استحوذ الذهب "المعدن النبيل" على أبصار النساء وعقولهن في حاضر العصر وماضيه، وظل يمثل للكثير من المغامرين في تجارته والتفنن في صياغته وسيلة سريعة للثراء الفاحش. وفي العراق، حيث تغير كل شيء، كانت عروس الماضي توشح بأبهى الحلي الذهبية الخالصة كمهر لزواجها الذي يحظى بمباركة أهل العروس والعريس وسط تهامس الفتيات، فإحداهن تسأل "من أي صائغ جاءت بهذا الذهب" وأخرى تشير انظري إلى "الترجية... كم هي جميلة" بينما تقول لصديقتها "انه الصائغ نفسه الذي اشتريت منه الحجل". كانت نسوة العراق يتفاخرن بالذهب واقتنائه خصوصاً "الخزامة" و"أم عران" و"الكرديلة" و"الترجية" لكن عروس الحاضر اكتفت ب"الحلقة" واحياناً تضطر لاستعارة بعض حلي ومصوغات صديقاتها او قريبة لها لتتزين بها يوم زفافها وتعيدها في وقت لاحق. وعزوف العائلة العراقية عن اقتناء مصوغاتها الذهبية ومخشلاتها يعود لافتقادها الى القدرة الشرائية خلال سني حكم النظام السابق. وكانت غالبية هذه العوائل لا تفكر الا في كيفية إشباع البطون بعدما ظلت "سلة الغذاء" تشكل هاجسها الأول. المتعاملون بالذهب ولم يفقد الذهب بريقه وسحر جاذبيته على رغم تردي الأوضاع وظل المتعاملون به من تجار وصاغة يعملون على استيراده عن طريق المصارف واناس تخصصوا بنقله مقابل حوالات مالية يتم بيعها إلى الصاغة واصحاب محال الذهب. ويقول احمد كامل، الذي يدير محلاً لبيع الذهب والمجوهرات في حي الكاظمية وسط بغداد، "نشتري الذهب ونستورده من الدول المجاورة كالأردن مثلاً وبشكل حوالات يتم نقلها إلى العراق تلافياً لعمليات التسليب والسرقة المنتشرة هذه الأيام". الختم المزور ويتحدد نوع الذهب من خلال درجة نقاوته ويسمى "ذهب تيزاب" حيث يقوم الفاحص بوضع الذهب بالتيزاب حامض الكبريتيك ويسمى في العراق ذهب 24 وهي أعلى درجة نقاوة للذهب وعند خلط النحاس به بنسبة معينة يسمى ذهب 21 او ذهب 18 . وكان الذهب في العراق يختم حسب تقويمه وتقدير درجة نقاوته من قبل جهة مختصة. ودفع عدم وجود هذه الجهة حالياً بعض الصاغة إلى وشم الحلي الذهبية والمخشلات مما سهل للمتلاعبين بالترويج للحلي ولمخشلات ذهبية مغشوشة كما يقول عمار عبدالمنعم الذي يدير ورشة صغيرة للذهبيات. ويضيف: "نصهر بعض المصوغات الذهبية القديمة ونعيد صياغتها او ترميم بعض أجزائها المتضررة وأمام هذه الحالة نضطر إلى ختم الذهب عند إعادة صياغته لعدم وجود جهة تعمل على ختمه وتقويمه بسبب الظروف الحالية". لكن مكارم عباس 27 عاماً تتهم بعض الصياغ بالغش وتقول: "صاغة الذهب المغشوش يلعبون بالبيضة والحجر" وتوضح "ان الأحداث الأخيرة في بلدنا زادت من مخاوفنا من تلاعب الصياغ لنشر الذهب المغشوش". وتضيف مكارم: "عندما نريد شراء ذهب نضطر للبحث عن صائغ أمين ما يكلفنا عناء كبيراً قبل شراء لمخشلات ذهبية". ومما زاد في انتشار ظاهرة الذهب المغشوش هو أعمال السلب والنهب التي رافقت الحرب الأميركية والبريطانية على العراق وما رافق من أحداث. ويقول علي فاضل 25 عاماً ويعمل صائغاً للذهب، "تتم سرقة كميات كبيرة من الحلي والذهبيات خصوصاً من المصارف بسبب أعمال الفوضى التي أعقبت انتهاء الحرب". ولا تزال تحدث حتى الآن وهو أمر يخشاه صاغة الذهب. ويتابع "ان أهم عوامل نجاح الصائغ في عمله هو الصدق والأمانة وبالتالي اعطاء الزبون ثقة كاملة بالصائغ والمحل". ويقول الصائغ رياض عبدالرضا 28 عاماً انه يضطر لشراء الذهب من الدول المجاورة تلافياً للمساءلة التي قد يتعرض لها، ويضيف انه لم يعد يتعامل بشراء الذهب في محله وانه اتجه لبيع ما تبقى عنده من حلي ومخشلات ذهبية بانتظار انفراج الظروف. الاونصة الدولية ويعتمد الصاغة في أسعار الذهب على سعر الاونصة في الاسواق الدولية، والاونصة الواحدة هي 31.1 غرام لكن العائلة العراقية لا تعرف في اغلب الأحيان شيئاً عن الاونصة واسعارها وعند شراء هذه العائلة او تلك للذهب فانها تعتمد على السعر الذي يقدمه الصائغ والذي يقومه الأخير بسعر الدولار الأميركي وظلت هذه الحال قائمة في زمن النظام السابق. وتقول سناء فاضل، التي حضرت الى محل لشراء بعض المخشلات الذهبية انها "تشتري الذهب بسعر الدولار". وتقول ام سعيد، وهي زبونة دائمة لأحد محال بيع الذهب في الأعظمية، ان أسعار الذهب عالية جداً هذه الأيام بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وتتوقع هبوط سعر صرفه قريباً مما يوفر لها فرصة لشراء بعض المخشلات الذهبية لابنتها التي تستعد لاتمام مراسيم زواجها من ابن عمها.