسوية لن تكون ممكنة الاّ اذا اخذ الاسرائيليون في الاعتبار تطلعات الفلسطينيين. قال "اذا لم ننجح، ستبدأ جولة جديدة من العنف، وسندفن ضحايانا وسيدفنون ضحاياهم، وبعد ذلك بجيل سنجلس مرة اخرى لنواجه الجغرافيا ذاتها، والديموغرافيا ذاتها، والمشاكل ذاتها".
وعلى رغم ان موقف باراك كان اجرأ بكثير، فانه كان يشاطر سلفه الكره لمقاربة اتفاقات اوسلو التدريجية. كانت كل خطوة تتطلبها اوسلو تثير جدلاً عنيفاً داخل اسرائيل، لتنتزع بذلك ثمناً سياسياً. وانطلاقاً من قناعته بانه سيكون اسهل بالنسبة اليه ان يعرض رزمة نهائية واحدة بدلاً من السعي للحصول على اجزاء من السلام، تحرك باراك بقوة في اتجاه اتفاق شامل. ولحفز التقدم، لمح الى تبني مواقف تفاوضية كانت على نحو مفاجيء مؤاتية للفلسطينيين. واثارت هذه المواقف غضب خصومه، لكنها ساعدت الاسرائيليين على ادراك ان السلام سيتطلب تنازلات مؤلمة. كان نتانياهو سعى الى كبح توقعات الفلسطينيين. وحاول باراك ان يعطي الاسرائيليين فهماً اكثر واقعية لما سيتعيّن عليهم ان يتخلوا عنه.
اما بالنسبة الى عرفات، فقد سألني باري شويد عميد سلك الصحافيين في وزارة الخارجية، عما اذا كان الزعيم الفلسطيني يفعل اي شيء كي يهييء شعبه لمواجهة خيارات صعبة. كان عليّ ان اقول انه لم يكن يفعل ذلك. كانت تلك الخيارات، في منظور عرفات، حسمت كلها في 1993 عندما قبل الفلسطينيون عملية اوسلو. ومنذ ذلك الحين، كانت مطالبه البعيدة المدى ثابتة. كان يؤيد قيام دولة فلسطينية تستند اراضيها على حدود 1967 وعاصمتها - مثل اسرائيل - في القدس. وفي خطبه باللغة العربية لم يشر الى اهمية معالجة المخاوف الاسرائيلية او الحاجة الى المساومة. كان يقر بوجود اسرائيل ولكن ليس مشروعيتها الاخلاقية. وبدلاً من السعي الى تطوير اجماع فلسطيني جديد، قام بتعزيز الاجماع السابق.
في حزيران يونيو 2000، سافرت مرتين الى الشرق الاوسط. اراد باراك ان يعقد كلينتون اجتماع قمة على نمط كامب ديفيد. لكن عرفات لم يكن يريد ذلك. كان الزعيم الفلسطيني غاضباً من باراك لتأجيله التزامات اسرائيل بموجب اتفاق "واي" ولمحاولته تهدئة اليمين في بلاده بالسماح للمستوطنات ان تتوسع حتى أسرع مما كان الحال في عهد نتانياهو. كما كان منزعجاً لان باراك، بعدما اعطى المحادثات مع الفلسطينيين مرتبة ثانوية على مدى اشهر، اصبح يطالب بأن يسرع عرفات. ابلغني الزعيم الفلسطيني ان اجتماع القمة ورقة مهمة لدرجة تستوجب عدم اللجوء اليها من دون توقع ما بالنجاح، ولم يكن يريد ان يُحمّل المسؤولية عن فشلها المحتمل.
