يسمى صانع الحلي والمصوغات الذهبية في بلداننا الخليجية ب"الصائغ" تقديراً لفن جميل يصاغ بدقة في خضم نار موقده ليخرج لنا منحوتة ثمينة. بعد أن كان اللؤلؤ هو الأثير، إذ قيل إن الأسبان أول من ثمّن اللؤلؤ ولذا فإن الاستعمار البرتغالي للمنطقة للبحث عنه، جعل أهالي المنطقة البحرية بالخليج يتوجهون إلى حرفة الغوص واستخراج اللؤلؤ الذي صنع حرفة تباهى بها الأجداد. وهناك من يقول: إن الاستعمار الانجليزي هو من أعاد للذهب اعتباره بعد أن اهتم به وبصياغته حتى إنه لا تزال بعض التسميات الانجليزية تطلق على أنواع قديمة خاصة بالمصوغات البحرينية "كالنكلس والبريسلة وغيرها". وإذا كان الغوص حرفة، فإن "الصاغة" حرفة أيضاً استمرت تورث حتى الآن، و أطلق لقباً لعائلات بعضها لم يعد يمارس الحرفة منذ الجد الثالث، وبعضهم امتهنها أباً عن جد حتى يومنا هذا يأبى التنازل عنها وإن نافسهم الصاغة الهنود بعد فتح أسواقنا، وفي كل الأحوال أصبح لقب "الصائغ" يطلق على العائلات الشهيرة والمعروفة في بلدانهم بفضل حرفتهم. إذاً تاريخ الذهب في بلداننا لم يكن عبارة عن بيع وشراء فحسب بل هو تاريخ ممتد منذ العصور السالفة. في البحرين الجزيرة التي تتمتع بأشهر تسمية لمصنوع الذهب "الذهب البحريني" الممزوج بالفضة ذي العيار 21 الذي يقبل عليه المشتري البحريني والخليجي بتقدير كبير لفنه وصياغته وجمال لونه، ومنذ أكثر من 12 عاماً مضت عانى السوق وبائعوه مرارة اندثار المشتري وأفل نجم العديد من الصاغة وتبدلت كيفية الشراء بتسميات لم يألفها الشارع البحريني مثل "رهن الذهب" الذي امتهنه العديد من تجار الذهب وربح تجارته من جراء استغلال حاجة الناس، إنها قصص عديدة لمهنة باتت تهددها أنظمة وأيدلوجيات اقتصادية عالمية دخلت السوق منذ ذلك الوقت. حكايتها بدأت منذ أكثر من 12 عاماً وبالتحديد منذ حرب العراق، تأثر الدولار الأمريكي ونزل سعره كثيراً، وكالعادة تأثر العالم كله بهذه الهزة لسعر الدولار ما نتج عنه خوف المستثمرين ولجوئهم لتحصين أنفسهم بهذا المعدن الذي كنا نردد منذ صغرنا ما تقوله جداتنا عنه "الذهب هو القرش الأبيض لليوم الأسود" لتطبق هذه المقولة عالمياً، وكدست السبائك الذهبية في اكبر أسواقها كالهند والصين كمحطة تبعتها باقي المحطات عالمياً، حتى وصلت إلى البنوك التي استبدلت سلة العملات بسبائك الذهب ومنذ ذلك الوقت ارتفع سعر الذهب ولم يهبط قط إلا بنسبة متدنية جداً لتعود مرتفعة. وعليه فقد تغيرت ممارسات الحياة وتغيرت عادات وتقاليد، وقتل حلم الفتيات لاقتناء الذهب وبات أغلبهن يستأجرنه لليلة زفافهن كممارسة موروثة، وبدأ انخفاض نسب شراء الذهب يتهدد سوقه حتى حذر مجلس الذهب العالمي من ذلك، وكله بفضل جشع المستثمرين. [email protected]