في غضون ذلك، كان باراك يحضّنا بقوة. توقع ان يتمكن الرئيس كلينتون، في اجواء القمة التي تشبه "قِدر الضغط"، ان "يهزّ"عرفات كي يقبل باتفاق. كنا مشككين، فباراك توقع الشيء ذاته بشأن قدرة الرئيس كلينتون على استمالة الأسد. بالاضافة الى ذلك، كان "صندوق باندورا" صندوق الشرور الذي يحمل عنوان "قضايا الوضع النهائي" لم يُفتح ابداً من قبل. كانت تلك القضايا محمّلة بالانفعالات ومعقدة على نحو يثير احساساً بالرهبة. كان الطرفان ملتزمين علناً بمواقف متباينة كثيراً. وكان تحقيق النجاح سيقتضي التزاماً متبادلاً بتبني موقف خلاّق والتحلي بارادة سياسية، وهو شيء مستبعد اخذاً بالاعتبار مزاج عرفات في مرحلة ما قبل القمة. في الوقت نفسه، كان الرئيس كلينتون - المتخوف من وقوع مزيد من العنف والملتزم بقوة بالسلام - متردداً في تبني تقديرات رئيس وزراء اسرائيلي متحمس لأن يفعل شيئاً يُسجّل في التاريخ. وبينما كان عرفات يطلب مزيداً من الوقت فانه لم يستطع ان يحدد ماذا سيُجنى من الانتظار. وفي 3 تموز يوليو 2000، وجّه الرئيس كلينتون الدعوة الى كلا الزعيمين لحضور اجتماع قمة في كامب ديفيد يبدأ الاسبوع التالي.
***
"كان منتجع كامب ديفيد يربض على ما يصفه سكان شرق الولايات المتحدة بانه جبل في حين نَصِفُه، نحن الذين نعيش في كولورادو، بانه تلّ. وهي منطقة معزولة بسياج تضم اشجاراً ودروباً وازهاراً وكابينات ومنشآت للاستجمام، وتعتبر عربات الغولف افضل وسيلة للتجوال فيها. ومن درجات مدخل كابينة الرئيس كلينتون يمكن ان يشاهد مقر اقامة باراك على يمينه وعرفات على يساره. وكان مقر اقامتي يبعد بضع ياردات عن مكان باراك في الغابة القريبة.
كان يتعيّن على الرئيس كلينتون ان يغادر بعد ثمانية ايام على بدء القمة لحضور اجتماع لزعماء "جماعة الثمانية" في اليابان، لذا لم يكن لدينا الكثير من الوقت. قررنا ان نقضي اول يومين في طلب الاقتراحات، ثم نقدم وثيقة في اليوم الثالث تتضمن كلا الموقفين الاسرائيلي والفلسطيني وافكارنا الخاصة. في غضون ذلك، كانت المهمة الاولى للرئيس هي ان يغيّر سيكولوجية عرفات. كان نجاح المفاوضات يقتضي ان نقنع الزعيم الفلسطيني بانه لم يرتكب خطأً بالمجيء. قال ساندي بيرغر للرئيس "ابلغه فحسب انها ستكون اللحظة الاكثر مدعاة للفخر في حياتك ان تقف الى جانبه في فلسطين عندما يُرفع العلم الوطني الفلسطيني". رمق الرئيس ساندي بنظرة معناها "لا بد انك مجنون". وقال "اللحظة الاكثر مدعاة للفخر في حياتي؟ ماذا بشأن ولادة تشيلسي؟".
لم يحقق اللقاء بعرفات الغرض منه. كان الرئىس كلينتون ملهماً وفصيحاً. وكان رئىس منظمة التحرير الفلسطينية مجاملاً وكيّساً وصامتاً. اما اللقاء الاول مع باراك فانه كان مخيباً على نحو مماثل. كان رئيس الوزراء الاسرائيلي وصل متأخراً لانه اجتاز بالكاد تصويتاً بعدم الثقة في البرلمان الاسرائيلي. كان مزاجه حساساً وسريع الغضب، وفضّل الاّ يحدث شيء لبضعة ايام لانه اذا تحقق النجاح في وقت ابكر مما يجب فان ذلك سيبدو كما لو انه كان متساهلاً في التفاوض. هكذا فان الزعيم الذي كان متحمساً لتسريع العملية اصبح الآن يريد ان يبطيء الايقاع، مثل قائد اوركسترا ينتقل بسرعة بين قطعة موسيقية بطيئة واخرى سريعة، فيزيد احتمال حدوث تنافر في الاصوات. ورأى باراك انه ينبغي ان ندع الضغوط تتزايد على عرفات حتى تحدث أزمة، لننتقل عندئذ الى نهاية اللعبة. كان هذا عكس مقاربتنا. كنا نعتقد ان عرفات يحتاج شيئاً ما في البداية يجتذبه ويجعله يتفاوض بشكل بناء. ولم نكن نعرف ما هي نهاية اللعبة بالنسبة الى باراك لانه لا يريد ان يطلعنا.
في اليوم الثالث التقيت باراك في كابينته، التي كانت تسمى "دوغوود" لكن اُعيد تسميتها بسرعة "دوغهاوس" من قبل موظفيه. كان رئيس الوزراء يرتدي زياً اسود اللون بالكامل، وهو ما كان منسجماً مع نظرته للامور. شكى بشأن اسلوب الفلسطينيين في التفاوض. وقال ان اسرائيل تحرّك موقفها باستمرار بالقفز الى امام، لكن عندما يقفز عرفات فانه يحطّ دائماً في المكان ذاته، وهي ملاحظة يصعب الاختلاف معها. وطلب باراك ان يرى الورقة التي كنا نعدّها. قلت ان دنيس يتهيأ لاعطاء المفاوضين الاسرائيليين عرضاً موجزاً لها. قال باراك "يجب ان أطّلع عليها. قد يرتكب المفاوضون في وفدي خطأً. يجب ان اخبركم ما اذا كنت سأقبلها او ارفضها".
بعد وقت قصير على ذلك، علمنا الجواب. كان موقف باراك سلبياً. لم يشأ الرئىس كلينتون ان "يُحرج" الزعيم الاسرائيلي في مستهل المفاوضات، فطلب من دنيس ان يعد ورقة جديدة تكتفي بسرد مواقف الاسرائيليين والفلسطينيين. كان هذا مناسباً لباراك. لكن عرفات كان غاضباً عندما تلقى الورقة الجديدة لانها تضمنت اشارة الى خطة اسرائيل لتوسيع القدس كي يمكن للفلسطينيين ان يقيموا عاصمتهم في ضاحية بعيدة عن المركز بدلاً من ان تكون داخل الحدود التقليدية للمدينة. فهو لن يقبل ابداً هذه "الخدعة الاسرائيلية". وفي حوالي الساعة 30،2 صباحاً، جاء المفاوضان الفلسطينيان صائب عريقات وابو علاء الى كابينتي حيث حاولنا، دنيس وأنا، تهدئتهما. اخيراً قال دنيس: "اذا كانت ورقتنا لا تعجبكم، جيّد. تفاوضوا اذاً بشكل مباشر مع الاسرائيليين". قال صائب "تعني انه يمكن ان نتجاهل الورقة؟". "نعم".
هكذا، بعد ثلاثة ايام، كنا وضعنا ورقة رُفضت من قبل باراك واخرى رفضها الفلسطينيون. في غضون ذلك، ابلغنا اعضاء فريق باراك انه اُسيء فهم زعيمهم وانه كان ينبغي ان نتمسك بالورقة الأولى. على أية حال، لم تكن لدينا وثيقة ولم نحرز اي تقدم، وهي نتيجة ادت الى توترات داخل فريقنا. كان مجلس الامن القومي نافد الصبر، وكانت وزارة الخارجية تشعر بالقلق بسبب الاشارات المتغيرة باستمرار، وكنا جميعاً غاضبين. ساعد جون بودستا كبير موظفي البيت الابيض الجديد، البارع وغير المتحيّز، على التوسط وإعادتنا الى المسار. في غضون ذلك، شجّع الرئيس كلينتون كلا الزعيمين على ان يضع نفسه في محل الآخر، كما فعل سابقاً في مفاوضات واي. لكن عرفات سئِم الاستماع الى المشاكل السياسية الداخلية لباراك التي قال ان الزعيم الاسرائيلي كان اختلقها فحسب. ومن جانبه، رفض باراك فكرة ان عرفات يحتاج الى مساعدة كي يضبط المتطرفين الفلسطينيين.
وفي محاولة لتركيز انتباه الطرفين، شجعناهما على الجلوس في فرق صغيرة وبحث القضايا الرئيسية معاً. وتضمنت هذه القضايا الحدود والمستوطنات والأمن واللاجئين والقدس.
على صعيد الحدود، بدأ الفلسطينيون بمطلبهم ان تعيد اسرائيل كل الاراضي التي اُحتلت خلال حرب 1967 لتشكل اراضي دولتهم الجديدة. كان هذا ما حصل عليه انور السادات لمصر وسيناء في 1978، وما كان الأسد يطالب به لسورية. لكن بحلول العام 2000، كان هناك اكثر من 180 الف مستوطن اسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية وغزة، وتركزت غالبيتهم في مناطق قريبة من اسرائيل. وكان باراك يريد ان يضم ما يكفي من الضفة الغربية ليسمح ل80 في المئة من المستوطنين ان يبقوا تحت حكم اسرائيل. كما اراد ان يسيطر على اشرطة من الارض في وادي الاردن وغزة لمنع الاعتداءات وحركة السلاح والارهابيين. وفي الوقت الذي عارض فيه الفلسطينيون اي وجود عسكري اسرائيلي دائم في وادي الاردن فانهم كانوا مستعدين للقبول ببعض محطات الانذار المبكر. كما ارادوا ان يتم تعويضهم عن الاراضي التي تُضم من اجل المستوطنات بالحصول على اراضٍ مكافئة حجماً ونوعاً في اماكن اخرى.
كانت قضية اللاجئين ذات بعد قانوني ومثيرة بقوة للمشاعر على السواء. وحسب سجلات الامم المتحدة، كان هناك حوالي اربعة ملايين فلسطيني شرّدوا بسبب حربي 1948 و1967 او يتحدرون من اولئك المشردين. واكد الفلسطينيون على الحق بموجب القانون الدولي في العودة الى ديارهم. كان هذا المطلب هو الهدف المحوري لمنظمة التحرير الفلسطينية على امتداد تاريخها. لكن اذا مورس هذا الحق ستفقد اسرائيل مكانتها كدولة لليهود بشكل اساسي. واذا قبلت اسرائيل المسؤولية القانونية والاخلاقية لمصير اللاجئين، فان ذلك سيضعف شرعية انشاء الدولة بالذات في نظر اعدائها. كان واضحاً ان مثل هذه التنازلات لم تكن مقبولة. لكن التوصل الى اتفاق بدا، رغم ذلك، ممكناً لان بعض المفاوضين الفلسطينيين كان مستعداً لأن يناقش سراً فكرة ان يكون هناك حد اقصى لعدد اللاجئين الذين سيسمح لهم بالعودة الى اسرائيل، فيما وافق الاسرائيليون على انه يمكن انشاء نظام دولي لتعويض اللاجئين والحكومات التي استضافتهم.
كانت قضيتا الحدود واللاجئين، على رغم ان حلّهما مستحيل تقريباً، سهلتين مقارنةً بمشكلة القدس. وكان باراك، مثل كل سياسي اسرائيلي بارز آخر، تعهد الالتزام بمدينة غير مقسّمة. وطالب الفلسطينيون باعادة القدس الشرقية التي اُحتلّت خلال حرب 1967. في مفاوضاتنا، نوقشت الجغرافيا السياسية للقدس في اربع دوائر متحدة المركز. في الدائرة الخارجية، كانت هناك الاحياء الواقعة في الضواحي التي اُحتلّت ايضاً في 1967. وفي الدائرة الثانية، هناك الاحياء التي تمتد الى مركز المدينة. وتألفت الدائرة الثالثة من مدينة "القدس القديمة" التاريخية المسوّرة، باحيائها اليهودية والارمنية والمسيحية والمسلمة. وفي قلب القدس توجد منطقة مساحتها 35 أكر تضم ينابيع وحدائق ومباني وقباباً تُعرف باسم جبل الهيكل لدى اليهود والحرم الشريف لدى المسلمين. وتضم هذه المنطقة الصغيرة مواقع مقدسة لدى المسيحيين واليهود والمسلمين اكثر من اي مكان آخر في العالم."
"... كانت المسألة بالنسبة الى المفاوضين هي كيف يُحل هذا كله. وابتكر جوناثان شوارتز، وهو محامٍ مبدع ضمن فريقنا، لائحة بالسبل التي تتيح تحوير ووصف مفاهيم السلطة او السيادة السياسية والقانونية والادارية. اعتقدنا انه اذا كان سيُعثر على حل لمعضلة القدس فانه يجب ان يتم عبر صيغة تسمح لكل من الطرفين ان يقول انه يسيطر على ما يهمه الى اقصى حد.
ومن اجل التوصل الى اساس مشترك على صعيد كل القضايا، كنا نلتقي في مجموعات صغيرة مع كل طرف على انفراد ومع الطرفين معاً. ورتّبنا اجتماعات التقى فيها الاسرائيليون والفلسطينيون من دوننا. وخططنا للقاءات في كابينات قريبة واخرى في مواقع بعيدة نسبياً. وشجّعنا الطرفين على تبادل الافكار بشكل غير رسمي اثناء وجبات الطعام، وخلال فترات الاستراحة في لعبة كرة السلة، واثناء مناجاة الطبيعة، وسراً. وخططنا لأن يقوم الرئىس كلينتون بزيارات قصيرة الى الجلسات. وطلبنا ان يقدم المفاوضون تقاريرهم اليه او إليّ في نهاية اليوم. وحتى احتجزنا في احدى المرات مفاوضين اثنين من كل طرف في مكتب الرئىس من منتصف الليل الى العاشرة صباحاً.
"... في مرات اخرى، كان التوتر يتفجّر. في بداية المفاوضات، وبّخ الرئىس كلينتون المفاوض الفلسطيني ابو علاء لانه لم يظهر اي مرونة بشأن مسألة الحدود. وبعد ان طرح رأيه بقوة، اومأ لي وغادرنا الغرفة بشكل مثير، تماماً في اللحظة التي بدأ فيها هطول مطر غزير. وكان علينا ان نختار بين ان نبتل او نخسر دراما خروجنا، لذا واصلنا السير وابتللنا.
بدا الاجهاد واضحاً على باراك بسبب الساعات التي كان يقضيها على الهاتف لمتابعة الوضع السياسي في بلاده. وخلال الايام الاولى كان التقدم الفعلي الوحيد الذي اُحرز تحقق عبر قنوات جانبية. وتوقف ذلك عندما منع باراك الاسرائيليين الآخرين من التحدث حول القدس. كان من المستحيل الاّ يُعجب المرء بباراك. وقد وجدته انا شخصاً رائعاً يمتاز بافكار جريئة وتفانٍ من اجل السلام واستراتيجيات معقدة. لكن مهاراته على صعيد التعامل المباشر مع الآخرين لم تكن مُرضية. كان يميل الى جعل الآخرين يدركون فوراً انه يعتبر نفسه أذكى منهم، وهو حتى اذا كان صحيحاً فانه ليس تكتيكاً ذكياً. كان يملك تصوره الخاص لما هو منطقي، وبدا انه لا يدرك ان المستمعين سيكونون اكثر تجاوباً اذا مزج توضيحاته بروح الدعابة واللباقة. كما كان بارداً جداً تجاه الفلسطينيين.
الحلقة العاشرة والاخيرة غداً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.